هل هناك علاقة فعلاً بين بودرة الأطفال والإصابة بالسرطان؟

4 دقائق
إن بودرة الأطفال التي تنتجها شركة جونسون آند جونسون -والتي كانت تعتبر في يوم من الأيام بسيطة وغير مؤذية وشديد الانتشار بين الأمهات الجدد- هي الآن موضوع ادّعاءات قانونية شديدة.

من الصعب نسيان تلك الرائحة المميزة. إذ أن بودرة الأطفال التي تنتجها شركة جونسون آند جونسون -والتي كانت تعتبر في يوم من الأيام بسيطة وغير مؤذية وشديد الانتشار بين الأمهات الجدد- هي الآن موضوع ادّعاءات قانونية شديدة. فعلى مدى السنوات العديدة الماضية، تتعرّض الشركة لادّعاءات بأن البودرة التي تنتجها -والتي يعدّ التالك هو المكون الرئيسي لها- قد أدّت إلى سرطان المبيض عند عدد من النساء اللواتي استخدمن المنتج لسنوات. وفي شهر يوليو، دفعت شركة جونسون آند جونسون مبلغ 4.69 مليار دولار عن الأضرار لمجموعة من المدّعين.

وفي الآونة الأخيرة، ذكرت وكالة رويترز بأن شركة جونسون آند جونسون تعرف منذ السبعينيات بأن بودرة الأطفال يمكن أن تكون محتوية على كميات صغيرة من الأسبستوس أو ملوثة به، وهو مادة مسرطنة معروفة.

ولكن كيفية ارتباط التالك مع الأسبستوس والسرطان هي أكثر تعقيداً بكثير في إثباتها أو كشفها.

ما هو التالك، وكيف يرتبط مع السرطان؟

التالك هو معدن طبيعي موجود في الصخور المتحوّلة حول العالم. ويعتبر هذا المعدن من أكثر المواد ليونةً في العالم، ولذلك عندما يتم طحنه إلى بودرة -تسمى بودرة التالك- فإنه يكون فائقاً في امتصاص الرطوبة وتقليل الاحتكاك، وبالتالي يساعد في الوقاية من الطفح الجلدي الناجم عن الحفاضات وكذلك تهيّج الجلد نتيجة الاحتكاك وغيره من أنواع تهيّج الجلد.

في الولايات المتحدة، تتجمع معظم الرواسب في الجانب الشرقي من جبال الأبالاش وفي أجزاء من شمال غرب البلاد وفي ولاية نيو مكسيكو. ويتم جمع هذه المادة في أغلب الأحيان من المناجم ذات الحفر المفتوحة عن طريق التنقيب وتفجير المواد الصخرية المتحوّلة وسحقها. ولأن التالك ليس هو المادة الوحيدة الموجودة داخل هذه الصخور، فهناك احتمال أن يتلوّث التالك المستخرج بمواد أخرى.

ويصدف أن يتواجد التالك والأسبستوس معاً بشكل طبيعي. وهذه مشكلة، لأن الأسبستوس هو مادة مسرطنة معروفة، وكان يستخدم في كثير من الأحيان في عزل المباني بسبب قوته وخصائصه المقاومة للحرارة. ولكن في أوائل القرن العشرين، وبمجرد أن اتضّح بأن التعرض لمستويات عالية منه يؤدي إلى تندّب الرئة، فقد تم حظر المادة من الاستخدام في مواد البناء.

إن التعرض لكميات كبيرة من الأسبستوس -خاصة على مدى فترات طويلة من الزمن- له آثار صحية واضحة وموثّقة. ولكن التعرض للأسبستوس الذي يعاني منه الذين يستخدمون التالك بشكل منتظم هو أمر مختلف تماماً. فالنساء اللواتي استخدمن بودرة الأطفال طوال حياتهن تعرّضن له بشكل ضئيل، ولكنهن تجاوزن الجرعة على مدى عقود. ويعتبر أقل تأكيداً بكثير كيف أن هذا النوع من التحرير البطيء للأسبستوس يؤثر على صحة الإنسان.

هل تحتوي بودرة الأطفال على الأسبستوس؟

إحدى الادّعاءات الرئيسية المقدمة ضدّ بودرة الأطفال التي تنتجها جونسون آند جونسون كانت من نساء استخدمن بودرة التالك بشكل روتيني من أجل النظافة النسائية وزعمن بأن التعرّض الروتيني للمنتج الذي يحتوي على الأسبستوس أدى إلى الإصابة بسرطان المبيض. وفي شهر يوليو، وافقت هيئة المحلفين على ادعاءاتهن، وأجبرت جونسون آند جونسون على دفع أكثر من أربع مليارات دولار كتعويض عن الأضرار.

ولكن حكم هيئة المحلفين ليس كحكم العلماء. إن أن المجهوليْن الكبيريْن في هذه الحالة هي فيما إذا كان المنتج يحتوي بالفعل على الأسبستوس، وفيما إذا كان يحتوي عليه بكميات مرتفعة بما يكفي للتسبّب بالإصابة بالسرطان. ولا يمكن الإجابة على أي من السؤالين بطريقة واضحة.

