آثار وجود الحياة على الزهرة قد تبدو مشكوك فيها

3 دقائق
الحياة على كوكب الزهرة

الشهر الماضي، أعلن فريق دولي من علماء الفلك أنهم عثروا على آثار غاز في الغلاف الجوي لكوكب الزهرة، والذي -حسب فهمنا الحالي لهذا الكوكب المقصوف بالإشعاعات- لا ينبغي أن يكون موجوداً. أُجهد الباحثون في محاولة فهم السبب وراء وجود غاز الفوسفين السام في كوكب الزهرة. ووفقاً لاستنتاج الفريق، فوجود مصدر حيّ، أو كيمياء زُهَرية (خاصة بكوكب الزهرة) مجهولة لنا هي من التفسيرات المرجحة لوفرة هذا الغاز في سحب الزهرة.

ولكن حسب آخر الأخبار حول هذا الموضوع، تراجع مجموعة من العلماء ممن لم يشاركوا في الكشف الأول للبيانات الخاصة بهذا الإعلان المذهل، وألقت مكتشفاتهم بعض الشكوك على الإدعاء الأصلي القائل بوجود كميات لا يمكن تفسير سبب وجودها من غاز الفوسفين.

الكشف الأولي للفوسفين كان رصيناً للغاية. إذ كشف مرصدان مستقلان هذا الغاز، وهما تلسكوب جيمس كليرك ماكسويل في هاواي، ومنظومة أتاكاما المليمترية الكبيرة في تشيلي. تقول جاين جريفز، مؤلفة رئيسية للورقة البحثية بعد الإعلان الشهر الماضي: «خلال مسيرتي المهنية كلها، كنت مهتمّة في البحث عن حياة خارج كوكب الأرض».

وجدت جريفز وفريها انخفاضاً مميزاً للسطوع عند طول موجي محدد من الضوء الذي من المفترض أن يمتصه الفوسفين المحمول في سحب الغلف الجوي للزهرة. وعادة ما تخضع الأبحاث رفيعة المستوى التي تتضمن ادعاءات استثنائية مثل هذا لتحقيق علمي أكثر رصانة من الأوراق العلمية العادية. لكن التدقيق بنفسه ليس شيئاً سيئاً. وهو جزء من طريقة العمل العلمية. قالت جريفز أيضاً الشهر الماضي: «نحن نشجع الباحثين بصدق ليحاولوا كشف أخطاءنا المحتملة. ورقتنا وبياناتنا متوافرين. هكذا يعمل العلم».

وهذا تماماً ما يفعله الباحثون الآخرون، وهو يدعو للتشكيك في وجود الفوسفين في الأساس. قام فريق من علماء الفلك بقيادة تيريز إنكريناز من مرصد باريس -الذي تضمن أيضاً جاين جريفز و كلارا سوسا-سيلفا، عالمة كيمياء فلكية و وعضوة في الفريق الأصلي- بإعادة تحليل أرصاد مؤرشفة للبحث عن إشارات لوجود غاز الفوسفين في سحب الزهرة. في ورقة الفريق البحثية، والتي نشرت في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في دورية «أسترونومي آند آستروفيزيكس»، توصل الباحثون إلى نموذج جديد يمكن أن يفسر وجود ربع كمية الفوسفين الذي وجدته جريفز وفريقها على الأكثر.

قالت سوسا-سيلفا لناشيونال جيوغرافيك: «أنا أثق بعمل إنكريناز، ولهذا فيبدو أن لا وجود للفوسفين هناك». وذكرت أيضاً أن الأرصاد الأرشيفية تخصصت في قمم السحب في الزهرة، بينما حللت الورقة الأصلية التي ادعت أن الفوسفين يظهر في الغلاف الجوي العلوي طبقات أخفض من الغلاف الجوي للكوكب، تحت قمم السحب. وأضافت: «لكن ما هو الموقع الذي نتحدث عنه وما هو ارتفاعه؟ وهل هذا يعني أننا نظرنا لعمق كاف لكن لم نجد الفوسفين لأنه غير موجود؟ أم يعني أننا لم نجده لأنه متغيّر؟ أو يعني أننا لم ننظر بعمق كما اعتقدنا؟».

لا تبسّط الأمور حقيقة أن البيانات التي يجب تحليلها مشوبة للغاية بالضجيج بطبيعتها. إذ أن الزهرة ساطع للغاية، وظهر في البيانات الكثير من الضوء من مصادر خارجية، مما ترك تشويشاً على الإشارات. في محاولة للتخلص من هذا الضجيج وإبراز الإشارات الحقيقية، توصلت جريفز مع فريقها لمعادلة رياضية سمحت بإزالة الضجيج غير المرغوب به، وإبراز الإشارات المهمة. وفي ورقة علمية غير مدققة بعد، قامت مجموعة أخرى من الباحثين بقيادة إجناس سنيلن من مرصد لايدن بتحليل البيانات المستخدمة في البحث الأصلي للتحقق فيما إذا كانت إزالة الضجيج باستخدام معادلة رياضية بـ 12 متحول (وهي الطريقة التي استُخدمت في الورقة الأصلية) يؤدي إلى نتائج باطلة. وفقاً لسنيلن، فإن استخدام كثير الحدود هذا عاد على جريفز وفريقها بنتائج خاطئة، وأنه مع فريقه لم يجدوا «أي دلائل إحصائية للفوسفين في الغلاف الجوي للزهرة».

وأيضاً، قامت مجموعة أخرى بقيادة جيرونيمو فيلانويفا -وهو عالم كواكب من وكالة ناسا لم يشترك بالكشف الأول عن الفوسفين- بإعادة تحليل بيانات المراصد، ووجدت أن الإشارة التي فُسرت على أنها فوسفين قد يكون مصدرها ثاني أوكسيد الكبريت، وهو مركب وافر للغاية في غلاف الزهرة الجوي.

على الرغم من أن هذه الأبحاث لا تدحض وجود الفوسفين في الغلاف الجوي للزهرة، إلا أنها تفتح المجال لأسئلة حول استنتاجات الفريق الأصلي. التدقيقات القاسية مستمرة في الوقت الذي وجد فيه موظفو مرصد ألما مشكلة مستقلة في البيانات التي استخدمت في الكشف عن الفوسفين. يقول ديف كليمينتس، وهو عالم فيزياء فلكية في جامعة لندن الامبريالية ومؤلف مشارك للدراسة الأصلية: «هناك بعض المشكلات في التفسير الذي ندققه».

بالطبع، فإن القياسات على الأرض والرصد منها ليسا كافيين. والطريقة الأفضل لتحديد فيما إذا كان الفوسفين موجوداً فعلاً في الزهرة هي الغوص في غلافه الجوي. ويمكن أن يحدث ذلك قريباً إذ أن وكالة ناسا تدرس إطلاق مهمات جديدة لرصد الكوكب الأقرب لنا بشكل مباشر.

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً

المحتوى محمي