هل الغول والأشباح حقيقة؟ في الواقع، لا يمكن للعلوم الحالية إثبات وجود أرواحٍ تخترق الجدران، أو تصرخ أسفل الألواح الأرضية. ومع ذلك، قإن الأشباح المخيفة التي قد نراها أو نتخيلها قد تبدو حقيقية بالتأكيد. لقد بقي البشر يرون الأشباح منذ زمنٍ طويل، ويمكننا إلى حدٍ ما تفسير السبب. نعرض هنا 7 عوامل عقلية ومادية يمكن أن تكون خلف مشاهداتنا المخيفة، وتساعدنا على فهم رغبتنا الدائمة على إبقاء الغرفة مضاءة طوال الليل أثناء نومنا.
1. تريد أن تؤمن
«أعلم أن الأشباح كانت تجوب الأرض». هكذا قال البطل المعذب «هيثكليف» في رواية «مرتفعات ويذرينج»، لكنه في الواقع ليس حالة استثنائية. إذ أن الكثيرين بيننا، حتى المتوازنين وألئك الذين لديهم رباطة الجأش، لا يستطيعون إنكار فكرة أن هناك بعض المنازل مسكونة بالأرواح التي تعود للانتقام. قد يكون الأمل في رؤية طيف أحدهم (أو الخوف من ذلك، كما في حالة هيثكليف) كافياً بالنسبة لنا لتخيل الأشباح.
في الواقع، يمكن للمفاهيم المخيفة أن تتسلل إلى العقل الباطن لدينا حتى دون أن نشهد أي حوادث خارقةٍ للطبيعة منها في الحياة الواقعية، وذلك بفضل آلاف الروايات المرعبة عما يحصل في مخيمات الكشافة، وأفلام الرعب التي تكلف ملايين الدولارات. وفقاً لشركة أبحاث السوق «يوجوف»، يعتقد حوالي نصف الأميركيين أن الأشباح حقيقية، حيث يتفق حوالي 13% منهم على أن مصاصي الدماء حقيقةٌ لا ريب فيها. هذا التصور المسبق هو ما يهيئ أذهاننا للخوف والاندفاع هرباً عندما نسمع صرير لوح الأرضية أو نشعر بقشعريرة مفاجئة.
يقول «كريس فرينش»؛ رئيس وحدة أبحاث علوم النفس الشاذة في جولد سميث في جامعة لندن: «المؤمنون بهذه الظواهر هم أكثر عرضة للإبلاغ عن الأحاسيس الشاذة، ومن المرجح أيضاً أن يستنتجوا أن هذه الأحاسيس تشير إلى وجودٍ شبحي»، بينما يقول فرينش عن نفسه بأنه يشكك بوجود أية ظواهر خارقة شبحية.
ويضيف في هذا الصدد: «يمتلك البشر هذا الميل نظراً لأن العقل البشري عرضة للتأثر بالإيحاء بشدة. لقد تطورت عقولنا لتلقي إشارات العالم الخارجي للهروب من التهديدات، مثل التنبه إلى حيوانٍ يطاردنا والهرب منه، لذلك قد توحي إلينا بعض الإشارات القوية إلى أشياء غير موجودة». في تسعينيات القرن الماضي، أجرى علماء النفس في جامعة إلينوي في سبرينغفيلد تجربة انطوت على القيام بجولةٍ لمجموعتين مختلفتين من الزوار في مسرح لينكولن سكوير، والذي كان مغلقاً منذ قرن من الزمان، حيث أخبر العلماء أحد المجموعتين فقط بأنهم (أي علماء النفس) كانوا يحققون في الماضي بوجود شبحٍ في المسرح، لذلك كانت هذه المجموعة أكثر عرضةً للإبلاغ عن مشاعر القلق وتخيلهم لأحداث غريبة خلال جولتهم. في الواقع، تُعتبر سمة المحاكاة في عقولنا قوية جداً إلى درجة أنها يمكن أن تخدعنا في الوقت الفعلي؛ ففي دراسةٍ أخرى أجراها فريق فرينش من جولد سميث، كان المشاركون أكثر عرضة للإبلاغ عن رؤية أشياء غريبة إذا أتى شخصٌ ما يقف بجانبهم على ذكر أنه رأى ذلك الحادث الغريب أيضاً.
