تأسر جائزة نوبل العالم كل عام على الرغم من أنها غالباً ما تكون موضع شك في اختياراتها، وفي حين أن هناك الآن جوائز علمية بقيمة نقدية أكبر، إلا أنه لا توجد جائزة معروفة بهذا المستوى العالمي كعلامة على التقدير والأهمية.
وقد بدأ موسم توزيع الجوائز لعام 2018 يوم الإثنين مع جائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب، وقد كرَّمت هذا العام اثنين من الباحثين من أجل أبحاثهما في علاج السرطان؛ إذ إن جيمس بي أليسون (البالغ من العمر 70 عاماً، والمولود في أليس بولاية تكساس، والذي ينتسب الآن إلى مركز إم دي أندرسون للسرطان في جامعة تكساس ومعهد باركر للعلاج المناعي للسرطان في سان فرانسيسكو) قد تقاسم الجائزة مع تاسكو هونجو (البالغ من العمر 76 سنة، والأستاذ في جامعة كيوتو في اليابان)، وتشمل جائزتهما المشتركة 9 ملايين كرونة سويدية، وهي أكثر من مليون دولار أميركي بقليل.
وقد قام أليسون وهونجو في التسعينيات بأبحاث منفصلة -ولكنها متوازية- حول استخدام جهاز المناعة البشري لمكافحة السرطان، ولأن السرطان مرض ينتج عن طفرة في خلايا الجسم، فإن أجهزتنا المناعية نادراً ما تُقدِّم الكثير من المساعدة، وقد أظهر أليسون وهونجو كيف يمكن لبروتينَيْن مختلفين -بطرق مختلفة قليلاً- أن يثبِّطا محاولات جهاز المناعة لمهاجمة الخلايا السرطانية المتكاثرة، فإذا قام شخص ما بتعطيل مثل هذا التثبيط، فستتولَّد لدى الجهاز المناعي فرصةٌ لمكافحة السرطان، وذلك كما أشارت أبحاثهما. وقد أدت الأبحاث التي قاما بها -هما وغيرهما في ذلك الوقت- إلى تطوير العلاج المناعي ليصبح علاجاً للسرطان، وهو يعدُّ الآن مجالاً سريع النمو، وكانت هذه هي الخطوة الأولى في طريق أن تصبح علاجات السرطان أكثر دقة وأقل شدة من الجراحة والإشعاع والعلاج الكيماوي.
كما أن هذه الجائزة هي أول جائزة نوبل تُمنح لعلاج السرطان؛ فقد تم منح جوائز نوبل السابقة للاكتشافات التي أُجريت لفهم الآليات التي تعمل بها الخلايا السرطانية، ولكن هذه هي أول جائزة تُعطى مباشرة لعلاج سريري للمصابين بالسرطان. وإن الأدوية التي تعتمد على هذه البروتينات ومثيلاتها تساعد الآن في علاج أنواع عديدة من السرطان، وتعرف باسم مثبِّطات نقاط التفتيش المناعية.
وقال دان ديفيس (من جامعة مانشستر) لصحيفة الغارديان: "إنني أشعر بسعادة غامرة لأن جائزة نوبل قد تم منحها لعلاج السرطان هذا، فهو له تأثير كبير في هذا المجال، ورغم أنه لا ينجح مع الجميع، إلا أن هناك أرواحاً تم إنقاذها، كما أنه أحدث ثورة في التفكير بالطرق العديدة الأخرى التي يمكن من خلالها تسخير جهاز المناعة أو تحريره ليواجه السرطان والأمراض الأخرى، وأعتقد أن هذا ليس إلا جزءاً بسيطاً، كما أني أرى العديد من الأدوية الشبيهة به تلوح في الأفق".
وفي مؤتمر صحفي -تمَّ في صباح يوم الاثنين في مدينة نيويورك- قال أليسون إنه ما زال يشعر بالاندهاش من هذا الخبر (الذي عرف به عبر مكالمة هاتفية من ابنه الذي أيقظه في الساعة الخامسة والنصف صباحاً).
وقال إن ما يميِّز اكتشافاته التي حصلت على الجائزة الآن هو العلاقة المباشرة التي تربط بين الأبحاث الأساسية والطب السريري، قال أليسون: "لم أشارك في هذا الأمر لعلاج السرطان، ولكن لأفهم كيفية عمل الخلايا التائية، وبصفتي عالماً أساسياً فإن رؤية هذا العمل يساعد المرضى حقاً بعد مرور 20 عاماً"، وقد كانت هي الجائزة الأكبر.
