هل يساعد سماع الموسيقى على التركيز أثناء العمل؟

3 دقائق
كيفية التخلص من التوتر
الموسيقى والعمل لا يجتمعان دائماً

يستمع الكثير منا إلى الموسيقى أثناء العمل، لقناعتنا بأنها تساعدنا في التركيز على تنفيذ المهام الموكلة بين أيدينا. في الواقع، وجدت الأبحاث الأخيرة أن الموسيقى قد يكون لها آثار مفيدة على قدرة الإنسان على الإبداع. مع ذلك، عندما يتعلق الأمر بجوانب أخرى من الأداء، بخلاف القدرة على الإبداع، فإن بيان تأثيرها يكون أكثر تعقيداً.

على الأرجح، تعود جذور الافتراض بأن الاستماع إلى الموسيقى أثناء العمل يفيد الإنتاجية إلى ما يسمى "تأثير موتسارت"، والذي اكتسب اهتماماً واسعاً من وسائل الإعلام في وقت مبكر من تسعينيات القرن الماضي. ويعرف هذا التأثير ببساطة على أنه قدرة الفرد على أداء التدوير المكاني (أو ما يعرف بالتدوير الذهني، وهو أحد أنواع الأسئلة في اختبارات تحديد مستوى الذكاء، حيث تعرض عليك مجموعة من أنصاف الأشكال ثنائية الأبعاد، وعليك أن تختار الأشكال التي تكمل بعضها البعض، وهو ما يتطلب منك تخيلها في شكلها ثلاثي الأبعاد)، وقد وجد أن هذه القدرة تزداد على الفور بعد الاستماع إلى موسيقى موتسارت، مقارنة بالاستماع لأي مقاطع موسيقية أخرى للاسترخاء أو مع عدم وجود أصوات على الإطلاق. استرعت هذه النتيجة حرص حاكم ولاية جورجيا الأميركية آنذاك، زيل ميلر، فاقترح تقديم أشرطة أو أقراص مدمجة من موسيقى موتسارت مجاناً إلى الآباء المحتملين، حتى تساهم هذه الموسيقى في تطور أدمغة الصغار في سن مبكر.

وقد أثارت الدراسات اللاحقة شكوكاً حول ضرورة وجود موسيقى موتسارت لتوليد هذا التأثير، حيث تمت ملاحظة كل من "تأثير شوبرت"، و"تأثير بلور"، وحتى "تأثير ستيفن كينج" (كتابه المسموع بدلاً من غنائه). بالإضافة إلى ذلك، ظهر هذا التأثير على الموسيقيين من تخيل المقاطع الموسيقية فقط، دون الحاجة للاستماع إليها.

لذلك رأى الباحثون بعد ذلك أن "تأثير موتسارت" لم يكن بسبب موسيقاه بحد ذاتها، وإنما بسبب المستويات المثلى للمزاج والإثارة التي تولَد لدى الأشخاص بعد الاستماع للموسيقى، وبالتالي أصبح هناك ما يسمى "تأثير المزاج والإثارة".

لسوء الحظ، فإن الحالات التي تتم فيها مراقبة معظم تأثيرات المزاج والإثارة تكون غير واقعية نوعاً ما، فهل نقوم حقاً بالجلوس والاستماع إلى الموسيقى، ثم نقوم بتوقيفها، وننخرط في عملنا بعد ذلك في صمت؟ على الأرجح لا، فعادة ما نعمل ونحن نستمع لأغنياتنا المفضلة.

إن كيفية تأثير الصوت على أداء الأفراد كان موضوع الأبحاث المختبرية لأكثر من 40 عاماً، وتتم مراقبته من خلال ظاهرة تسمى تأثير الصوت العرضي، وهو التأثير السلبي لوجود صوت في الخلفية المحيطة بالفرد، ما يؤدي إلى انخفاض مستوى الأداء، مقارنة بالعمل في ظل أجواء هادئة.

