يُعد تناول اللحوم أمراً وجزءاً طبيعياً من نمط الحياة اليومية بالنسبة للكثير منا، ولكن تبرز بعض المشاكل الجدية إن تمعّنا أكثر في مصادر هذه اللحوم.
ففي كل عامٍ يتم ذبح 66 مليار من رؤوس الماشية في سبيل الحصول على لحومها، وتُشير التوقعات إلى أن الطلب سيزداد على اللحوم في السنوات القادمة مع تنامي الطلب على اللحوم من الصين ودولٍ آسيوية أخرى؛ بسبب ارتفاع مستويات المعيشة هناك.
لابد من الأخذ بعين الإعتبار أيضاً أن تأثير تربية الماشية وممارسات الرعي مدمرٌ على البيئة، فهي تنتج ما نسبته 18% من غازات الدفيئة عالمياً، كما أن لتربية الماشية دورٌ في انقراض أنواع الحيوانات الأخرى، وعلاوةً على ذلك، يتسبب البشر بمعاناةٍ هائلة للحيوانات بسبب ممارساتهم القاسية في مزارع التربية لاستخدام منتجاتها في المجال الصناعي.
حتى أن بعض الخبراء يقول أن اللحوم قد لا تكون ضرورية لمعظم الناس، كما أن اتباع نظام غذائي نباتي يعد أكثر صحة من النظام الغني باللحوم. لذلك، ومما سبق، نستنتج أن الأساس المنطقي لتطوير مصادر لبدائل اللحوم (أو اللحوم الصناعية) قويٌ جداً.
يمكن تصنيع بدائل اللحوم من مواد نباتية يحاكي مذاقها مذاق اللحوم، ولكن، وبالنسبة لأولئك الذين يرغبون في لحومٍ أقرب للحوم الحقيقة، فيمكن تنمية خلايا اللحم في المختبر، وهذا ما يُسمى بـ«الزراعة المخبرية - in vitro agriculture». ونشرح هنا آلية عملها.
زراعة اللحوم مخبرياً
يبدو أن مفهوم أو مبدأ زراعة اللحوم كان موجوداً فيما سبق، وكان الناس يتطلعون إلى ذلك ولو كان حينها ضرباً من الخيال، حتى أن رئيس الوزراء البريطاني السابق، «ونستون تشرشل» قال عام 1931:
سنتجاوز سخافة تربية دجاجةٍ كاملة من أجل أكل جناحيها أو صدرها فقط، سنقوم بدلاً من ذلك بزرع أجزاء الدجاج بشكلٍ منفصل في وسطٍ ملائم لتنميتها.
وبالفعل، تم إنتاج لحم البرغر الصناعي أول مرة على يد البروفيسور «مارك بوست» في جامعة «ماستريخت» في هولندا، وقام بطهيها وتناولها علناً في أحد مطاعم لندن عام 2013، حيث استغرق الأمر منه 3 أشهر لزراعة اللحم وتنميته بتكلفة بلغت 250 ألف يورو.
وفيما يلي مقطع فيديو يظهر فيه «مارك بوست» في برنامج «TEDx hgaidv» يشرح كيفية الحصول على بدائل اللحم:
منذ ذلك الحين، بدأ السباق لإنتاج اللحوم الصناعية للأغراض التجارية، وقد حصلت العديد من الشركات على الامتياز اللازم لإنتاج اللحوم الصناعية لأغراض التجارة، حتى أن بعض الشركات تلقت الدعم والتمويل من أشخاصٍ مشهورين مثل؛ «بيل غيتس» و«ريتشارد برانسون».
وبفضل التقدم الهائل في هندسة وزراعة الأنسجة الحيوية، يمكننا نقل جميع أنواع الخلايا الحيوانية، سواءً من الجلد أو الدم أو العضلات والدماغ من مختلف الحيوانات، وزراعتها وتنميتها في ظل ظروف المختبر التي يمكن التحكم بها.
يفضل الناس عموماً تناول لحم العضلات أكثر من غيرها، مما يعني أن على صناعة بدائل اللحوم أن تتجه لإنتاج كمياتٍ كبيرةٍ من خلايا العضلات في المختبر.
يتضمن إنتاج اللحوم في المختبر 3 عمليات رئيسية:
1. اختيار الأنسجة المناسبة (أو الخلايا البادئة) من الحيوان -الخلايا العضلية في هذه الحالة- وزرعها في بيئةٍ مغذية لتنميتها.
2. تنميتها بكمياتٍ كبيرةٍ في بيئة تحاكي بيئة جسم الحيوان.
3. تحفيز الخلايا البادئة بواسطة مواد كيميائية خاصة لدفعها للتحول إلى عضلاتٍ بنيوية.
