هل يمكنك تحسين ذاكرتك فعلاً؟ وما هي الطريقة لذلك؟

3 دقائق

عُد بتفكيرك إلى أيام المدرسة الابتدائية. هل تتذكّر تلك الاختبارات التي كان يتم فيها إعطاؤك مجموعة من الكلمات التي لا معنى لها لتحفظها؟ وكيف أنه كان عليك كتابة أكبر عدد من تلك الكلمات التي قد تتذكّرها بعد أن تخضع لاختبار صعب في الرياضيات أو القراءة؟ إذا كنت سيئاً في ذلك، فلا تقلق. إذ يمكنك الآن تدريب نفسك لتصبح محترفاً في امتحانات تقييم مهارات الطلاب SAT، حيث أن هناك خدعة لكي تصبح محترفاً في حفظ الكلمات العشوائية. ووفقاً لبعض الأبحاث، فإن الحفظ لا يرتبط مع المقدرة الفطرية سوى بدرجة قليلة، ويعتمد بشكل كامل على التقنيات والكثير من الممارسة.

ففي حال أخضعت دماغك للتدريب، فإنه سيتجاوب. إذ وجدت دراسة حديثة نشرت في مجلة Neuron بأن "محترفي ألعاب الذاكرة" – أي أولئك الذين يتدربون بانتظام على هذه التقنيات ويتنافسون في المسابقات المرتبطة بالذاكرةتتطور لديهم بشكل فعال ارتباطات عصبية جديدة في كافة أنحاء الدماغ. وبقيت هذه الارتباطات سليمة حتى بعد أربعة أشهر من دون تدريب مستمر.

وليس من المستغرب أن يكون بعض الناس أفضل من غيرهم في اختبارات الذاكرة. ولكن الباحثين غير متأكدين من سبب تفوقهم. فهل هم فعلاً كاللاعبين في الرياضات الأخرى، والذين غالباً ما يكون لديهم بعض المزايا الفسيولوجية مثل الطول أو القصر أو النحافة أو امتلاء الجسم؟ ولمعرفة ذلك، قام فريق من علماء الأعصاب الدنماركيين بمقارنة مجموعة من محترفي ألعاب الذاكرة مع غيرهم. وقاموا بتقسيم غير المحترفين إلى ثلاث مجموعات مختلفة: مجموعة خضعت لتدريب قصير الأمد، ومجموعة خضعت لتدريبات الذاكرة الاستراتيجية (كتلك التي يستخدمها محترفو ألعاب الذاكرة)، ومجموعة لم تخضع لأي تدريب على الإطلاق. وقبل بدء التدريب، قاموا باختبار الأشخاص لمعرفة مدى تمكّنهم من تذكّر مجموعة مؤلفة من 72 كلمة عشوائية. وخلال الأسابيع القليلة القادمة، تلقّى المشاركون التدريب المخصص لهم ثم أعيد اختبارهم باستخدام مجموعة جديدة من الكلمات.

ووجد الباحثون بأن المجموعة التي تلقت تدريبات الذاكرة الاستراتيجية حققت التحسن الأكبر في الحفظ. إذ تمكنت هذه المجموعة من تذكّر 35 كلمة إضافية بشكل وسطي، وذلك بالمقارنة مع مجموعة التدريب قصير الأمد التي تذكّرت 11 كلمة إضافية، والمجموعة التي لم تخضع لأي تدريب والتي تذكّرت 7 كلمات إضافية وسطياً.

بعد ذلك بأربعة أشهر، قام فريق الباحثين بإعادة اختبار المجموعات الثلاث. وبقيت مجموعة التدريبات الاستراتيجية في المقدمة، وذلك بتذكّر أكبر عدد من الكلمات. وبشكل وسطي، كان بإمكانهم أن يتذكّروا 22 كلمة أكثر مما تذكّروه قبل بدء التدريب. وكان الباحثون طوال الوقت يقومون بتصوير أدمغة المشاركين في نقاط مختلفة خلال فترة الدراسة. وأظهرت الصور بأنه بعد التدريب - ومرة أخرى بعد أربعة أشهر - فإن المجموعة التي مارست التدريب الاستراتيجي يوجد لديها ارتباطات عصبية تشبه إلى حد كبير تلك التي تشاهد عند محترفي ألعاب الذاكرة، مع ازدياد الارتباطات في كافة أنحاء الدماغ عما كانت عليه قبل بدء التدريب.