يمكن لتصوراتنا المُسبقة أن تؤدي بنا أيضاً إلى تخيل أشياء غريبة استجابة لمحفز خارجي، مثل صورة أو صوتٍ ما غير واضحين، ولكنها غالباً ما تكون غير واضحة أو مشوشة. يقول فرينش: «تُسمى هذه الظاهرة بالـ «الباريدوليا»، ويمكنها تفسير سماعنا للعديد من الأصوات التي نتوهمها. على سبيل المثال، إذا طلب منك صائد الأشباح أو عالمٌ نفسي الإصغاء والبحث عن عبارةٍ معينة في صوتٍ ما، فإن عقلك (الذي يحب التعرّف على الأنماط) يبذل أقصى طاقته لتركيب هذه العبارة من أجزاء مختلفة من الأصوات العشوائية».
2. تفضّل عدم المخاطرة
من السهل أن تختفي الظواهر الخارقة المُتخيلة في النهار، لكن كل شيءٍ يتغير حالما تنزل الأدراج نحو قبوٍ مظلم مثلاً، حيث تدفعنا البيئات غير المألوفة بطبيعتها إلى الشعور بشيءٍ من التهديد، وترفع بالتالي مستوى غريزة البقاء لدينا أكثر.
يقول «ميشيل فان إلك»، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة ليدن: «إذا كنت تمشي في الغابة ورأيت حركة، فيمكنك ارتكاب خطأين، يمكنك إما أن تعتقد أنها حركة طبيعية لا تمثل أي تهديدٍ، أو تتخيلها حركة لمفترسٍ محتمل». يعتقد علماء النفس أن البشر قد طوروا تحيزاً معرفياً تجاه الخطأ الثاني لسببٍ وجيه؛ إذ كان على أسلافنا مراقبة محيطهم باستمرار خوفاً من التهديد المحتمل الذي تحمله الفهود والثعابين مثلاً، حيث كان الأفراد الذين يتمتعون بحسّ كونهم «أكثر أماناً» أكثر عرضة للبقاء والتكاثر. لكن، وكما يقول فان إلك، يمكن أن تدفعنا هذه النزعة أو الميل للشعور بوجود شخصٍ آخر حتى عندما نكون لوحدنا. وذلك هو السبب في أن الحركة المفاجئة بين الأشجار يمكن أن تحفّز لدينا استجابة «القتال أو الهروب».
ويظهر هذا الارتياب الموروث جلياً في تجربة جولات الأشباح، حيث يتحفّز عقلنا لمواجهة التهديد المُتصور مُسبقاً. في الواقع، لا يدفعنا التجول في قصرٍ مهجورٍ إلى رؤية الأرواح أو الأشباح مباشرة، ولكنه يحفّز عقولنا على تخيل شبحٍ ما في أحد زواياه، وعدم اليقين هذا بحد ذاته يزيد من عامل الخوف. حتى التصاميم منازلنا أو موائلنا الغريبة، يمكنها أن تثير لدينا هذا الخوف البدائي؛ فقد وجد عالم الجغرافيا البريطاني «جاي أبليتون» عام 1975 أنه عندما يتعلّق الأمر بموائل البشر، فإنهم يميلون إلى النظر إلى الأماكن بوصفها آمنه عندما تحمل سمتين أساسيتين. الأولى هي المشهد الذي توفره (أي تقدم لنا رؤيةً واضحةً للعالم الخارجي)، والثانية الحماية (أي توفر فرصة الاختباء من الخطر). وفي هذا السياق، لا يمنحنا المنزل القديم قليل الإضاءة أياً من هاتين السمتين، مما يعيق قدرتنا على رؤية ما حولنا، ويوفّر الكثير من الظلال التي يمكن أن تتربّص فيها الكيانات الخبيثة المُتخيلة.
