عندما يقوم الناس بتصميم أنظمة النقل، فإنهم يحاولون عادة العثور على بقعة مناسبة، بحيث يمكنهم توصيل الناس إلى وجهاتهم النهائية في أسرع وقت ممكن، مع تقليل تكلفة بناء البنية التحتية. وربما لا يكون هذا متاحاً دائماً (وأهم مثال على ذلك هو تعطل مترو أنفاق مدينة نيويورك هذا الصيف)، ولكن تبين أن النباتات تأخذ نهجاً مماثلاً.
وقد نشرت دراسة حديثة في يوليو 2017 في مجلة "أنظمة الخلية"، تبحث في الطريقة التي توازن بها النباتات بين التكلفة والأداء لتطوير هياكلها المتفرعة والمعقدة. ولكن وبدلاً من استخدام الوسائل الحيوية البحتة، اعتمد الباحثون على ميدان غير متوقع من ميادين العلوم، وهو هندسة الحاسوب.
يقول ساكيت نافلاخا، كبير مؤلفي الدراسة والأستاذ المساعد في معهد سالك للعلوم الحيوية: "هناك الكثير من المشاكل التي نفكر بها في الهندسة -مثل الشبكات والهياكل الفعالة والقوية والمنخفضة التكلفة- يتم مواجهتها أثناء حدوث التطور عند الكائنات الحية. ويمنح حل هذه المشاكل الهندسية الأساسية الكائنات الحية الفرصة للبقاء والتكيف مع العالم المحيط".
وقد قام نافلاخا وزملاؤه بتنمية ثلاثة أنواع مختلفة من النباتات (الطماطم، والتبغ، والذرة البيضاء) في ظروف نمو طبيعية ومعدلة، تتعلق بالظل، والحرارة، والإضاءة المرتفعة، والجفاف.
ثم قاموا بتصوير النباتات بماسح ضوئي ليزري ثلاثي الأبعاد، يعمل على شكل طابعة ثلاثية الأبعاد عكسية: فهو يخلق صورة رقمية تحتفظ بجميع الأبعاد الثلاثة للعنصر الأصلي، مع عدم وجود تشويش في الخلفية. ويرى نافلاخا أن هذا أفضل من التقاط صورة، لأنك تحصل على تفاصيل أدق، مثل سمك الأوراق.
وقد قام الفريق بتوصيف ما مجموعه 505 من هياكل النباتات التي قاموا بتحليلها على أنها شبكات أو مجاميع من النقاط والحدود. فعلى سبيل المثال، ستكون قاعدة النبات نقطة، وكل فرع سيكون حداً، وكل ورقة ستكون نقطة أخرى. وقد سمح هذا الأمر لنافالخا وزملائه بتحليل تركيب النبات بنفس الطريقة التي يمكن أن يدرس بها مخططو المدن أنظمة النقل: كشبكة من الاتصالات التي تنقل الأشياء بين النقاط، يسافر الناس من محطة إلى أخرى، وينتقل المياه والعناصر الغذائية من جذور النبات إلى أوراقه من أجل التمثيل الضوئي.
قد يبدو غريباً أن نفكر في الكائنات الحية مثل الآلات الجامدة، لكن هذا النهج أصبح من المجالات المتنامية. يقول جوناثان لينش، الأستاذ في قسم علوم النبات في جامعة ولاية بنسلفانيا، والذي لم يشارك في الدراسة: " محاكاة علم الأحياء بالحاسوب، هو من العلوم المبتدئة الواعدة".
وبحسب مشاهدات فريق البحث، فالأمر بكليته يتعلق بالمقايضة. وقد ركز نافلاخا على عاملين أساسيين: الطول الكلي للفروع، والمسافة التي تحتاج العناصر الغذائية أن تقطعها للوصول إلى الأوراق. وحتى يكون النبات فعالاً، فلا بد من استخدام الكثير من المصادر لتكوين الفروع. ولكن يجب أيضاً ألا يستغرق وصول هذه المصادر إلى نهاية طريقها وقتاً طويلاً. وقد وجد الفريق أنه مع مرور الوقت، تنمو النباتات في نمط يسمح لها قدر المستطاع بتقليل كل من هذين العاملين إلى الحدود الدنيا. ولكن الأمر يتطلب نوعاً من التسوية، فالحصول على فرع يصل إلى الورقة مباشرة قد يقصر المسافة التي يجب أن تقطعها المصادر الغذائية، ولكنه يزيد الطول الكلي لنظام النقل في النبات.
ويتوافق هذا العمل المتوازن تماماً مع ما يسمى منحنى باريتو، وهو "السيناريو الأفضل" عندما تحاول تحسين المتغيرَين. وحتى لو تعرض النبات لظروف مختلفة، فإنه سيبقى قريباً من النتائج المثلى. وحتى في ظروف الجفاف، والحرارة، والظلام، ستبقى النباتات تحاول تقليل الطول الكلي والمسافة المقطوعة إلى الحدود الدنيا قدر الإمكان.
يقول نافلاخا: "كل النباتات تدفع نحو هذه المقايضة المثلى بين الهدفين. وتعتمد الطريقة التي تختارها النباتات على الظروف أو البيئة التي تعيش فيها".
وكان الاستثناء الوحيد عندما قام الفريق بتعريض النبات إلى ضوء زائد عن المعتاد. ولم يكن يبدو أن تركيب الفرع الذي تطور في ظل هذه الظروف هو الخيار الأكثر كفاءة. وعلى الرغم من أن الدراسة تركز فقط على الطول الكلي والمسافة المقطوعة، فإن المؤلفين يقرون بأن هناك عوامل أخرى قد تلعب دوراً أيضاً، وهو الأمر الذي يمكن أن يفسر الاختلافات التي تحدث تحت الضوء الزائد.
ويعتقد نافلاخا أن هذه النتائج الجديدة قد تساعد في توجيه الجهود الرامية إلى هندسة جينومات المحاصيل من أجل زيادة الغلال. وإذا كان التعديل الوراثي يؤثر في قدرة النبات على توجيه نمو فروعه على النحو الأمثل، فإن هذا قد يضر بفرصه في البقاء. كما يأمل نافلاخا في أن يتم عكس هذا الشراكة: فبدلاً من تعلّم علماء الأحياء النباتية من علوم الحاسوب، فإن علماء الحاسوب يمكن أن يتعلموا من علم الأحياء.
تساعد مشاكل التحسين -مثل المقايضة التي تواجهها النباتات كل يوم أثناء نموها- المهندسين في تصميم أنظمة يمكن أن تعالج العقبات المعقدة مع كمية محدودة من القدرة الحاسوبية.
يقول نافلاخا: "نحن مهتمون أيضاً بمعرفة ما إذا كانت هناك استراتيجيات جديدة عند النباتات يمكن استخدامها عند تصميم هذه الخوارزميات".
وليست هذه هي المرة الأولى التي تعكس فيها الشبكات الطبيعية والتي صنعها الإنسان بعضها البعض: حيث وجدت مجموعات بحثية متعددة أنهم إذا وضعوا رقائق الشوفان في نمط المدن الكبرى، فسينمو عفن الوحل في تشكيلات تبدو شبيهة بنظام السكك الذي يصلها ببعضها، وأحياناً قد يجد طريقاً أفضل.
ربما تُعلّم بعض أوراق النبات مدينة نيويورك الصورة المثلى التي يجب أن يكون عليها نظام مترو الأنفاق.