تُعتبر تنمية الخلايا العضلية ودفعها للتحول إلى عضلاتٍ بنيوية من أهم الصعوبات التي تواجه هذه الصناعة الناشئة حالياً. غالباً سيبدو مظهر اللحم المُنمّى ناعماً كلحم البرغر المفروم بدلاً من مظهر اللحم المأخوذ من الذبائح، بالإضافة إلى أن شكله منتظم جداً.
فعلى سبيل المثال، عندما تقطع شريحة اللحم العادي، سترى أن خلايا اللحم تنتظم في خيوطٍ أو ألياف طويلة، إلا أنها لا تنتظم بهذا الشكل في الخلايا المُستزرعة، وتميل لأن تكون أكثر عشوائية.
يمكن لبعض أنواع الخلايا أن تنمو بسرعةٍ كبيرة وأن تتضاعف مرة واحدة كلياً كل 24 ساعة في بيئة المختبر، وذلك أسرع بكثير من تكاثرها في جسم الحيوان. إلا أن هناك تحدياً يتمثل في إنتاجها بكمياتٍ كبيرة في المستوعبات الحيوية (الأوعية التي تُنمى فيها الخلايا في المختبر)، ومن ثم حث تلك الخلايا لتتحول (لتتمايز) من شكلها البدائي إلى خلايا بنيوية.
ربما لم تستسغ فكرة تناول منتجات خلايا الأنسجة الحيوانية المنمّاة في المختبر، ولكن حقيقة الناس فعلياً تستهلك حالياً تلك المنتجات المُصنعة بتقنيات الزراعة الخلوية. فهناك ما مايفوق أكثر من 50% من اللقاحات المُصنعة وبعض الأدوية تُنتج بهذه الطريقة (مثل المضادات الحيوية المستخدمة في علاج السرطان).
لذلك نحن بالفعل نتجه نحو استهلاك بدائل اللحوم الصناعية في المستقبل.
أيهما أفضل ويتطلب موارداً أقل، العمل على إكثار الأبقار أم الإتجاه نحو زراعة الخلايا؟
يستغرق نمو العجل نحو 18 شهراً -بعد مرحلة الحمل التي تستمر 10 أشهر طبعاً- ليصل لمرحلة النمو الكامل ويصبح لحمه قابلاً للتسويق. مما يعني إجمالاً عامين وأربعة أشهر وفي مساحةٍ تبلغ تقريباً 10.5 - 15.2 متراً مربعاً من الحظيرة. تنتج ذبيحة العجل حينها نحو 300 كيلوغراماً من اللحم، ونحو 180 كيلو غراماً من اللحم المُشفّى.
بالمقابل، نحتاج ما يقارب من 8 تريليون خلية عضلية لزراعتها في المختبر للحصول على كيلوغرامٍ واحد من لحم العضلات.
ستكون هناك حاجةٌ لاستخدام حاويةٍ سعتها 5000 لتر (بحجم خزان مياه الأمطار متوسط الحجم، أو حوالي 5 أمتار مكعبة) لزراعة هذا العدد من الخلايا. ولذلك تُزرع الخلايا في طبقاتٍ وتُغمر بسائلٍ مغذي لتنميتها.
إذا تمت العملية وانقسمت الخلايا كل 24 ساعة، فإننا سنحتاج إلى ما يزيد قليلاً عن 26 يوماً للحصول على كيلوغرام واحد من اللحم الصناعي.
يمكن لبعض أنماط الخلايا مثل خلايا الجلد والأمعاء، أن تنمو بهذه النسبة والسرعة، ولكن لم تبلغ الخلايا العضلية هذا المستوى من السرعة أثناء تنميتها في بيئة المختبر.
بالنتيجة، قد يتطلب إنتاج بدائل اللحوم مخبرياً موارد طبيعيةً أقل (مثل النبات والماء) للحصول على كميةٍ مكافئة للحوم الحيوانية، كما أن إنتاج بدائل اللحوم للأغراض التجارية يمكن أن يقلل بشكلٍ كبير التأثير البيئي المدمر لتربية الحيوانات ولممارسات الرعي الجائر المرافقة، كما يقلل من الممارسات القاسية التي تعاني منها الحيوانات أيضاً.
وبما أن المشاكل المتعلقة بتربية الحيوانات والتغير المناخي تقضّ مضاجع 90% من الأستراليين (تأتي أستراليا في طليعة الدول المنتجة للحوم الماشية)؛ فإن الاتجاه نحو صناعة اللحوم يشكل بديلاً يمكنه التخفيف من قلقهم، وإحداث تغييرات جذرية في صناعة إنتاج اللحوم.
تم نشر هذا المقال بواسطة «لي أكلاند» عبر موقع ذا كونفيرسيشن