تقوم العديد من مجتمعات السكان الأصليين في أفريقيا وأستراليا وبابوا غينيا الجديدة بطلاء أجسادها لأسباب ذات دلالة ثقافية. كما تتواجد في تلك المناطق أيضاً مجموعات من الحشرات السيئة التي تشتهر بمص الدم مثل ذباب الخيل والقراد وذباب تسي تسي. وتعتقد مجموعة من الباحثين بأن الأمرين قد يكونا مرتبطين، فهل يمكن لطلاء الجسم أن يوفر أي حماية من هذه الحشرات الضارة؟ وقرروا دراسة الأمر.
لإجراء ذلك، قام الفريق بطلاء ثلاثة مجسّمات بحجم جسم الإنسان الطبيعي وفق أنماط مختلفة. أحد المجسّمات كان بلون بني داكن متجانس، والثاني بلون بني غامق مع خطوط بيضاء مثل الحمار الوحشي، والثالث تم طلاؤه باللون البني الفاتح لمحاكاة البشرة الفاتحة عند الإنسان. ثم قاموا بوضع الغراء المستخدم لاصطياد الفئران على المجسّمات الثلاثة الجامدة. هذا الغراء الرقيق الشفاف عديم الرائحة أوقع بأي ذبابة ماصّة للدم قرّرت أن تلمس "جلد" المجسّمات.
ووضع الباحثون المجسّمات في أحد الحقول الهنغارية، وكانت أشبه بعمل فني حديث، أو ربما مثل غلاف فني لألبوم مستقل سيء. وكانوا يأتون إلى الموقع كل يومين ويزيلون كل الحشرات العالقة ويعدّون ذبابات الخيل. وقاموا بإجراء ذلك مع المجسّمات وهي تقف منتصبة وكذلك وهي مستلقية بمواجهة الأعلى والأرض. ودرسوا كل وضعية لمدة أسبوعين تقريباً.
وبعد تحليل الأرقام، وجدوا أن المجسّم ذا اللون البني بالكامل اجتذب ذباب الخيل أكثر بعشرة أضعاف من المجسّم ذي الخطوط البيضاء. أما المجسّم ذو اللون البني الفاتح، فاجتذب ضعف عدد ذباب الخيل مقارنةً بالمجسّم المخطط. وفي دراسة نشرت مؤخراً في مجلة رويال سوسايتي أوبن ساينس (Royal Society Open Science)، خلص المؤلفون إلى أن "طلاء الجسم المخطط بخطوط بيضاء والشبيه بذلك الذي يستخدمه الأفارقة والأستراليون قد يعمل على إبعاد ذباب الخيل".
وستكون هذه النتيجة مثيرة جداً للاهتمام، إذا صمدت أمام التدقيق المستقبلي. فالطفيليات الماصة للدم مثل ذباب الخيل هي حشرات ضارة، كما أنه من المعروف بأنها تحمل الأمراض مثل الجمرة الخبيثة وداء لايم. بالإضافة إلى ذلك، ستكون النتيجة متوافقة بشكل منطقي مع الأبحاث السابقة، والتي أظهرت بأن تخطيطات الحمار الوحشي تُبعد ذباب الخيل لأنها تشوّش رؤية الحشرات.
ولكن السؤال المهم هو: هل يمكننا تطبيق هذا الأمر في الحياة الواقعية؟
بالنسبة للجزء الأكبر، فإن أقرب الأشخاص الأميركيين الذين يقومون بالطلاء الجسدي بشكل منتظم يقومون بذلك لمحيط كامل الجسم بطلاء يحمل علامة كارداشيان أو يضعون مكياج العين المحدّد بدقة. ولكن طلاء الجسم موجود منذ آلاف السنين. إذ تقول مؤلفة الدراسة وعالمة الحيوان بجامعة لوند سوزان أكيسون في بيان صحفي: "بدأ الطلاء الجسدي قبل أن يبدأ البشر بارتداء ملابس بوقت طويل. فهناك اكتشافات أثرية تشمل علامات على جدران الكهوف التي عاش فيها إنسان نياندرتال البدائي. وهي تشير إلى أنه قد تم طلاؤهم ببعض المواد الملونة الأرضية مثل المغرة."
وبالطبع، ظل طلاء الجسد مرتبطاً بالعديد من الثقافات في التاريخ الحديث. فعلى سبيل المثال، تقوم بعض مجتمعات السكان الأستراليين الأصليين بطلاء أجسادها كجزء من التقاليد المرتبطة بالدين والأسرة والكيان الاجتماعي. ومع انتشار مجموعات الحشرات والطفيليات وتوسّع نطاقها أثناء تغيّر المناخ، سيضطر عدد أكبر من الناس للقلق بشأن حماية أنفسهم من هذه الحشرات والأمراض التي تنقلها.
ولكن منهجية الفريق تركت أحد الأشياء المهمة. إذ نشر عالم الحشرات فيل توريس على تويتر: "إنها فكرة رائعة، ولكن مع بعض المشاكل." حيث كتب على وجه التحديد: "تستند هذه الدراسة فقط على ثلاثة مجسمّات لزجة في أحد الحقول الهنغارية... وكان يمكنها أن تستخدم بعض المجسّمات الأخرى المماثلة على أقل تقدير".
وبالتأكيد، تعدّ هذه الدراسة قفزة رائعة (ومسلية)، ولكن يلزمها الكثير من المجسّمات والطلاء وغراء اصطياد الفئران بالإضافة إلى أشخاص حقيقيين في نهاية المطاف لتأكيد كيف يمكن لطلاء الجسم أن يُبعد أو يجذب الحشرات المتعطشة للدماء عن جلد الإنسان.