ما هو التنمر العلمي ولماذا يرفض البعض الحقائق العلمية ويتهجمون على العلماء؟

6 دقائق
ما هو التنمر العلمي ولماذا يرفض البعض الحقائق العلمية ويتهجمون على العلماء؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ BlueRingMedia

"تعيسة هي البلاد التي تحتاج إلى بطل"، هذا ما قاله غاليليو بعد أن تراجع عن آرائه العلمية خوفاً من تعذيب واضطهاد الكنيسة، فمصير أي شخص جاهر بالدفاع عن نظرية كوبرنيكس في أن الشمس هي مركز السماء وليست الأرض كان التعذيب والحرق وسخط الناس. ولاحقاً، وعندما أثبت بعض العلماء في القرن التاسع عشر أن الأمراض تنتج عن كائنات حية دقيقة تغزو الجسم، قوبلوا بمعارضة كبيرة جداً من الناس والعلماء الآخرين. واليوم، ما زال الكثير من الناس يجادلون ويرفضون الحقائق العلمية، ككروية الأرض وفعالية اللقاحات وتغيّر المناخ وغيرها. فلماذا؟ ولماذا يرفض البعض الحقائق العلمية والأدلة العلمية المطروحة أو يقللون من شأنها أو يبغضونها حتى ويكرهون من قالها من العلماء؟

اقرأ أيضاً: كيف استطاع العلماء تحديد عمر الزلازل والبراكين التي حدثت في الماضي؟

أسباب رفض بعض الناس للحقائق العلمية

 في الواقع، ثمة أسباب رئيسية تجعل الناس يرفضون الحقائق العلمية، وهي:

الشك في مصداقية العلماء أو مصدر المعلومات

يكون الناس أكثر عرضة لرفض المعلومات العلمية عندما تأتي من مصدر لا يثقون بمصداقيته، سواء كان من الصحفيين أو مسؤولي الصحة أو السياسيين أو قادة الرأي أو حتى من الناس. وللأسف، يرى الكثير من الناس أن العلماء، والذين من المفترض أن يكونوا المصدر الأصلي للمعلومات العلمية، يفتقرون إلى المصداقية، فلماذا؟ في الواقع، تتكون المصداقية من 3 ركائز هي:

  • الخبرة: أي امتلاك المهارات والمعرفة المتخصصة.
  • الجدارة بالثقة وتعني الصدق.
  • الموضوعية: أي امتلاك وجهات نظر غير متحيزة حول الوقائع.

فعندما يُنظر للعلماء أو إلى أي مصدر آخر للمعلومات العلمية على أنه غير خبير أو غير جدير بالثقة أو متحيز، فإن المصداقية تصبح مشوهة ويفقد حينها فعاليته في نقل المعلومات العلمية وتغيير الآراء. قد يحدث هذا بسبب النقاشات التي تحدث في المجالات العلمية، وتبنّي العلماء المختلفين وجهات نظر وفرضيات ونتائج وتوصيات مختلفة، وعلى الرغم من أن الجدل والنقاش بين العلماء هو جزء صحي من العملية العلمية، فإن العديد من الناس يفسرونه على أنه نقص في خبرة العلماء وموضوعيتهم.

سبب آخر يجعل مصداقية العلماء مهددة، هو أن الناس في كثير من البلدان باتت لا تثق كثيراً بالنخب المجتمعية والمنظمات الحكومية، وبالتالي عندما توظف هذه النخب أو المنظمات الحكومية العلماء للتحدث إلى الناس من منابرها، فإن الناس سوف تشكّ بحيادهم وصدقهم.

بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يُنظر إلى العلماء على أنهم يعرضون وجهات نظر متحيزة ضد القيم الدينية والمحافظة، وقد يرفض العديد من المتدينين العلم ولو جزئياً بسبب التصور القائل بأن العلماء ملحدون، أو قد يعتقد الناس أن للعلماء مصالح خاصة واستثمارات مالية تنجح عند إقناع الناس بشراء اللقاح مثلاً. علاوة على ذلك، غالباً ما يتم تصوير العلماء على أنهم باردو أو عديمو المشاعر، ما يقوّض رغبة الناس في تصديقهم والوثوق بهم.