3. تحتاج إلى رفقة
لا شيء يوقف الأشباح في أفلام الرعب، مثل «ذا جرادج» أو فيلم «ذا أمتيفيل هورور»، عن مطاردة ضحاياها من البشر، لكن الأشباح غير مرعبةٍ بالنسبة للفطرة البشرية. في الواقع، لقد أشارت العديد من الأبحاث إلى أن الدماغ قد يلجأ لاستحضار الأرواح كوسيلةٍ للتعامل مع الصدمات، وخصوصاً للتكيف مع ألم فقدان الأحبة. وكما يذكر معظم مبتوري الأطراف بأن لديهم ذلك الشعور بأن طرفهم المفقود ما يزال موجوداً، فإن من يفقدون شركائهم كثيراً ما يبلغون عن رؤية أو استشعار وجود شريكهم الراحل بالقرب منهم. لقد وجدت دراسة استقصائية في هذا الصدد ونُشرت في المجلة الطبية البريطانية عام 1971، أن حوالي نصف الأرامل في ويلز وإنجلترا قد رأوا شركاؤهم بعد وفاتهم. في الواقع كانت هذه اللقاءات الحية، والتي يسميها علماء النفس «التواصل بعد الموت»، كانت لفترة طويلة من بين أكثر الأنواع التجارب الشبحية الخارقة شيوعاً، والتي أثرت على الناس كافة بغض النظر عن معتقداتهم.
ويعتقد الخبراء أن مثل هذه الأشباح تساعدنا في التعامل مع الأحداث المؤلمة أو المربكة. في عام 2011، نظر تحليل نُشر في دورية «ديث ستاديس» في مئات الحوادث التي أُبلغ فيها عن تفاعلاتٍ مفترضة مع المتوفى. وقد خلص التحليل إلى أن بعض الأحداث كان يوفر «راحة فورية من أعراض الحزن المؤلمة»، في حين عزّزت حوادث أخرى القناعات الدينية القائمة من قبل.
لا شك أن الموت ليس السبب الوحيد الذي يجعلنا نرى أشباح من نحب. حيث تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يتعرضون للإساءة أو يتعرضون لمواقف خطيرة هم أكثر عرضةً لتخيلات الظواهر الخارقة، وهو اتجاه وجده علماء النفس أيضًا لدى البالغين الذين لديهم تاريخ من الصدمات في مرحلة الطفولة.
وهناك أيضاً دليل على أن لهذه الخيالات فوائد عقلية أخرى. ففي استطلاعٍ أجري عام 1995 ونُشرت نتائجه في دورية «الجمعية الأميركية للبحوث النفسية»، فقد أبلغ 91% من المشاركين أن لقائهم بمن يحبون بعد مماتهم كان له جانبٌ إيجابي واحد على الأقل، كالإحساس بالاتصال والقرب مع الآخرين.
4. دماغك ليس على ما يُرام
يمكن أن تنجم رؤية الأشباح عن مشاكل في المادة الرمادية الدماغية. فبالنسبة للبعض، يمكن أن تكون تجربة سماع أصواتٍ أو رؤية أشياء غريبة مؤشراً مبكراً على مشاكل عقلية مثل الفصام. حتى أن بعض الأدلة تقترح أن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل عقلية مزمنة يميلون إلى اختبار ظواهر شبحية خارقة أكثر حدة وسلبية من المعتاد.
ويمكن أن تؤدي التغييرات المؤقتة في نشاط الدماغ، حتى لدى الأشخاص الأصحاء من الناحية العقلية، إلى رؤيتنا للأشباح والمشاهدات الخارقة أيضاً. حيث غالباً ما يُبلغ من يتعاطون عقاقير الهلوسة، أو الفطر السحري عن تخيلاتٍ روحانية. علاوة على ذلك، يعتبر الأطباء النفسيون أن العديد من الرؤى تنجم عن حالةٍ تُسمى شلل النوم أو «الجاثوم»، وهي حالة غير مفهومة، حيث يستيقظ فيها المصاب ويجد نفسه غير قادرٍ على الحركة. لا يزال يتعين على العلماء دراسة هذه الظاهرة لتحديد أسبابها بدقةٍ أكبر، لكن البعض يعتقد أنها تحدث عندما يمر الدماغ في حالةٍ بين الإدراك الواعي ومرحلة نوم حركة العين السريعة المليئة بالأحلام. غالباً ما تترافق هذه الحالة بإحساسٍ بالطفو أو الانفصال عن الجسد، ويتخيل النائمون في كثير من هذه الحالات شيطاناً أو كائناً غريباً أثناء حدوثها.