ولدراسة تأثير الصوت العرضي، يطلب من المشاركين إنجاز مهمة بسيطة تتطلب منهم أن يتذكروا سلسلة من الأرقام أو الحروف بنفس الترتيب الذي عرض عليهم، على غرار محاولة حفظ رقم هاتف عندما لا يكون هناك مجال لكتابته. بشكل عام، يتمكن الأشخاص من تحقيق ذلك من خلال التدرب على تكرار الأرقام لأنفسهم إما بصوت عال أو همساً. أما الأمر الصعب في ذلك هو أن تكون قادراً على القيام به مع تجاهل أي ضجيج مصاحب.

منصرف الذهن أثناء العمل
حقوق الصورة: بريسماستر/ شترستوك

ومن اجل دراسة تأثير الأصوات العرضية، يجب أن تتوافر خاصيتان أساسيتان. الأولى: ينبغي للمهمة أن تتطلب من الشخص استخدام قدرته في التدرب على تذكر الأرقام؛ الثانية، يجب أن يحتوي الصوت العرضي موضوع الدراسة على تباينات سمعية - على سبيل المثال، أصوات مثل "n، r، p" بدلاً من "c، c، c". ففي الحالات التي يكون فيها الصوت العرضي ذو وتيرة واحدة، لا يختلف أداء المهمة عن تنفيذها في ظل الظروف الصامتة. ومما يثير الاهتمام، أنه لا يهم ما إذا كان الشخص يحب الصوت العرضي أم لا، وينخفض الأداء بنفس القدر سواء كان الشخص يحب سماع صوت الموسيقى في الخلفية أم يكرهه.

ويأتي تأثير الصوت العرضي نفسه من محاولة معالجة مصدرين من المعلومات في وقت واحد، الأول هو تذكر الأرقام والثاني هو مصدر الصوت. ويحتاج الفرد لمصدر المعلومات الأول فقط لإكمال مهمته في ذكر تسلسل الأرقام بنجاح، لكن يعيق ذلك محاولاته في تنحية الصوت العرضي جانباً، ومحاولة تدريب ذهنه على أنه لا يحتاج لهذا المصدر.

ويمكن ملاحظة حدوث تعارض مشابه أيضاً أثناء القراءة في وجود الموسيقى الغنائية. في هذه الحالة، يكون هناك تعارض بين مصدري الكلمات، والصوت من جهة أخرى، والتكلفة المترتبة على ذلك تكون أداءً أضعف لمهمة القراءة في ظل وجود الموسيقى الغنائية.

ما يعنيه هذا كله هو أن تحسين الأداء أو إعاقته نتيجة تشغيل الموسيقى في الخلفية؛ يعتمد على المهمة التي تؤديها وعلى نوع الموسيقى، وسيساعد فهم هذه العلاقة الناس على زيادة مستويات الإنتاجية لديهم إلى أقصى حد ممكن. فإذا كانت المهمة تتطلب إبداعاً أو ممارسة التدوير الذهني، عندها يمكن للاستماع إلى الموسيقى المفضلة أن تزيد من الأداء. في المقابل، إذا كانت المهمة تتطلب أن يقوم شخص ما بتكرار المعلومات بترتيبها الصحيح، يكون الهدوء هو الحل الأفضل، أما في حالة فهم القراءة، فيفضل الهدوء أو موسيقى الآلات.

ويعتبر تعلم العزف على إحدى الآلات الموسيقية من الجوانب الواعدة في تأثير الموسيقى على القدرات الإدراكية، حيث تظهر الدراسات أن الأطفال الذين يتلقون تدريبات موسيقية يظهرون تطوراً في قدراتهم الفكرية، ومع ذلك، فإن الأسباب الكامنة وراء ذلك، غير معروفة في الوقت الحاضر، ومن المرجح أن تكون معقدة. وقد لا تكون الموسيقى في حد ذاتها هي التي تنتج هذا التأثير، وإنما القيام بالمزيد من الأنشطة المرتبطة بدراسة الموسيقى، مثل التركيز والتدريبات المتكررة والدروس والواجبات المنزلية.

المحتوى محمي