أطول مدة قضاها الإنسان دون نوم هي 11 يوماً و25 دقيقة، حيث سجّل هذا الرقم القياسي العالمي الأميركي "راندي غاردنر" البالغ من العمر 17 عاماً وذلك عام 1963. ومنذ ذلك الحين ادّعى آخرون، بمن في ذلك الفنلندي "تويمي سويني" والإنجليزي "توني رايت"، أنهم تغلبوا على هذا الرقم ولكن لم يُدرس أي منهم عن كثب مثل غاردنر، وفي العلوم الصحية يكون من الصعب التحقق من صحة هذه الادعاءات دون مراقبة دقيقة.
اقرأ أيضاً: لماذا لا نعطس في أثناء النوم؟
الحرمان من النوم 11 يوماً كان كفيلاً بالتسبب بالهلوسة
هذه القصة تطرح تساؤلاً حول المدة التي يمكن للإنسان أن يبقى فيها على قيد الحياة دون نوم، فَلِحُسن الحظ لم يفقد غاردنر حياته، ولكن هل يمكن للانقطاع عن النوم أن يتسبب بالموت عند البشر وخاصةً أن تجارب الحرمان من النوم التي أُجريت على فئران المختبر انتهت بموتها في غضون شهر؟
تأتي أهمية هذه الدراسة من وجود مجموعة من الأفراد الذي يشكون من "الأرق العائلي الوراثي" والذين يواجهون الموت عادةً خلال ثلاثة أشهر من عدم قدرتهم على النوم.
أبدى راندي قدرة جيدة على مقاومة النوم في اليومين الأولين، فقد كان شاباً يتمتع بلياقة بدنية عالية، وخلال أول يومين شعر بأن النوم بدأ يتغلب عليه، وعبّر عن ذلك بأنه إذا أغمض عينيه يُمكنه النوم على الفور.
وبعد يومين، كافحت عيون غاردنر للبقاء للتركيز وأظهرت حركاته الجسدية بعضاً من علامات الترنح وعدم القدرة على الحديث بالطاقة نفسها دون ارتكاب أخطاء لغوية، كما وجد صعوبة في التعرف على الأشياء بناءً على اللمس فقط.
وبحلول اليوم الثالث، أصبح غاردنر متقلب المزاج ومضطرب الحالة النفسية مقارنةً بالحالة الطبيعية، كما أبدى صعوبة واضحة في التركيز وتأثرت ذاكرته قصيرة الأمد بشكلٍ خاص، وبحلول اليوم الخامس بدأ بالهلوسة وأصبح يعاني حالة نفسية وصفها الأطباء بأنها مشابهة لـ "جنون العظمة".
كان مظهر غاردنر في اليوم الحادي عشر خالياً من التعبير، وكان كلامه غير مفهوم أو مُفسّر ودون نغمة، حيث كان لا بُدَّ من تشجيعه على التحدث للحصول على استجابة ورد فعل منه، كما كانت فترة انتباهه قصيرة جداً وتراجعت قدراته العقلية بشكلٍ واضح. ففي اختبار السبعات التسلسلي، الذي يبدأ الشخص فيه بالعد بدءاً من الرقم 100 وبشكلٍ تنازلي من خلال طرح سبعة في كل مرة، تمكن غاردنر من الوصول إلى الرقم 65 فقط؛ أي أنه أتمم 5 عمليات طرح فقط وبعد ذلك توقف، وعندما سُئل عن سبب توقفه، ادّعى أنه لا يستطيع تذكر ما كان من المفترض أن يفعله.
اقرأ أيضاً: كيف يستيقظ الدماغ من النوم؟
ماذا يحدث للجسم البشري عندما يُحرَم تماماً من النوم؟
على الرغم من أن الأمر انتهى بتعافي غاردنر من التجربة دون أي عيوب جسدية وعقلية جوهرية طويلة الأمد، فقد لا يكون الآخرون محظوظين إلى هذا الحد. فبعد الانتهاء من التجربة نام غاردنر ما يزيد على 14 ساعة متواصلة، واستيقظ بعد ذلك مترنحاً، لكن ليس أكثر ترنحاً من أي شخصٍ آخر حسب وصفه، واعترف غاردنر بعد ذلك بأنه بدأ يعاني الأرق الذي استمر عقوداً بعد التجربة.
لا نستخلص من هذه التجربة أن الحرمان من النوم عدة أيام هو السبب وراء الاضطرابات الوخيمة التي حدثت لغاردنر، فالآثار السلبية لن تُحصد فقط عندما نحرم أنفسنا من النوم عدة أيام، ويكون للنقص النسبي في كمية النوم آثار صحية تُهدد الصحة على المدى الطويل.
تبدأ هذه الآثار من زيادة خطر حدوث زيادة غير مرغوبة في الوزن وارتفاع ضغط الدم وحدوث السكتة الدماغية واضطراب الهرمونات، لتنتهي بزيادة حدوث الأمراض الذي يزداد معه خطر حدوث الوفاة المبكرة. وقد لا نستغرب أن تطول نتائج الحرمان من النوم الذاكرة، إلَا أنه قد يكون مفاجئاً كيف له أن يزيد من خطر البدانة أو خطر الإصابة بأمراض القلب وضعف التوازن وارتفاع ضغط الدم على سبيل المقارنة.
من المثير للاهتمام أن الدماغ البشري لم يكن قادراً على البقاء يقظاً طوال الـ 11 يوماً، فعند مراقبة الفعاليات الدماغية لغاردنر تبين أن الدماغ دخل وخرج بصورة متكررة ولفترات قصيرة لا تتجاوز الثواني من النوم دون أن يُلاحظها نفسه، أي حتى مع بقاء عينيه مفتوحتين. فمن خلال التصوير تبين أن أجزاءً من الدماغ تكون نائمة بينما تكون أجزاء أخرى مستيقظة بالتناوب، والذي يشير إلى أن الدماغ كان ينام طوال الوقت، وإنما ليس كما ينام بالعادة.
اقرأ أيضاً: هل تقسيم النوم إلى فترتين هو من طبيعة البشر؟
في الواقع، كانت التأثيرات في غاردنر وخيمة جداً لدرجة أن كتاب غينيس للأرقام القياسية توقف عن إدراج سجلات الحرمان الطوعي من النوم حتى لا يشجّع على المزيد من المحاولات، وهذا يفسّر تمكُّن غاردنر من الاحتفاظ بلقب "صاحب الرقم القياسي".