هل حدث وأن عطست في الليل بقوةٍ كافية لإيقاظك؟ حاول أن تتذكر. من المرجح أنك ستجيب بالنفي. في الواقع، يعتقد الكثير من الباحثين في موضوع النوم وعلماء الأعصاب أنه من المستحيل عملياً أن يعطس الإنسان أثناء نومه.
لا بد أن ننتبه في البداية إلى أنه لا يوجد ما يشير إلى نشر أية دراسة تبحث في إمكانية العطاس أثناء النوم. بدلاً من هذا، حاول أخصائيو الفيزيولوجيا وباحثو النوم أن يجيبوا عن هذا السؤال بناء على معرفتنا الحالية بكيفية عمل الدماغ والجسم أثناء النوم.
يقول الباحث في موضوع النوم ستيفن شيا، مدير معهد أوريجون للعلوم الصحية المتعلقة بالبيئة المحيطة في جامعة أوريجون للصحة والعلوم: "وفقاً لمعلوماتي، لا أعتقد أن البشر يعطسون أثناء النوم. لقد درست المئات من النائمين، ولم أر أي شخص يعطس أثناء نومه، ولكن من ناحية أخرى، لم أحفزهم على هذا أيضاً".
يستذكر شيا قصة تقترح صحة هذه الفرضية. فقد شاهد في إحدى المرات صبياً مصاباً بسعال مزمن، ويقول: "لقد كان يسعل تقريباً كل 10 أو 15 ثانية طوال فترة استيقاظه". غير أن والدي الصبي قالوا له أنه يتوقف عن السعال ما أن يغفو. ويتابع شيا: "وبالفعل، كنت أنظر إلى موجاته الدماغية، وما أن دخل أول مرحلة من النوم، توقف السعال. وكان يستيقظ بعدها في منتصف الليل ليسعل، ومن ثم يعود إلى النوم ويتوقف عن السعال".
وضع شيا بعض التخمينات حول سبب توقف الصبي عن السعال -وحول سبب عدم العطاس- أثناء النوم.
في البداية، عندما نكون في السرير، نكون بشكل عام أقل عرضة للأشياء المثيرة للعطاس، حيث لا يوجد حولنا في الليل الكثير من الناس أو الحيوانات التي تثير الغبار. وبالنسبة لمن يعطسون لدى رؤية ضوء الشمس أو أي ضوء ساطع، فمن المرجح أنهم ينامون في غرفة معتمة.
ولكن، بغض النظر عن الأسباب الخارجية، يوجد أسباب فيزيولوجية أيضاً. حيث أننا نمر بنوعين من النوم خلال الليل: نوم حركة العين السريعة، والنوم بدون حركة العين السريعة. يستغرق النوم مع حركة العين السريعة حوالي 20% إلى 25% من مجمل الليلة. وخلال هذا الوقت، نرى الأحلام بشكل واضح، وتتحرك أعيننا بسرعة تحت أجفاننا، وتكون موجاتنا الدماغية مشابهة لحالة الاستيقاظ. أما النوم بدون حركة العين السريعة، فهو ذلك النوم العميق للغاية. وقد يمنعنا هذان النوعان من النوم عن العطاس بطرق مختلفة أثناء انعزالنا عن العالم الخارجي.
أثناء النوم بدون حركة العين السريعة، يصبح اختراق اللاوعي أصعب. ويشرح شيا أنه في هذا النوع من النوم، يوجد الكثير من الفلترة والتثبيط. وعلى سبيل المثال، فإن التربيت بشكل خفيف على اليد لا يكون محسوساً في الدماغ بنفس القوة في حالة الاستيقاظ. ويمكنك أن ترى هذا الأثر فعلياً على شاشة راسم الأمواج الدماغية. فعندما يتعرض الإنسان للتربيت على اليد، سينتج نشاطاً كهربائياً في الدماغ أقل مما لو تعرض لنفس التربيت أثناء الاستيقاظ، وهو على الأرجح السبب الذي يدفعك لإيقاظ الشخص بهزه بقوة.
خلال النوم ذي الموجة البطيئة، وهو أحد أنواع النوم بدون حركة العين السريعة، يفعّل كل من الثلاموس (المهاد) والقشرة الدماغية (تمثل الأولى محطة التوزيع الدماغية والثانية هي القسم ذي التلافيف) بعضهما للحفاظ على هدوء الدماغ. يقول شيا: "يتبادل المهاد والقشرة العمل، كما لو أنهما في رقصة. وعندما يتحكمان ببعضهما، يؤدي هذا إلى كتم الحواس". غير أن شيا يشير إلى أن هذه العلاقة لا تكتم كل شيء بشكل كامل، بل تزيد فقط من صعوبة عبور المحفزات.
يقول شيا: "غير أن جمال النوم يكمن في أنه يمكن عكسه بشكل شبه فوري في حالات الخطر". حيث يمكن للمحفزات القوية بما يكفي، مثل رائحة الدخان أو انقطاع التنفس أثناء النوم، أن تخترق هذه الحالة السكونية وتوقظنا. وبالتالي يقول شيا أنه إذا عطسنا في منتصف الليل، فهذا يعود إلى استيقاظنا بسبب محفز خارجي يثير العطاس على وجه خاص، ومن ثم يأتي العطاس.
يوافق مستشار النوم دون واتينباو، نائب رئيس جمعية تكساس لأخصائيي النوم وعضو جمعية أبحاث النوم، على هذا الرأي، ويقول: "لا يمكن للدماغ أن ينام، وفي نفس الوقت يسمع ويرى ويحس باللمس في نفس الوقت. ولكن عند وجود محفز قوي بما يكفي، يمكن أن نستيقظ. وهذا يشمل الأشياء التي تجعلنا نعطس".
من ناحية أخرى، فإن نوم حركة العين السريعة يمنع العطاس بطريقة قد تكون مختلفة. فخلال هذا النوع من النوم، أثناء حلمنا بالطيران على التنانين أو قتال الأشرار، فإن أدمغتنا توقف الوظائف الحركية للجسم لمنعه من التحرك فعلياً بشكل مشابه للحلم. يقول شيا: "تعتبر العطسة حركة تتطلب التنسيق بين الكثير من العضلات"، ولكن بسبب إيقاف وظائف الجسم من قبل نوم حركة العين السريعة، فإن "بعض هذه العضلات تكون شبه مشلولة"، وبالتالي فإن العطاس شبه مستحيل.
بدلاً من هذا، يقول واتينباو أننا قد ندخل شيئاً مثيراً للعطاس في أحلامنا، مثل المشي في غابة مليئة بشباك العناكب، أو الدخول في سباق على مضمار روماني قديم مليء بالغبار. نوماً هنيئاً!