اقرأ أيضاً: تعرف إلى جاثوم النوم وكيف يمكن الوقاية منه؟
وفقاً لاستطلاع أجري في عام 2018 ونشرت نتائجه في المجلة الدولية للبحوث الطبية التطبيقية والأساسية، أفاد ما لا يقل عن 8% من عامة السكان وحوالي 30% من الأشخاص المصابين بأمراض نفسية بأنهم أصيبوا بإحدى هذه النوبات الليلية في مرحلة ما من حياتهم. حتى أن العديد من الثقافات لها اسم محدد لهذا الحدث الشبحي أو ما يُسمى بالجاثوم. ففي كمبوديا، على سبيل المثال، يسمى الحدث الغريب «الشبح الذي يدفعك للأسفل»، بينما يُسمى في نيجيريا «الشيطان الذي على ظهرك».
5. التعرّض لبعض الظواهر الفيزيائية
يختبر الناس أحياناً رؤية أشياء غريبة لمجرّد أن شيئاً ما في بيئتهم يُحدث ضوضاء غريبة تربك أجسامهم. على سبيل المثال، في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، كان المهندس البريطاني «فيك تاندي» يعمل في معمل الأبحاث التابع لشركة توريد طبية عندما انتابه شعور غريب. شعر فجأة بنوبةٍ من البرد والارتباك مع إحساسٍ غريب بقرب هلاكه، فتجول في الغرفة محاولاً تهدئة نفسه، وفجأة شعر بوجود جسد أثيري. بعد لحظات، تأكد من أنه رأى شبحاً رمادياً يحوم حوله، وعندما استدار لرؤيته، اختفى كلياً.
تلقى تاندي من زملائه تحذيراتٍ من أن المنشأة التي يعمل فيها قد تكون مسكونة، لكن المهندس كان متشككاً بطبيعته، لذلك استطلع المكان برمته بحثاً عن تفسير لما جرى. اتضح أن السبب يعود لمروحةٍ تصدر صوتاً يبلغ تردده 18.9 هيرتز. بالرغم من أننا لا نشعر بتردد مقل أعيننا، إلا أنها تهتز بالفعل بترددٍ قريب جداً من تردد صوت المروحة. وفي حالة تاندي، دفع تردد صوت المروحة بعين تاندي لرؤيةٍ متكررة أدت لرؤيته ذلك الشبح الغامض الذي تخيله. ربما أثار صوت المروحة أيضاً لديه ذعراً مؤقتاً، حيث تشير الدراسات إلى أن بعض الضوضاء يمكن أن تتسبب في اهتزاز أعضاء المرء، مما يجعله يتنفس بشدة.
تُعرف هذه الأشكال الموجية التي تنتشر حول هذا النطاق الصوتي وأقل منه بـ «الموجات تحت الصوتية». وهي موجات لا يمكن للأذن البشرية سماعها، ويقل ترددها عن 20 هيرتز، إلا أن حركتها الاهتزازية يمكن أن تولّد بعض الآثار الجانبية غير المرغوبة بعض الشيء. في الواقع، بعد أن نشر تاندي النتائج التي توصل إليها عام 1998 في دورية جمعية البحث النفسي، أصبح تردد 18.9 هيرتز يُعرف بأنه «تردد الخوف».
لا يحمل معظمنا مقاييس الصوت عادةً، لذلك من الصعب معرفة عدد حالات الذعر التي يمكن أن نرجع سببها إلى صوت مروحة أو محرك ثلاجة صاخب. بالنسبة إلى تاندي، أثارت الحادثة التي جعلته يرتعد خوفاً لديه الكثير من الفضول حول الأشباح. يقول لأحد المراسلين بعد سنواتٍ على الحادثة: «فيما يتعلق بالظواهر الخارقة، ما زال أمامنا الكثير لكي نعرفه».
