يمكن للمطاعم أن توفر الكثير من التكاليف بالسماح لعامليها المرضى بالبقاء في منازلهم

3 دقائق
لا داعي للمخاطرة

يفضل الكثيرون تجنب الاعتراف بحقيقة مؤلمة، وهي أن كل لقمة من الطعام تحمل داخلها احتمال الإصابة بالمرض. يمكن لهذا المرض أن يأتي من مطبخك الخاص – من الاحتمالات الحالية الإيكولاي في الخس المفروم والسالمونيلا في البيض – أو من مطبخ مطعم ما. تكلف الأمراض التي تنتقل عبر الطعام في الولايات المتحدة مبلغاً هائلاً يصل إلى 15 مليار دولار سنوياً، وفق تقديرات وزارة الزراعة الأميركية، ناهيك عن الكثير من الليالي البائسة التي يقضيها المرضى ما بين الألم والغثيان.

يقول مركز السيطرة على الأوبئة في الولايات المتحدة الأميركية أن احتمال الإصابة بالمرض من وجبات المطاعم أكبر مما في حالة الطعام المنزلي. وبما أن معظم الأميركيين يذهبون إلى المطاعم عدة مرات أسبوعياً، فإن أي تحسن في مكافحة الأمراض في هذا الطعام سيؤدي إلى تحسن في المستوى الإجمالي للصحة. ومن المريح أن نعرف أنه يمكن للمطاعم اتخاذ إجراءات وقائية للتخفيف من الأمراض التي تنتقل عبر الطعام، ووفقاً لدراسة جديدة من باحثين في مدرسة بلومبيرج للصحة العامة في جامعة جونز هوبكنز، فإن اتخاذ هذه الإجراءات قد يكون أكثر جدوى اقتصادية بدلاً من المخاطرة بأي انتشار للمرض، وهو حافز إضافي يدفع المطاعم إلى تعزيز جهودها في هذا المجال، مثل تنفيذ برامج تدريبية حول سلامة الطعام.

تقول سارة بارتش، المؤلفة المشاركة في هذا البحث، في مقابلة بالبريد الإلكتروني مع بوبساي: "يمكن أن تضط المطاعم لدفع تكاليف باهظة، قد تصل إلى 2.6 مليون دولار، في حال انتشار مرض ما في الطعام. فإذا انتشر المرض بين خمسة أشخاص فقط، يمكن أن تصل التكاليف إلى 8,300 دولار، حتى لو لم يتعرض المطعم إلى أية خسائر في الدخل، أو دعاوى قضائية، أو تكاليف قانونية، أو غرامات".

تعمل بارتش مع زملائها في المركز العالمي لمكافحة البدانة في مدرسة بلومبيرج. وتعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها، لأنها تركز على الأثر المالي للأمراض على المطاعم، بدلاً من الأفراد أو الاقتصاد ككل. ويعتقد الباحثون أن الإحاطة الجيدة بتفاصيل التكاليف الفعلية لهذه الأمراض قد يحفز المطاعم على اتخاذ المزيد من الإجراءات الوقائية.

لإجراء الدراسة، قام الباحثون ببناء نموذج حاسوبي لمحاكاة أنواع مختلفة من الأمراض التي تنتشر عبر الطعام في أنواع مختلفة من المطاعم: مطاعم الوجبات السريعة، المطاعم غير الرسمية السريعة، المطاعم غير الرسمية (خدمة طاولات مع قائمة طعام موسعة)، والمطاعم الراقية. اعتمد الباحثون على قائمة مركز السيطرة على الأوبئة للأمراض التي تنتشر عبر الطعام والتي أصابت المطاعم ما بين 2010 و 2015.