ماذا يعني هذا بالنسبة لمرضى السرطان الآن وفي المستقبل؟
كانت الركائز الأساسية لعلاج السرطان قبل أبحاث أليسون وهونجو هي الجراحة (لتخليص الجسم من أكبر قدر ممكن من السرطان) والعلاج الكيميائي والإشعاعي (لقتل كافة الخلايا السرطانية المتبقية)، ولكن أليسون يقول إن ما حققته هذه الاكتشافات هو أنها وضعت الركيزة الرابعة لمجموعة علاجات السرطان على شكل العلاج المناعي، كما يقول إنه على الرغم من أن موقع العلاجات المناعية لا يزال غير واضح تماماً بين العلاجات التقليدية، إلا أن من المرجح أن يغير الطريقة التي نستخدم بها الوسائل القديمة.
فنجد على سبيل المثال أن العملية التي تحفِّز مواجهة النظام المناعي للسرطان تبدأ بوفاة بعض تلك الخلايا الخبيثة، وبالتالي إذا كان العلاج الكيميائي والإشعاعي قادرين على بدء هذه العملية، فإن العلاج المناعي ستُتاح له فرصة الدخول والسماح للجسم بقتل المتبقي، وبالتالي يحافظ على زوالها إلى الأبد من الناحية النظرية.
يقول أليسون: "إن الطريقة التقليدية لإعطاء جرعات عالية من العلاج الكيميائي والإشعاعي لقتل كافة الخلايا السرطانية الأخيرة لم تعد هي الهدف، ولا ينبغي هذا، بل يجب قتل ما يكفي من الخلايا السرطانية بواسطة العلاج الكيميائي والإشعاعي، ثم إدخال العلاج المناعي لجعل جهاز المناعة يتخلَّص من كل خلية متبقية".
وقد ساعد أليسون وهونجو في توجيه أحدث جيل من علاجات السرطان المعدَّلة جينياً من خلال إظهار إمكانية تعديل جهاز المناعة لصدِّ الخلايا السرطانية، وقد كرَّمت جوائز بوبيولار ساينس المعروفة باسم "أفضل ما هو جديد Best of What's New Awards) في عام 2017 علاج "كمرايا"؛ وهو أول علاج وافقت عليه إدارة الأغذية والأدوية الأميركية لاستخدام خلايا الدم البيضاء المعدَّلة جينياً لمكافحة المرض، وتعد نتائجه مذهلة؛ لكن كمرايا لا يعدُّ علاجاً سحرياً لجميع المرضى، أو حتى لجميع أنواع السرطان.
كما يحاول الباحثون الآن الحصول على اعتماد لعلاج كمرايا الذي تصنِّعه شركة نوفارتيس وعلاج يسكارتا الذي تصنِّعه شركة كايت فارما (وهما صنفان تجاريان لنفس العلاج، والذي يُعرف بشكل عام باسم العلاج المناعي للخلايا CAR-T) للمزيد من أنواع المرض، ولكن -وكما ذكرت بوبيولار ساينس في ديسمبر- على العلاجات أن تقطع طريقاً طويلة؛ حيث إنها إذا نجحت، فإن ذلك يحدث غالباً بطريقة خارقة، وإذا لم تنجح، فمن الممكن أن تسبِّب آثاراً جانبية تهدِّد الحياة، وحتى هؤلاء المرضى -الذين يبدو أنهم يتحسنون- لا يحصلون دائماً على الصحة التي يأملونها مدى الحياة.
ولكن على الرغم من كل العقبات في طريق هذا الشكل الجديد من الطب، إلا أن العلاج المناعي يعدُّ الأفضل بلا شك في جعل السرطان شيئاً من الماضي.
ويقول أليسون: "كيف أجرؤ على استخدام كلمة شفاء؟! ولكن هذا هو الأمل مع هذا النوع من العلاجات؛ حيث إنك بمجرد حصولك على الخلايا التائية فأنت تحصل عليها طوال حياتك، ولا تزول، أما عند إعطاء دواء للعلاج الكيميائي، فسيختفي خلال ساعات".
ومما يستحق الذكر أن أليسون قد يكون من بين أفضل عازفي الهارمونيكا في تاريخ جائزة نوبل، وهذا المقطع يُظهر ذلك.