هل الدواء ضيف ثقيل يأتي في وقت غير مناسب؟

3 دقائق
توقف! إنه وقت ساعة الجسم.

اكتشف الباحثون في عام 1960 أن إحدى المواد السامة تقتل الفئران عند إعطائها لها في وقت معيَّن من اليوم، وعند إعطائها نفس السمِّ لكن في وقت مختلف، لم تُصب بأي أذى.

وقد قطعت دراسة النظم اليوماوية عند الثدييات شوطاً طويلاً منذ ذلك الحين، ولكن لا يزال الطب المتعلق بهذه النظم اليوماوية في مهده عند البشر، ومع ذلك فقد يكون هناك تأثيرات كبيرة لفهم كيفية تأثير إيقاعات أجسامنا على تلقِّينا للمواد الكيميائية؛ إذ ابتكر باحثون في المركز الطبي لمستشفى الأطفال في سينسيناتي ما يُدعى "الأطلس اليوماوي عند البشر"؛ والذي يحتوي على معلومات حول كيفية تأثير إيقاعنا اليوماوي على أجزاء مختلفة من الجسم، وهم يأملون في أن يساعد ذلك في جعل فكرة الطب الشخصي المبني على ساعة الجسم أكثرَ شيوعاً، وفي تحسين نتائج المرضى أيضاً.

ولا تُعد كافة الجينات موجَّهة من قِبل الساعة، بل يؤدي بعضها نفس العمليات وينتج نفس المواد الكيميائية طوال الوقت، ولكن يتم تنظيم نصف الجينوم -أي المعلومات الجينية الموجودة في الجسم- بواسطة ساعة الجسم، ويمكن أن يكون لذلك آثار هامة، وخاصة بالنسبة للطب؛ فقد أنتجت دراسةٌ -تمت على أنواع مختلفة من الحيوانات- قواعدَ بيانات حول كيفية تأثير ساعة أجسامهم على أنواع مختلفة من الأنسجة في الجسم، ولكن لا توجد حتى الآن قاعدة بيانات من هذا النوع عند الإنسان، ولا يوجد تأكيد واضح على أن نصف الجينوم -كما هو الحال عند الثدييات الأخرى- يعتمد على ساعة الجسم.

ويقول مارك روبن (المؤلف الأول لهذه الدراسة): "كنا مهتمين بتحديد الإيقاعات الجزيئية للأنسجة البشرية المختلفة"، وقد أبلغوا عن 13 نوعاً مختلفاً من الأنسجة البشرية، بما فيها القولون والغدة الدرقية والعديد من أنسجة القلب المختلفة.

وأحد الأمثلة على الحالات التي قد تكون هذه المعرفة مفيدة لها هو في إعطاء أدوية العلاج الكيميائي مثل الستربتوزوسين، والذي يستخدم لعلاج أحد أنواع سرطان البنكرياس؛ حيث يقول جون هوجنيش (المؤلف المشارك في هذه الدراسة): "إنه دواء فعَّال للغاية، لكن تأثيره السلبي الرئيسي هو سُمِّيته"؛ فهو سامٌّ لكل من الكبد والكلى، لكنَّ له عمراً نصفياً يبلغ 15 دقيقة فقط؛ مما يعني أنه إذا تم إعطاؤه في الوقت المناسب، فسيستطيع أن يعالج البنكرياس عندما تكون الكلى والكبد أقل عرضة للتأثر به.

لكن على الرغم من أن جميع الأنسجة موجَّهة من قِبل ساعة الجسم، إلا أنها تقوم بأشياء مختلفة في مراحل مختلفة من اليوم، وباستخدام خوارزمية تسمى CYCLOPS -وهي الأحرف الإنجليزية الأولى من الجملة التي تعني: الترتيب الحلقي بواسطة البنية الدورية- تمكَّن الفريق من معرفة إيقاعات 13 نوعاً مختلفاً من الأنسجة في الجسم، بما فيها الكبد والكليتين، وتعدُّ هذه الأنواع النسيجية كلها مهمة طبياً، وتفتح قاعدة البيانات مثل هذه آفاقاً جديدة للعلاج الشخصي؛ لأن بعض الأدوية مصمَّمة لتكون أكثر فعالية -أو أقل ضرراً- في مراحل معينة من إيقاعات الأنسجة.

يقول هوجنيش: "ما أعتقد أنه قد يكون الاكتشاف الأكثر إثارة للاهتمام [في هذه الدراسة] هو أن هذه البيانات كانت محفوظة على مستوى السكان"؛ وهذا يعني أن أنسجتك تتَّبع نفس الإيقاعات، بغض النظر عمَّن تكون أنت سواءً من ناحية عرقك أو عمرك أو حالتك الصحية، كما يقول إن هذا يقلل بكثير من صعوبة احتمال الاكتشاف الفعلي للمرحلة المثلى لإعطاء الدواء ضمن الإيقاع.

وتقول يينغ هوي فو (المتخصصة في البيولوجيا الجزيئية في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، والتي لم تشارك في الدراسة): "نحن نعلم أن الإيقاع اليوماوي مهم جداً من منظور العلاج الطبي"، وتضيف أن هذه الدراسة "تأتي في ظل وجود فجوة كبيرة"، ونأمل أن تُثبت للأطباء قيمة (وجدوى) التفكير في الإيقاعات اليوماوية أثناء العلاج.

ويقول كينيث رايت (عالم الأعصاب في جامعة كولورادو، والذي لم يشارك في الدراسة): "أعتقد أن هذا جزء من الطب الذي لم يتم تقبُّله بعد"، ولكنه يقول إن هذا قد يتغير؛ إذ حصل ثلاثة علماء أميركيون على جائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب في العام الماضي لاكتشافهم الآليات الجزيئية الكامنة في الإيقاع اليوماوي، ويقول إن هذا المجال يكتسب اعترافاً واسعاً، ويضيف: "ما وصلنا إليه الآن هو فرصة في هذا المجال لنقل هذه المعلومات إلى الطب".

ولا يوجد من بين 2000 دواء معتمد من قبل إدارة الأغذية والأدوية الأميركية للاستخدام عند البشر في الوقت الحالي سوى نحو 40 دواءً فقط تم اختبارها من أجل معرفة الوقت اليوماوي الأمثل لاستخدامها، ويأمل هوجنيش وروبن أن يتغير ذلك؛ إذ يقول هوجنيش: إذا استطعنا إجراء 5 إلى 10 تجارب سريرية سنوياً فإن الأبحاث ستكون فعَّالة، ويضيف: "سوف أشعر بحال أفضل بعد مدة تتراوح من ستة أشهر إلى سنة من الآن"، عندما يكون من الممكن معرفة ما إذا كان قد تم استخدام الأطلس أم لا.

المحتوى محمي