على الرغم من التقدم في الأساليب العلاجية والرعاية الداعمة لداء السرطان، لا يزال هذا الداء يمثّل عبئاً كبيراً على صحة الإنسان والمنظومات الصحية. ووفقاً للوكالة الدولية لأبحاث السرطان، فقد بلغ عدد حالات السرطان الجديدة ووفيات السرطان 18.1 و9.6 مليون حالة على الترتيب في عام 2018، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم بين 21.7-13 مليون حالة بحلول عام 2030، الأمر الذي يُسلّط الضوء على الحاجة إلى تحديد المتغيرات الجديدة؛ وذلك لكبح تقدم هذه العجلة السريع.
وفي محاولة لإيجاد ذلك، لا مكان أفضل لبداية البحث من الحيوانات التي تعاني من معدلات منخفضة جداً من الإصابة بالسرطان أو التي لا تُصاب به على الإطلاق للاستشهاد فيها، على أمل أن توجّهنا إلى الطريق نحو علاجات أفضل لدى البشر، ولهذا السبب نُسلّط الضوء على التماسيح وخواصها المضادة للسرطان والالتهاب.
اقرأ أيضاً: لماذا لا يُصاب القلب بالسرطان؟
بماذا تتميز التماسيح؟
يمكن أن نقول إن البيئة المحيطة بالتماسيح هي بيئة مثالية لتطوير الأنواع المختلفة من السرطانات، من تحمل الفقاريات مثل التماسيح مستويات عالية من الإشعاع، إلى العيش في بيئات غير صحية والتغذية على اللحوم الفاسدة أو غيرها من النُظم الغذائية الموبوءة بالجراثيم، إضافة إلى التعرُّض بشكلٍ روتيني للمعادن الثقيلة، ومع كل هذا بقيت التماسيح واحدةً من بين الأنواع القليلة التي تحملت كارثة انقراض العصر الطباشيري، ونادراً ما يتم الإبلاغ عن إصابتها بالسرطان.
من غير الواضح، ومن الأمور صعبة الاستيعاب، كيف يمكن لأنواع مثل التماسيح البقاء على قيد الحياة لمدة تصل إلى 100 عام دون الإصابة بالسرطان، خاصةً في ظل تعرُّضها لعوامل بيئية قد تُنهي الإنسان بالمعنى الحرفي. لذلك تم الافتراض مؤخراً أن هذه الفقاريات قد أنشأت آليات للدفاع عن نفسها ضد الإصابة بالسرطان، وإليك تفسير ذلك.
لمَ لا يُصاب بعض الحيوانات بالسرطان؟
السبب الرئيسي للإصابة بالسرطان هو حدوث طفرة في مجموعة من الخلايا، وعند إسقاط ذلك على نسب الإصابة بالسرطان بين الفيلة والبشر، من المحير أن الفيلة نادراً ما تُصاب بالسرطان مع أن لديها 100 ضعف عدد الخلايا الموجودة لدى البشر، حيث يُصاب فيل واحد بين كل 20 فيلاً بالسرطان، في الوقت الذي يُصاب فيه شخصٌ واحد من كل 5 أشخاص من البشر بالسرطان.
والسبب في ذلك يعود إلى وجود وفرة في جين يُدعى بـ "TP53"، والذي يُعرف بقدرته على إصلاح الحمض النووي التالف؛ وبالتالي وقف انتشار السرطان. وهذا الجين أكثر شيوعاً عند الفيلة بنحو 20 ضعفاً مقارنة بالبشر.
أمّا بالنسبة للتماسيح، فهناك سببان منطقيان يفسّران ندرة إصابتها بالسرطان، أولهما أن هذه الفقاريات طوّرت جهازاً مناعياً قوياً وفعّالاً ضد السرطان نظراً للبيئة الملوثة التي تطوّرت فيها على مدار العقود الماضية، وثانيهما أن بكتيريا أمعاء التماسيح تنتج واحداً من أكثر الجزيئات المضادة للأورام تثبيطاً للإصابة بالسرطان.
ومن المعروف أن ميكروبيوم الأمعاء يؤدي دوراً مهماً في تنظيم سلوك وصحة مضيفه، حيث يوفّر الحماية ضد مجموعة من الاضطرابات مثل أمراض الأمعاء الالتهابية وأمراض التمثيل الغذائي، كداء السكري النمط الثاني والبدانة والإكزيما التأتبية والأمراض التحسسية والاضطرابات العصبية، مثل اضطرابات طيف التوحد والفصام والإصابة بالسرطان علاوةً على كل ما سبق.
كيف يمكن الاستفادة من هذه الخاصية في التوصل لعلاج مستقبلي للسرطان؟
النقطة المحورية التي توجب أن نوجّه الاهتمام إليها هي البنية الجينية للتماسيح، هذه الفقاريات التي طوّرت طرقاً جديدة لمكافحة الإنتانات الجرثومية والفيروسية، وعلى رأسها فيروس نقص المناعة البشرية والسرطان والنزيف حتى مقارنة بالبشر. دم التماسيح يتخثر بسرعة، الأمر الذي يقلل خطر حدوث النزوف لديها ويعتبر بالغ الأهمية كونها تعيش في بيئة خطرة؛ لهذا طوّرت أجسامها هذه الخصائص التكيّفية.
ولا يمكن تفسير ذلك سوى بالعلوم الجينية، خاصةً أن التماسيح تمتلك كروموسومات ذات شكل وتنظيم مشابه للكروموسومات البشرية، إلّا أن الفرق الوحيد هو أنه عندما نعالج خلايا التمساح بالكروم، فإننا لا نرى التغييرات العميقة التي نراها عند معالجة الخلايا البشرية به. لهذا السبب من المهم تسليط الضوء على محاولة فهم الطريقة التي اكتسبت التماسيح فيها القدرة على إصلاح الحمض النووي وإصلاح تلف الحمض النووي بشكلٍ أفضل من الخلايا البشرية، وتعتبر قدرة تكيّف جينات البشر مع ذلك نقطة جوهرية في مستقبل الوقاية من السرطان.
اقرأ أيضاً: كيف نجت التماسيح من الكويكب الذي قضى على الديناصورات؟
لا شك في أن التماسيح كائنات مدهشة، ذات أجهزة مناعية هي الأقوى بين كل الكائنات الحية. وإذا كانت قطرة من دمائها تكفي للقضاء على فيروس نقص المناعة البشرية أو قتل أي بكتيريا معروفة إلى حدٍ كبير عند ملامستها، سيكون من المثير للاهتمام إجراء دراسات وبائية للسرطان في المستقبل في المجتمعات التي يشكّل فيها لحم التمساح أو دمه جزءاً من النظام الغذائي، فهل سيكون ذلك قادراً على تغيير معالم العلوم الإنتانية والورمية؟