ويشير تقرير رويتر الأخير إلى أنه بمجرد أن يتضّح أن التالك يمكن أن يرتبط مع الأسبستوس وأن الأسبستوس هو مادة مسرطنة مؤكّدة، فيجب على شركة جونسون آند جونسون أن تنشر بشكل علني نتائج الاختبارات الداخلية حول كمية الأسبستوس في البودرة التي تنتجها إلى كل من إدارة الغذاء والدواء الأميركية وجمهور الناس، ولكنها فشلت في القيام بذلك.

ما هو دور إدارة الغذاء والدواء الأميركية؟

وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، قامت إدارة الغذاء والدواء بآخر اختبار للمنتجات التجارية التي تحتوي على التالك للكشف عن الأسبستوس في عام 2010، ولم تعثر على أي أثر ضئيل للعناصر. ومع ذلك، قام خبراء من القطاع الخاص بالنيابة عن محامي المدّعين بإجراء اختبارات مستقلة واكتشفوا وجود الأسبستوس في منتجات التالك.

ولا تختبر إدارة الغذاء والدواء المنتجات الاستهلاكية بشكل روتيني لتحديد سلامتها. ولأنها ليست أدوية تُعطى بوصفة طبية ولا تدّعي بأنها تعالح أو تشفي مرضاً ما، فلا تحتاج هذه المنتجات إلى الامتثال لنفس قوانين السلامة التي تمتثل لها الأدوية. وبدلاً من ذلك، تمتثل الشركات الخاصة عادةً لمجلس منتجات العناية الشخصية (Personal Care Products Council)، والذي أشار بأن جميع منتجات التالك يجب أن تكون خالية من الأسبستوس منذ عام 1976.

أحد الأسباب الرئيسية لعدم وضوح أي شيء هو أنه من الصعب جداً إيجاد ارتباط بين السرطان والمستويات الضئيلة من الأسبستوس بالكمية التي يمكن أن تتواجد في التالك. وقد تم في الأصل الكشف عن علاقة الأسبستوس بالسرطان عند عمال مناجم الفحم وعمال البناء الذين تعرّضوا لمستويات أعلى بكثير، وغالباً ما كانوا يستنشقون الهواء المغبّر الذي يحتوي على المادة.

ولكن من المستحيل تقريباً تحديد كمية المادة المطلوبة لبدء تطوّر السرطان. فعلى سبيل المثال، إن الأبحاث التي أجريت حول العلاقة بين سرطان المبيض والاستخدام المتكرر وطويل الأمد للبودرة التي تحتوي على التالك على الأعضاء التناسلية أظهرت نتائج متفاوتة، حيث أظهر بعضها زيادة طفيفة في خطر الإصابة بينما لم يُظهر بعضها الآخر أي ارتباط على الإطلاق. وكما تشير جمعية السرطان الأميركية (ACS)، فإن العديد من هذه الدراسات ازدادت تعقيداً بسبب حقيقة أنها تعتمد في كثير من الأحيان على ذاكرة المشاركين بعد سنوات بشأن كمية بوردة التالك التي استخدموها قبل سنوات أو عقود. ويخلص كل من المعهد الوطني للسرطان وجمعية السرطان الأميركية إلى أن البحث مستمر وأن أي دليل على وجود علاقة -والتي في أشدّها ستكون زيادة صغيرة جداً- ليس قوياً بما يكفي حتى الآن.

وكما أفادت بوبيولار ساينس في شهر أغسطس، يصبح هذا الأمر أكثر تعقيداً عند الأخذ في الاعتبار كيفية اتخاذ القرارات حول هذه الارتباطات من قبل هيئة المحلّفين في قاعة المحكمة. إذ يجب على هيئة المحلفين أن تقرّر ما بين استنتاجين فقط، وهما إن كان من المرجح أن التالك أدّى إلى الإصابة بالسرطان أو أنه لم يؤدّ إلى ذلك. من ناحية أخرى، فإن العلم له معايير أعلى بكثير، ويجب أن يكون قادراً على إظهار -مع تأكيد إحصائي مرتفع- أنه من المستحيل تقريباً أن يكون هناك شيء آخر قد أدّى إلى الإصابة بالسرطان غير بودرة التالك، والذي يكون في كثير من الحالات شبه مستحيل.

هل بودرة الأطفال مفيدة بالفعل للأطفال أو الكبار؟

على الرغم من كل الترويج لبودرة الأطفال، إلا أنها لا تستحق المخاطرة على الأرجح بغض النظر عن التالك. ووفقاً لصحيفة التايمز، فإن الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال توصي بعدم استخدام بودرة التالك بسبب خطر اختناق الطفل بالبودرة، واستخدام مرهم يعتمد على الزيت بدلاً منه إذا لزم الأمر. أما بالنسبة للبالغين، فإن البودرة التي تعتمد على نشاء الذرة تعتبر بديلاً جيداً من أجل تهيّج الجلد أو الاحتكاك.

المحتوى محمي