لطالما اعتقد العلماء وعامة الناس على حدّ سواء بأن ممارسة الرياضة هي علاج الاكتئاب، ولكن المشكلة في إثبات ذلك هي نفس المشكلة مع العديد من الارتباطات العامة الموجودة منذ فترة طويلة، فهي مجرد ارتباط. وقد أظهر الباحثون مراراً وتكراراً بأن الأشخاص الأكثر حركةً يميلون لأن يعانوا من أعراض اكتئابية أقل، ولكن ماذا لو أن الأشخاص الأقل اكتئاباً لديهم دوافع أكبر للنشاط والحركة؟ أو ما إذا كان الأشخاص الذين لديهم وقت كافٍ للبقاء بحالة نشاط يميلون لأن تكون أنماط حياتهم تقلل من احتمال إصابتهم بالاكتئاب؟
أثارت مثل هذه الأسئلة مشاكل في الأبحاث حول النشاط البدني والاكتئاب لسنوات، ولكننا بدأنا الآن بامتلاك أدوات تساعدنا في اكتشاف هذه العلاقة المعقدة. إذ تشير دراسة جديدة نُشرت مؤخراً في مجلة جاما سايكايتري (JAMA Psychiatry) إلى وجود علاقة سببية بالفعل، فالتمارين الرياضية تساعد في التخفيف من الاكتئاب.
لمعرفة ذلك، استخدم الباحثون العاملون في مجموعة عمل الاضطراب الاكتئابي الكبير التابعة لاتحاد علم الجينوم النفسي طريقة جديدة وذكية تسمى العشوائية المندلية، والتي تسمح لنا بفهم العلاقات السببية بين السلوكيات القابلة للتعديل (مثل التمارين الرياضية) والآثار الصحية. والفكرة الأساسية هي على النحو التالي:
من الصعب معرفة فيما إذا كانت التمارين تؤثر على الاكتئاب أو فيما إذا كان الاكتئاب يؤثر على التمارين (أو كلاهما يؤثران على بعضهما!) لأن هناك الكثير من العوامل الأخرى المرتبطة بكل منهما والتي يمكن أن تؤثر على الآخر. فالأشخاص الذين يمارسون التمارين بشكل أكبر قد يكون لديهم دخل أعلى على سبيل المثال، وبالتالي يكونون أكثر قدرة على الحصول على العلاج والأدوية. وقد يكون الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب الأشد لديهم دافع أقل للحركة، أو قد يكون لديهم ألم بدني مرتبط بالاكتئاب والذي يجعل ممارسة التمارين أصعب. ويمكن أن تكون العلاقة السببية عكسية، كأن تجعلك الممارسة الأقل للتمارين أكثر عرضة للاكتئاب. من شأن هذه الارتباطات الإضافية أن تشوش الصورة، ولكن جيناتك أقل عرضة بكثير لهذه المشاكل. فهي مخصصة لك بطريقة عشوائية نسبياً من قبل أن تولد، مما يخفف من بعض الارتباطات البيئية (مثل وجود حالة اجتماعية واقتصادية أفضل) بالإضافة إلى استبعاد العلاقة السببية العكسية.
وهذا يعني بأنه يمكننا استخدام التنوع الجيني الطبيعي كأداة تجريبية. فنحن نعلم أن بعض المتغيرات الجينية تجعلك أكثر عرضة لممارسة التمارين، وبالتالي إذا كان النشاط البدني يسبب انخفاضاً في الاكتئاب، فهذا يعني بأن الأشخاص الذين يمتلكون هذه المتغيرات يجب أن يكونوا أقل عرضة للاكتئاب لأنهم يميلون إلى ممارسة التمارين بشكل أكبر.
