تمكن ثلاثة علماء -فكَّروا كما فكَّر داروين- من الفوز بجائزة نوبل للعام 2018 للكيمياء، حيث استخدم هؤلاء العلماء نظرية التطور في المختبر، وتمكَّنوا من التوصل إلى بروتينات جديدة سمحت لنا بتطوير تقنيات تصنيع أفضل للبيئة وأنواعٍ متجددة من الوقود الحيوي، بالإضافة إلى علاجاتٍ بالعقاقير لبعض أمراض المناعة الذاتية وبعض أنواع السرطان.
وقد قال جوران هانسون (الأمين العام للأكاديمية الملكية السويدية للعلوم) عند إعلان أسماء الفائزين: "جائزة هذه السنة تكرِّم ثورة مبنية على التطور، لقد طبَّق الباحثون مبادئ داروين في أنابيب الاختبار، وتوصَّلوا بهذا إلى تطوير مواد كيميائية جديدة لخير البشرية كلها".
وقدمت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم نصفَ الجائزة إلى فرانسيس أرنولد في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وذلك لعملها الرائد في التطور الموجَّه للإنزيمات، إذ عادة ما تسرِّع هذه البروتينات -بشكل طبيعي- من التفاعلات الكيميائية الحيوية في الخلايا الحية، فطوَّرت أرنولد تقنيتها في البداية لتشكيل إنزيمات محددة قادرة على تأدية مهام معينة، وقد حلت هذه البروتينات محل مواد كيميائية أكثر سُمِّية كانت تستخدم في تصنيع المواد الدوائية والوقود الحيوي، وغيرها من المنتجات.
وقدمت الأكاديمية النصف الآخر بشكل مشترك إلى جورج سميث في جامعة ميسوري، وجريجوري وينتر في جامعة كامبريدج؛ وذلك لتطوير عملية تسمى عرض الآكلة وتطبيقها، حيث طوَّرها سميث في 1985 باستخدام فيروسٍ يصيب البكتيريا -يسمى: آكل البكتيريا- بهدف تطوير بروتينات جديدة، ثم طبَّق وينتر هذه الطريقة لاحقاً في توجيه تطوُّر الجسيمات المضادة. وفي 2002 أنتجت هذه الطريقة أول عقار يحتوي على عرض الآكلة، وهو يُوصف لمعالجة التهاب المفاصل الروماتويدي، وداء الصدف، وأمراض الأمعاء الالتهابية.
يقول بيتر دورهوت (رئيس الجمعية الكيميائية الأميركية، وبروفسور مختص في الكيمياء في جامعة كانساس الحكومية): "استطاع الفائزون -بفضل هذه الإنجازات- أن يدفعوا عملية التطور الخلوي بشكل أسرع من الطبيعة بآلاف المرات؛ وذلك لتحسين الوظائف الخلوية، وتحسين تفاعل الأدوية، وتصميم خلايا أكثر قدرة على صنع الوقود الحيوي".
وتعد أرنولد هي المرأة الخامسة في التاريخ التي تفوز بجائزة نوبل في الكيمياء، ولم يُسبق لعالمة أن حقَّقت هذا الإنجاز منذ 2009، عندما فازت آدا يوناث بالجائزة لعملها على الريبوسومات. كما تعد أيضاً المرأة الثانية التي تفوز بجائزة نوبل في مجال علمي في هذه السنة، بعد أن فازت دونا ستريكلاند بـجائزة نوبل في الفيزياء.
ويرى دورهوت أن فوز أرنولد يعد خطوة كبيرة نحو تمثيل أكبر للنساء في الكيمياء والعلوم بشكل عام، قائلاً: "تكرِّس الجمعية الكيميائية الأميركية جهوداً كبيرة لتوسيع المشاركة في العلوم الكيميائية، وزيادة التنوع في قوة العمل وزيادة الحائزين على درجة الأستاذية؛ وذلك انطلاقاً من الاعتراف بالإنجازات الكبيرة للأشخاص الذين عادةً ما يكونون ضعيفي التمثيل في هذه المجالات".
وقد وجدت هذه الإنجازات المخبرية العديد من التطبيقات الواقعية التي يمكن أن تؤثر على الحياة اليومية للناس، وتتوقع الأكاديمية أن يقدِّم لنا التطور المزيد والمزيد، كما أوردت في بيان حول الجائزة: "إننا نشهد بدايات ثورة التطور الموجَّه، التي ستجلب فوائد كثيرة للبشر، وبكثير من الطرق المختلفة".