بطريق جينتو مع صغيره في منطقة بوتر كوف بجزيرة الملك جورج.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجب القول أن ستيفن روبرتس الباحث في مركز الاستقصاء القطبي البريطاني، وزملاءه من عدة جامعات أوروبية، جامعة بريمن الألمانية، والأكاديمية البولندية للعلوم، وجامعة كارديف وغيرها، لم يكونوا يخططون في دراستهم لحل لغز حول واحدة من أكبر مستعمرات بطاريق جينتو في القارة القطبية، ولكن الدراسة التي نشروها في أبريل 2017 في مجلة رسائل الطبيعة تشير إلى أنهم صادفوا مفاجأة حقيقية.
فقد ذهب روبرتس ورفاقه إلى القارة القطبية لجمع رواسب من قاع البحيرة والتي تعطينا تصوراً عن التأثيرات التاريخية للتغير المناخي.
بطريق جينتو يتبرز على الثلح قرب منطقة كوف بوتر بجزيرة الملك جورج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول روبرتس: "نحن نعلم أن المشهد العام للتغير المناخي في الماضي أي قبل 10 إلى 12 ألف سنة يرتكز على العديد من سجلات العينات اللبية الجليدية، ولكن الكثير من التأثيرات التي يمكن أن تحدث في أماكن معينة هي نوع من التغيرات المحلية،. ولأن لدينا بحيرات أكثر بكثير من الصفائح الجليدية في العديد من المناطق فإننا قادرون على إعادة تنظيم درجات الحرارة من مناطق عدة بتقنيات كهذه".
وبتحليل رواسب البحيرة المأخوذة من جزيرة أردلي القطبية واجه الباحثون مفاجأة غير متوقعة وهي عظام البطريق. ويقول روبرتس عن هذا: "لم يكن الهدف الأساسي من الدراسة أن نذهب إلى هناك للبحث عن تاريخ مستعمرات البطريق في جزيرة أردلي بل كان هدفنا هو البحث في التغير النسبي لمستوى البحر، ولكن العثور على العظام وعلى نماذج مختلفة من الخصائص الجيوكيميائية داخل العينة اللبية يبدو أمراً مثيراً للاهتمام يجعلنا نقوم بمزيد من البحث والاستقصاء".
وقد عرف العلماء أن بطريق جينتو الذي عاش على جزيرة أردلي لمدة 6700 سنة شهد وبشكل دوري انخفاضاً حاداً في أعداده. يمكن تمييز بطريق جينتو الذي تبلغ أعداده اليوم في جزيرة أردلي حوالي 5 آلاف زوج من خلال رقعة بيضاء على ريشه الأسود تبدأ خلف العين وتمتد نحو الخلف لتصل إلى قمة الرأس. وبينما تقضي أنواع أخرى من البطريق مثل بطريق آديلي معظم وقتها على قطع متجمدة من الجليد في بحر القارة القطبية، إلا أن بطريق جينتو يقضي معظم وقته على الأرض الجافة.
وتظهر السجلات التاريخية أن أعداد بطريق جينتو انخفضت بشكل حاد خمس مرات خلال 6700 سنة، ولكن لم يكن كل هذا الانخفاض مرتبطاً بالتغير المناخي وبتأثيرات البيئة. وقد وفرت رواسب البحيرة القرائن المطلوبة حول ذلك. وعلى بعد مائة كيلو متر إلى الجنوب الشرقي من جزيرة أردلي تقع "جزيرة الخداع" التي سميت بهذا الاسم لأنها تبدو من الخارج كجزيرة عادية، ولكن بالمسير على سطحها سنكتشف أنها على شكل حلقة أرضية، والممر المائي الداخلي هو في الواقع حوض بركاني تشكل من بركان كبير نشط.
وقد ساعدت التحاليل الجيوكيميائية لعينات رواسب البحيرة في كشف حقيقة مأساوية وهي أنه ومع كل اندفاع كبير لبركان الجزيرة كانت التداعيات الناجمة عنه كافية تقريباً للقضاء على كل بطاريق جزيرة أردلي. وتضمنت هذه التحاليل نوعاً جديداً من تقنية الوصم البيولوجي تقوم بإعادة تنظيم التغيرات عبر الزمن، كما بحثت هذه التحاليل في التركيز المتغير لفضلات البطريق والرماد البركاني.
تقول كلير والودا المتخصصة في علم بيئة البطاريق والتي تعمل مع مركز الاستقصاء القطبي البريطاني: "تكشف هذه الدراسة عن التأثير الشديد للاندفاعات البركانية على البطاريق، ومدى صعوبة استعادة المستعمرة بشكل كامل بعد حدوثها" وتضيف: " يمكن لثورة البركان أن تدفن صغار البطريق في الرماد البركاني السام والكاشط، وبينما تستطيع الطيور البالغة السباحة بعيداً فإن الفراخ تكون أصغر من أن تستطيع النجاة في المياه المتجمدة، كما أن أماكن التعشيش تدفن تحت الرماد أيضاً وتصبح غير صالحة للسكن لمئات السنين".
بطريق جينتو يتسلق الطريق المنحدر في مستعمرة التعشيش في جزيرة أردلي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسيكون هدف البحوث المستقبلية معرفة كيف يقضي الرماد البركاني على أعداد البطاريق، وماذا يحدث لها، ولماذا تحتاج إلى 400 إلى 800 عام لاستعادة أعدادها التي قضت عليها ثورة البركان. ولكن هذه الدراسة تذكرنا بالتأثيرات الكارثية التي استمرت لقرون والتي يمكن أن تسببها الأحداث التي تبدو بعيدة عنا. وهذا الماضي المؤسف ربما لا يكون مجرد ماضٍ مدفون، فأعداد البطاريق التي قضت عليها الاندفاعات البركانية الماضية هي نفس الأعداد الموجودة اليوم، والبركان ما يزال نشطاً.