اقرأ أيضاً: لماذا لا تتأثر النار بالجاذبية وتبقى متجهة نحو الأعلى؟

تعارض المعلومات العلمية مع الهوية الاجتماعية

من أهم أسباب رفض الناس للحقائق العلمية أن البشر يميلون للتوافق مع المجموعات التي ينتمون إليها، أولئك الذين يملكون قيماً ومعتقدات ومصالح متشابهة، فما تؤمن به المجموعة، سيؤمن به الفرد ولن يعارضها. وهذا ما يجعل الهويات الاجتماعية تؤدي دوراً أساسياً في المواقف والسلوكيات المعادية للعلم. 

على سبيل المثال، تكون المجموعات الديمغرافية التي اُستغلت تاريخياً في التجارب العلمية مثل السكان الأصليين أكثر تشككاً في العلم. كما أن التماهي مع مجموعة تمتلك مصالح مشتركة، يدفع الفرد لمناهضة الحقائق العلمية المؤثرة على هذه المصالح. على سبيل المثال، من المرجح أن يرفض أولئك الذين يعتبرون أنفسهم هواة حقيقيين لألعاب الفيديو كل الأدلة العلمية المتعلقة بأضرار ممارسة ألعاب الفيديو، أو قد ترفض بعض النساء الاعتراف بمخاطر المكياج، وغيرها.

اقرأ أيضاً: هل يشكل انخفاض معدل الخصوبة العالمية لنسبة 50% تهديداً للبشرية؟

تعارض المعلومات العلمية مع معتقدات الناس وآرائهم الخاصة

غالباً ما يرفض الناس المعلومات العلمية التي تتعارض مع معتقداتهم أو مواقفهم أو سلوكياتهم. فعندما تتعارض المعلومات العلمية مع ما يعتقد الناس أنه صحيح أو جيد، فإنهم يشعرون بالنفور وعدم الارتياح، والحل الوحيد لهذا الشعور هو رفض العلم والأدلة العلمية أو التقليل من أهميتها. على سبيل المثال، بالنسبة للأشخاص الذين يدخنون طوال حياتهم، فإن الدليل العلمي الذي يثبت أن التدخين مضر وقاتل لا بُدّ وأن يتعارض مع سلوكياتهم، بالتالي، فإن التقليل من شأن العلم المتعلق بالتدخين سيكون أسهل بكثير من تغيير عادة متأصلة بعمق فيهم. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن تعارض بعض الآراء الأخلاقية عند الناس مع أنواع معينة من المعلومات العلمية يؤدي إلى الرفض الأخلاقي. على سبيل المثال، فإن اللقاحات والأغذية المعدلة وراثياً وعلى الرغم من فوائدها الموثقة، فغالباً ما تُرفض بسبب التصورات بأنها غير طبيعية. إذاً، يكون رفض المعلومات العلمية هو الطريق الأسهل من مراجعة المواقف الأخلاقية الحالية عند الفرد، وبالمثل، عندما تتوافق المعلومات العلمية الخاطئة أو المضللة مع المواقف الحالية للفرد يكون من السهل تقبلها ومن الصعب تغييرها لاحقاً بواسطة العلم.

اقرأ أيضاً: ما سر سير الأغنام في حلقة دون توقف في الصين والأردن؟

تعارض طريقة توصيل المعلومات العلمية مع أسلوب تفكير الناس

قد يرفض الناس الأدلة العلمية لأسباب خارجة عن محتوى الموضوع، وإنما تتعلق بطريقة إيصال النتائج إلى الناس. على سبيل المثال قد يجد بعض الناس صعوبة في تحمل عدم اليقين، بالتالي وعندما يتم توصيل نتائج الدراسات بعبارات مثل "نظرية" أو "فعّال بنسبة 90%" (كما هو الحال غالباً)، فإن الناس غالباً ما تميل إلى رفض هذه المعلومات.

الانتماء السياسي

دعونا ألّا ننسى أن القوى السياسية تؤدي دوراً أساسياً في تبني الناس الآراء المناهضة للعلم، لأن السياسة تستطيع أن تضخم الأسباب آنفة الذكر، ويمكنها أن تحدد على نحو كبير ما هي المصادر التي تتمتع بالموثوقية والمصداقية، وما هي غير ذلك. وقد تصبح السياسة بالنسبة للناس أكثر من مجرد معتقدات أو مُثل عليا، بل تصبح جزءاً من هويتهم وتؤثر على طريقة تفاعلهم مع مختلف الأدلة العلمية. على سبيل المثال، عندما تتبنى مجموعة سياسية حقيقة علمية ما، يكون الناس الذين ينتمون لهذه المجموعة أكثر استعداداً لتصديقها، في حين أن الناس الذين لا ينتمون إلى هذه المجموعة يكونون أكثر عرضة لرفضها، وهكذا.