6. أنت في الزمان والمكان الخطأ
يمكن لبعض الظواهر الغريبة المرتبطة بالمكان ان تتلاعب بسهولة بحواسنا وتجعلنا نرى أشياء غير موجودة. على سبيل المثال، اعتقد سكان بلدة أنسون في تكساس لفترةٍ طويلة أنه إذا قدت سيارتك إلى مفترق الطرق بالقرب من المقبرة المحلية وأضأت المصابيح الأمامية، سيرتد عليك وميض غامض، حيث تقول الأسطورة أن الضوء الذي ينعكس إليك يأتي من فانوس أمّ تبحث عن ولدها الذي فقدته. في عام 2011، قدم مجموعة من المشككين مستخدمين أجهزة الآيفون وتطبيق خرائط جوجل تفسيراً أقل إثارة لما يحدث، حيث قالوا أن الضوء المنعكس ما هو إلا أضواء السيارات التي تدور منعطفةً على طريق سريعٍ قريب من المنطقة.
ومن السمات المكانية التي تثير الاضطراب والقلق لدى بعض الناس، هي فكرة أن العفن والملوثات الأخرى -التي نصادفها في المباني القديمة- يمكن أن تؤثر على عقولنا. على مدى السنوات القليلة الماضية، كان طلاب الهندسة البيئية في جامعة كلاركسون في بوتسدام في نيويورك، يبحثون عن هياكل يفترض أنها مسكونة في مبنى إمباير ستيت بحثاً عن دليل على وجود ميكروباتٍ غير تقليدية.
وبالرغم من أنه من المبكر استباق النتائج، إلا أن الأماكن التي زاروها في المبنى احتوت على نسبة أبواغٍ فطرية أعلى من المتوسط المعتاد في الأماكن المأهولة. في الواقع، غالباً ما يستشهد المؤمنون برائحة الطعام المتعفن (التي تتجمع عليها الفطريات والأعفان) كمؤشر قوي على الزيارات التي تقوم بها الأشباح المتصورة للمكان. وهناك بعض الأدلة على أن آثار نمو الكائنات المجهرية يمكن أن تؤدي إلى القلق أو الاكتئاب، أو حتى الذهان. وفي السياق نفسه، يعتقد بعض المؤرخين أن خبز الجاودار الملوث بفطر الشقران (وهو نفس الميكروب الذي تُشتق منه مخدرات الـ LSD) كان وراء الحوادث المرضية الغريبة التي أصابت بعض السكان، ولكنها أفضت في النهاية إلى اتهام السحرة بالوقوف خلف الأمر ومحاكمتهم فيما يُعرف بـ «سلسلة محاكمات السحرة في قرية سالم» في ماساتشوستس في أواخر القرن السابع عشر. بالإضافة إلى ذلك، قام خبير شهير في الفطريات في مستشفى جيز بلندن بوضع نظرية مفادها؛ أن قراءة الكتب القديمة البالية يمكن أن تثير الأفكار الغريبة لدى القارئ، وربما ألهمت أفضل الأعمال الأدبية.
وبنفس الطريقة التي يمكن بها للعلماء تحديد العوامل الطبيعية لتفسير ظاهرة «سحر الشيطان»، فإن الظواهر الجيولوجية المعروفة قد يكون لها أثر في الظواهر الشبحية. على سبيل المثال، يقول بعض المنظرين البارزين؛ أنه يزداد الإبلاغ عن الظواهر الشبحية في الأيام التي يشهد فيها نشاط الأرض الجيومغناطيسي اضطراباً مفاجئاً. بعض الافتراضات تقول أن الاضطرابات في مجال الأرض المغناطيسي، والتي عادةً ما تنجم عن أحداثٍ شاذة في الفضاء الخارجي مثل العواصف الشمسية، قد تؤثّر بوظائف الدماغ، مما يؤدي لتشوّش تصوراتنا بطريقةٍ غيبة. ولكن، حتى الآن، الأدلة التي تدعم هذه الفرضية ضعيفةٌ جداً.