وبالطبع، هذا مع افتراض أن تلك الجينات لا تؤثر على أي شيء آخر. وكما يشير المقال الافتتاحي المرافق لهذه الدراسة، فإن هذا يعتبر تحذيراً مهماً لجميع دراسات العشوائية المندلية. ويقول الطبيب النفسي آدم تشيكراود: "على سبيل المثال، إذا كانت المتغيرات الجينية لممارسة التمارين ترتبط أيضاً بانخفاض الطاقة، وكانت الطاقة المنخفضة مرتبطة بالاكتئاب، فإن هذه العلاقة ستمثل مساراً آخر يمكن أن تؤثر من خلاله المتغيرات الجينية لممارسة التمارين على خطر الإصابة بالاكتئاب". ولكنه يشير إلى أن مؤلفي الدراسة كانوا على دراية بهذه العثرات المحتملة وقاموا بكل ما في وسعهم لتقليلها. وحتى بعد إزالة الجينات المرتبطة ببعض الخصائص (مثل مؤشر كتلة الجسم أو مستوى التعليم) من المعادلة، فإن نتائجهم لا تزال ثابتة.
ووفقاً لدراستهم، فإن كل ازدياد واحد في الانحراف المعياري للنشاط البدني، يؤدي إلى انخفاض أعراض الاكتئاب بنسبة 26%. ويعدّ "الانحراف المعياري الواحد" مقياساً غير مفيد للتمارين، وبالرغم من صعوبة إيجاد مثيل مباشر له، إلا أن الباحثين يشيرون إلى أنه يعادل تقريباً ساعة واحدة من النشاط المعتدل كالمشي أو 15 دقيقة من التمارين الشديدة كالجري.
كما قرروا أيضاً قياس مستوى نشاط المشاركين باستخدام مقياس التسارع (بالإضافة إلى سؤالهم عن مستويات النشاط الخاصة بهم). وبالنظر إلى مدى اختلاف مستوى التمرين الفعلي عن مستوى التمرين الذي ذكره المشاركون، أمكن للباحثين أن يكتشفوا فيما إذا كان الإبلاغ الذاتي موثوقًا أم لا. ولم يكن كذلك، الأمر الذي قد لا يثير الدهشة. وكان الانخفاض في أعراض الاكتئاب —أي بنسبة 26%— ينطبق فقط على الأشخاص الذين يمارسون بالفعل التمارين بشكل أكبر.
ويشير مؤلفو الدراسة إلى أن هذا أحد الأدلة فقط التي تدعم الدور السببي. ومن شأن إجراء المزيد من الأبحاث أن يساعد دائماً في تعزيز الفرضية. ولكن يشير تشيكراود في مقالته الافتتاحية إلى نقطة مهمة بقوله: "الحقيقة هي أن المزيد من النتائج التي تربط بين ممارسة الرياضة والصحة العقلية تقلّل من الإنتاجية الحدّية المتناقصة. وبالنظر إلى كون التمارين مفيدة، فإن السؤال السريري الرئيسي هو كيف نزيد من الإقبال على ممارسة الرياضة والالتزام بها ومساعدة الأفراد على قياس ومراقبة صحتهم العقلية إلى جانب جهودهم في ممارسة التمارين."
بعبارة أخرى، لدينا بالفعل الكثير من الأدلة على أن التمارين الرياضية تقلّل من الاكتئاب (وتفيد في مجموعة كاملة من المشاكل الصحية الأخرى، من السمنة إلى السرطان) لدرجة أن الباحثين يقترحون وصفها كطريقة لتخفيف الأعراض. ولكن ما لا يتوفر لدينا هو طرق رائعة عديدة تساعد الأشخاص على ممارسة التمارين بشكل أكبر. ومن الجدير بالذكر أن ما يقرب من 80٪ من الأميركيين لا يقومون بممارسة ما يكفي من النشاط البدني. وهذا يعني أن الجميع تقريباً يمكنهم أن يستفيدوا من ممارسة التمارين بشكل أكثر. وكما يشير مؤلفو الدراسة، فإن الأشخاص المعرّضين لخطر الإصابة بالاكتئاب يمكن أن يستفيدوا بشكل مضاعف من خلال البدء المبكر ببرنامج التمارين الرياضية.