اقرأ أيضاً: ما الشفق القطبي وما علاقته بالاعتدال الخريفي؟

المشاعر والمواقف

من أسباب رفض الناس للحقائق والمعلومات العلمية هي مشاعرهم ومواقفهم تجاه هذه الحقائق. على سبيل المثال، عندما أُزيح بلوتو من المجموعة الشمسية وخُفضت مرتبته إلى كوكب قزم، قابل العديد من الناس هذه المعلومات بغضب ومعارضة، فقط بسبب محبتهم لبلوتو. 

انتشار المعلومات العلمية المضللة

قد يمتلك الناس معتقدات تتعارض مع العلم ويميلون إلى رفض النتائج العلمية بسبب كثرة انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، خاصة عندما تقدم تفسيراً سببياً للقضية المطروحة. وقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في نشر المعلومات المضللة على نحو سريع جداً، خصوصاً مع وجود الخوارزميات التي تستخدمها هذه المنصات، إذ وبمجرد أن يقرأ الشخص معلومة ما، فإن وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك مثلاً سوف ترسل له المزيد والمزيد من المعلومات المشابهة لهذه المعلومة. والآن، ومع وجود التحيزات المعرفية لدى الناس التي تدفعهم إلى التوافق مع الأشياء والمعلومات التي تؤيد ما يؤمنون به ويصدقونه أساساً، فإن الناس تزداد قبولاً للمعلومات العلمية الزائفة ورفضاً للأدلة العلمية.

اقرأ أيضاً: لماذا توقفنا عن إرسال البشر إلى القمر؟

لماذا يتهجم الناس على العلماء؟

للأسف، لا يتوقف الأمر على رفض الحقائق والمعلومات العلمية، بل قد يلجأ الأشخاص المناهضون للعلم إلى التنمر على العلماء، مثلما حدث مع الدكتور الكويتي محمد قاسم، الحاصل على الدكتوراة في تكنولوجيا الهندسة الإلكترونية، ويعمل حالياً كاستشاري في مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وهو أحد أكبر المهتمين بنشر العلم في العالم العربي.

ومع ذلك، فهو والكثير من أصدقائه يعانون من التنمر لا لسبب إلا لنشرهم المعلومات العلمية، ما دفع أحد أصدقائه، جون مفتاح، وهو باحث مشارك في قسم الفيزياء الفلكية في المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي، وعالم زائر في مركز فلاتيرون للفيزياء الفلكية الحاسوبية (Flatiron CCA)، وعضو في الجمعية الفلكية الأميركية، لأن يتوقف عن النشر باللغة العربية. 

فلماذا يتنمر الناس على العلماء؟

حسناً، عندما يواجه شخص ما أدلة علمية جديدة تتعارض مع معتقداته القديمة، في أفضل الأحوال، قد يقيّم الحقائق والأدلة ويغيّر وجهة نظره وفقاً لذلك، وفي أسوأ الأحوال سوف يرفض الأدلة العلمية، هذا ما يقوله المنطق، فلماذا إذاً يتهجم على العلماء؟

في الواقع، بالنسبة للعديد من الأشخاص، فإن التعرض للأدلة العلمية الجديدة التي تتعارض مع مواقفهم ومعتقداتهم السابقة قد يبدو وكأنه هجوم على هويتهم الشخصية وقد يشعرون بالتهديد منها، فيكون رد فعلهم قوياً جداً أو عدوانياً. هذا بالإضافة إلى الأسباب الأُخرى التي قد تجعل الناس تتنمر سواء على العلماء أو غيرهم، كالشعور بالغيرة أو الحسد أو الوحدة، أو الشعور بعدم الأمان أو عدم القدرة على التحكم في حياتهم، أو معاناتهم من مشكلات في ضبط النفس والتحكم بالغضب أو مشكلات بالصحة العاطفية أو العقلية  وغيرها.

المحتوى محمي