7. العقل يخادع نفسه
حدد أطباء الأعصاب في السنوات الأخيرة الأسس المحتملة للشعور بأن شخصاً أو شيء ما يطاردنا. تشير الأبحاث إلى أن النوبات التي تحدث في الفص الصدغي -الجزء من الدماغ المسؤول عن الذاكرة البصرية واللغة المنطوقة-؛ قد تؤدي إلى مشاهدة الأشباح. حيث يمكن للاضطرابات الكهربائية في هذه المنطقة تحفيز الشعور لدينا بأننا نتصل بعوالم أخرى. وقد أظهرت الإحصائيات أن المرضى الذين يعانون -أو كان لديهم سجل طبي- من هذه المشاكل؛ هم أكثر عرضة للإبلاغ عن المشاهدات الشبحية الخارقة. وعلاوة على ذلك، تميل تجربة مشاهدة الخوارق للحدوث بين الساعة الثانية والرابعة صباحاً، وهو الوقت الذي تحدث فيه هذه النوبات غالباً وفقاً لما أشارت إليه بعض الدراسات.
وقد اكتشف الباحثون في حقل المادة الدماغية الرمادية أيضاً نشاطاً مشابهاً في البيئة المختبرية المضبوطة. في عام 2016، قال الأطباء في مستشفى في القدس، أن مريضاً ظهرت لديه تجربة دينية عفوية أثناء علاجه من الصرع بتحفيز منطقة الفص الصدغي من الدماغ. ووجدت ورقة بحثية أخرى نُشرت عام 2008 في المجلة الدولية لليوغا أن الأشخاص الذين لديهم قوى توارد خواطر مفترضة، أظهروا نشاطًا غير عادي في جزء من الفص الصدغي يُسمى «التلفيف المجاور للحصين» -أحد المناطق التي تتعامل مع الذاكرة- عندما كانوا يحاولون اكمال مهمة تخاطرية.
يمكن أيضاً أن تقع أقسام أخرى من دماغنا ضحية للارتباك الوهمي. ففي دراسةٍ أجريت عام 2014، قام علماء الأعصاب سويسريون بعصب أعين مجموعة من المشاركين، ثم ربطوا أيديهم بآلة تتبع حركة الأصابع، بحيث عندما يقوم الأشخاص بتحريك أذرعهم، يلامس ملحق آلي خلفهم ظهورهم في نفس الوقت وبنفس الطريقة، لكن عندما قام الباحثون بتأخير استجابة المحاكي الآلي لحركات الأصابع بضعة أجزاء من الثانية فقط، أفاد العديد من المشاركين بأنهم شعروا بوجود شخصٍ خلفهم يدغدغهم، حيث تسبب تشويه الحركة للإدراك الزماني والمكاني في إحداث شعور «شبحي» شعروا به.
يعتقد الباحثون أن هذا النمط من الحركات يشوش على كيفية معالجة الدماغ لتكرار الإشارات الواردة إلى القشرة الأمامية الجدارية، والتي تتحكّم أساساً في الإشارات الحسية والحركية الواردة. أجرى الباحثون لاحقاً تحليلاً لأدمغة أشخاص أبلغوا سابقاً عن استشعارهم لحالاتٍ خارقة مشابهة، وقد تبين أنهم يعانون من مشاكل في تلك المنطقة المحددة من المادة الرمادية، مما يؤثر على وظيفتها الطبيعية.
إن ظاهرة «الشعور بوجود شيءٍ ما»، أو الفكرة المقلقة بأن شخصاً آخر يحوم أو يتجول بالقرب منك أو يلمسك، لها آثار أكبر على مجال الظواهر الشبحية الذي تصعب دراسته في الواقع. فإذا كان مجرّد تأخيرٍ بسيط في الحركة كافياً لاستحضار الأرواح، فربما تكون أدمغتنا مهيأة على مستوى ما أعلى لا نعلمه بعد لتخيل أن الأشباح موجودة بيننا. قد نكبر، لكن هذه المشاعر لا تزول أبداً.