كيف يفهم الدماغ الأشياء من حولنا؟ سؤال ورد من «شوبرا إس»، 8 سنوات.
صوت مدوٍ يملأ الهواء ويُسرع جسم صغير عبر السماء. تنظر حشود البشر للأعلى، وتصدر 3 أصوات صارخة: «انظروا! في السماء! إنه طير! إنها طائرة! إنه الرجل الخارق».
الصوت كان نفسه، وكان يصدر من نفس المصدر في السماء، لماذا إذاً وصل 3 أشخاص إلى استنتاجات مختلفة؟
تكمن إجابة هذا السؤال في الطريقة التي تفكّر بها أدمغتنا. نحن نختبر ونفسّر العالم حولنا بناءً على ما نعرفه سلفاً، على الرغم من أن ما نعرفه يكون خاطئاً أحياناً.
مشكلة التفكير
العالم مكان مزدحم ومربك، حيث تضطر أدمعتنا أن تفهمه عن طريق معالجة تيار مستمر لا نهائي من المعلومات. ضمن الظروف المثالية؛ تحلّل أدمغتنا كل شيء بشكلٍ مفصّل لكنها لا تستطيع ذلك، لأن الظروف المثالية ليست واقعية.
التفكير يستغرق الوقت، وقراراتنا يجب أن تكون سريعة أحياناً. على سبيل المثال، يجب عليك أن تعرف وتقرر بسرعة أنك بحاجة لعبور الشارع عندما تكون سيارة ما تقترب منك.
التفكير يستهلك الطاقة أيضاً، أو ما ندعوها بطاقة الدماغ، وأدمغتنا لديها موارد محدودة من الطاقة. تحليل كل شيء سيستهلك كل الطاقة التي التي نمتلكها بسرعة.
هذه القيود تمثّل مشكلة في التفكير: أدمغتنا لا تمتلك ما يكفي من الموارد لفهم العالم دون أخذ طرقاً عقلية مختصرة في التفكير.
أدمغتنا الذكية الكسولة
تجد أدمغتنا طرقاً مختصرة للتغلّب على مشكلة التفكير عن طريق الاعتماد على الأفكار المُخزّنة سلفاً فيها، والتي تدعى «المخططات». هذه المخططات تقوم بعملية المعالجة بالنيابة عن الدماغ.
استخدام المخططات أكثر كفاءة من تحليل كل تفصيل في كل لحظة. هذه المخططات تسمح للدماغ بمعالجة كمية أكبر من المعلومات بمجهود أقل، مما يوفّر طاقة الدماغ لعمليات التفكير وحل المشاكل الأكثر أهمية.
أدمغتنا مثل المكتبة
المخططات هي اللبنات الأساسية للمعرفة التي نجمّعها عن العالم. تعتمد أدمغتنا على أنواع مختلفة من المخططات لفهم أنواع مختلفة من المواقف.
المخططات هي مثل الكتب داخل الدماغ، حيث تخبرك ما هي طبيعة الأشياء المختلفة وما هي وظائفها. مخطط الطيور مثلا قد ينص على أنها: حيوانات صغيرة، تمتلك أجنحة، وقادرة على الطيران. كل الأشياء التي تعرفها تشكّل مجموعة من الكتب تملأ رفوف مكتبة في دماغك.
تثق أدمغتنا بهذه الكتب التي تجعلنا نعرف متى نحاول أن نفهم الأشياء في بيئتنا.و فعل ذلك أسرع وأسهل بكثير من تحليل الأشياء مجدداً، والاستنتاجات تكون نفسها في أغلب الأحيان.
هل أرى الأشياء بشكلٍ مختلف عنك؟
تعتمد دقّة أحكامنا على المخططات المتوفّرة في أدمغتنا.
عندما تحاول الأدمغة فهم أشياء غير مألوفة؛ يجب عليها أن تعتمد على مخطط خاص بشيء مختلف ولكن مشابه، لأن المخطط الصحيح غير متوافر. إذا كان هناك تقابل بين الشيء والمخطط الذي تم اختياره؛ تفترض أدمغتنا دون جهد تقريباً -ولكن بشكلٍ غير دقيق- أن الشيئين متطابقين.
الشخص الذي لم يرَ خفاشاً من قبل يفترض أنه طير لأن الريش على الخفاش، والمخطط الخاص بالطيور الموجود في دماغ الشخص متشابهان: كلاهما حيوانان صغيران لهما أجنحة ويمكنهما الطيران. أدمغتنا تقبل أحياماً بعدم الدقة.
بالنسبة للشخصين الذين ظنّا أن الرجل الخارق كان طيراً أو طائرة، من الواضح أن كلاهما لم يشاهدا الرجل الخارق من قبل، لذا لم يكن لدى أي منهما مخططاً خاصاً بالرجل الخارق ليعتمدا عليه. اختار دماغهما دون جهد المخططات الخاصة بالطيور والطائرات بدلاً من ذلك، لأن هذه المخططات كانت الأشبه بالشيء الذي يطير في السماء.
استند دماغاهما بسرعة على افتراضين مبنيين على معرفة غير مكتملة. «ظن» الدماغ البشري أنه رأى شيئاً ما، ولكن من ناحية التفكير بشكلٍ سريع وذو كفاءة، فهو ارتكب خطأ. ليس هنالك مشكلة باعتقاد أن الرجل الخارق هو طير أو طائرة، على الرغم من أنه ليس كذلك. لا يحتاج الدماغ سوى لقاء الرجل الخارق مرة واحدة لخلق مخطط جديد، وتغيير التفكير للأبد.
اقرأ أيضاً: التعرف على معالجة الدماغ للمشاعر يساعد في معالجة الوحدة
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.