ولذلك وفقاً لهذه الدراسة، فإن تدريبات الذاكرة الاستراتيجية نفعت بالتأكيد، سواءً بشكل فوري أو على المدى الطويل. فإذا أردت أن تصبح محترفاً في ألعاب الذاكرة، فكل ما عليك القيام به هو تعلّم التقنية، ومن ثم ممارستها بكثرة.

يمكنك أنت أيضاً أن تصبح محترفاً في ألعاب الذاكرة. وإليك كيفية ذلك:

كانت الطريقة التي استخدمها الباحثون مع مجموعة تدريبات الذاكرة الاستراتيجية تسمى "طريقة التذكّر المكاني method of loci". وهي آلية تدريب الدماغ التي تستخدم من قبل معظم المشاركين في بطولات ومسابقات الذاكرة، وهي تستخدم منذ عدة قرون، حتى من قبل الرومان والإغريق القدماء. وهي عبارة عن نوع من أجهزة الذاكرة والذي يدرب الدماغ على حفظ الكلمات عن طريق وضعها في مكان مألوف بالنسبة لك (كلمة loci تعني المكان باللغة اللاتينية). ويكون هذا المكان المألوف في الغالب مساراً محدداً تعرفه بشكل جيد، كطريق المشي من المنزل إلى العمل أو المدرسة، أو غرفة معينة في المنزل. ويصبح ما يعرف باسم "قَصْر الذاكرة" الخاص بك.

وبمجرد أن تُنشئ هذا المكان، يمكنك أن تبدأ بوضع الكلمات التي تريد تذكّرها بعين عقلك، وإنشاء ارتباط بين تلك الكلمة والمنطقة المحددة.

فإذا كان قصْر الذاكرة الخاص بك هو طريق المشي من منزلك إلى محطة الحافلات، وكانت الكلمات التي تريد أن تتذكّرها ورقة، وبطة، وهاتف. فقد تتخيل بأن هناك ورقة على الرصيف وهي جاهزة لإعادة التصنيع، وبطة في البركة التي تقع خارج نطاق الرؤية، وهاتفاً في المقهى الذي دائماً ما تمر به. ويمكنك القيام بذلك للعدد الذي تريده من الكلمات. وغالباً ما يتمكّن محترفو ألعاب الذاكرة الذين يتدربون على هذه التقنية بشكل منتظم من تذكّر ما لا يقل عن 100 كلمة. وفي الواقع، فقد تمكّن بطل العالم في بطولة الذاكرة الأمريكية من تذكّر 120 كلمة عشوائية باستخدام هذه التقنية.

وهي ليست كلمات عشوائية فقط. إذ أظهرت الأبحاث السابقة بأنه يمكن استخدام هذه التقنية لمساعدة طلاب الطب في تذكّر الكميات الهائلة من المعلومات التي يلزمهم تعلّمها للنجاح في الامتحانات. ولعل الأهم هو أن هذه التقنية ليست صعبة التعلّم وطرقها متوافرة بسهولة على شبكة الإنترنت لأي شخص يريد استخدامها. ولا يلزم سوى الاستعداد لممارستها فقط.

وفي المستقبل، يقول الباحثون الدنماركيون بأنهم يريدون تحسين فهمهم لتغيرات أنماط النشاط التي يلاحظونها عند محترفي ألعاب الذاكرة وعند أولئك الذين تم تدربيهم بطريقة التذكّر المكاني، وكيفية ارتباطها مع الذاكرة. فإلى أي مستوى يمكنك تدريب دماغك؟

المحتوى محمي