في عام 2015 فقط، ووفقاً لمركز السيطرة على الأوبئة، حصل انتشار للأمراض في المطاعم أكثر من 450 مرة، وهو رقم يساوي نسبة 60% تقريباً من مجمل مرات انتشار الأمراض في ذلك العام. ويعرف انتشار المرض بأنه إصابة شخصين أو أكثر بالمرض نتيجة تناول طعام ملوث. وتتراوح هذه الأمراض بين الأنواع الشائعة، مثل نوروفيروس وإيكولاي وسالمونيلا، وصولاً إلى التسمم والتهاب الكبد من النوع A. قام باحثو جونز هوبكنز بنشر 15 نوعاً من هذه الفيروسات في مطاعمهم الافتراضية ضمن عملية المحاكاة، ومن ثم حسبوا التكاليف المالية لكل مرض بالنسبة لعدة أحجام من الانتشار. ومن ضمن هذه التكاليف الأتعاب القانونية من الدعاوى القضائية والغرامات، إضافة إلى خسائر ثانوية في الدخل مثل تناقص رعاية المطعم بسبب تردي سمعته.

تفاجأ الباحثون بأن "أقل تكلفة لانتشار المرض قد تصل إلى حوالي 4,000 دولار، وهو مبلغ أكثر مما يلزم لبعض الإجراءات للوقاية والمكافحة، مثل إعطاء وقت كاف لنقاهة العاملين المرضى قبل عودتهم إلى العمل"، كما تقول بارتش.

يعتمد النموذج بشكل أساسي على بيانات من الوكالات الحكومية، إضافة إلى بيانات من القائمين على صناعة المطاعم. وعلى سبيل المثال، وجد النموذج أن إعطاء إجازة مرضية لعامل واحد في المطعم يكلف ما بين 78 و 3,500 دولار أسبوعياً، على حين أن انتشاراً واحداً للنوروفيروس في مطعم غير رسمي قد يكلف 2.2 مليون دولار، وهو أضعاف مضاعفة من تكلفة إجازة إضافية لعامل مريض. وبما أن النموذج مصمم فقط للمطاعم المنفردة، يمكن أن تتصاعد التكاليف عند انتشار الأمراض في سلاسل المطاعم الشهيرة، حيث يمكن أن يتناقص دخل هذه السلاسل في العديد من المطاعم التابعة لها في مختلف أنحاء البلاد بسبب بضعة منتجات ملوثة في بعض الأماكن.

تعتبر هذه الدراسة الأولى حول الأمراض التي تنتشر عن طريق الطعام في المطاعم تحديداً، كما يقول المؤلف المشارك بروس لي في مقابلة بالبريد الإلكتروني مع بوبيولار ساينس: "قبل هذه الدراسة، لم تكن تكاليف انتشار الأمراض واضحة بالنسبة لكثير من المطاعم". غير أن مؤلفي الدراسة يعترفون أيضاً بأن النموذج محدود بعض الشيء، حيث أن انتشار الأمراض عن طريق الطعام مسألة تتدخل فيها الكثير من العوامل لدرجة تستحيل محاكاتها بدقة. ولهذا من الضروري أن توضع هذه النتائج في سياقها الصحيح، كما تقول أبيجايل سنايدر، أخصائية علوم الغذاء في جامعة أوهايو الحكومية، والتي لم تشارك في الدراسة. من الطبيعي أن إدارات هذه المطاعم لا تتعمد محاولة إصابة الزبائن بالمرض، بل إنها ببساطة لا تدرك الفرق الكبير الذي قد تحدثه بعض الإجراءات البسيطة، مثل الدورات التدريبية للعاملين ومنحهم إجازات مرضية لمدة كافية. تقول سنايدر: "يعتقد المستهلكون الأفراد عادة أنهم لن يصابوا بالمرض، وينطبق هذا على المطاعم أيضاً".

غير أن هذا يمكن أن يكون جزءاً من مقاربة شمولية لتحقيق سلامة الغذاء، كما تقول سنادير، وهي مقاربة تقوم على عدد كبير من الإجراءات، بدءاً من التحكم بالسلوك البشري وصولاً إلى درجة حرارة الطعام. وتقول سنايدر أن الدراسة تبين أنه "يجب أن نتخلص من العقلية التي تقول بأن التعامل بفعالية مع هذه الأمراض لن يعود بالفائدة على المطعم من الناحية الاستثمارية". وتختم قائلة بأن هذه الدراسة تعتبر قطعة جديدة ومفيدة في هذه الأحجية المعقدة "لأنها تعنى بالناحية المالية"، وإن كانت مجرد بداية وحسب.

المحتوى محمي