ترتبط الثعابين بالشر والأذى في أغلب الثقافات، ويعتبرها بعض الناس نذير شؤم. في نفس الوقت، إنها تدخل في رمز مهنة مهمة جداً وهي الطب، حيث لا تكاد عيادة أو مستشفى يخلوان من طبيب يرتدي معطفاً يحمل رمز عصا ملفوفاً حولها ثعبان أو عصا أخرى ملفوفاً حولها ثعبانين وفي الأعلى جناح. وينتشر هذا الرمز أيضاً على عبوات الأدوية ولافتات الصيدليات. فما الذي يأتي برمز الشر إلى مهنة سامية مثل الطب؟ حسناً، هناك بعض الروايات القديمة وراء هذا الأمر.
قصة الثعبان على العصا في الأساطير اليونانية
تأتي الأساطير اليونانية بتفسيرات مختلفة غذاها خيالهم آنذاك لرمز الثعابين الملفوفة حول العصا، منها:
أسطورة هيرميز
تحكي إحدى الأساطير اليونانية القديمة عن إله يُدعى "هيرميز"، والذي كان بمثابة رسول بين الآلهة والبشر واشتُهر أيضاً بأنه إله للتجارة، فقد كان يعمل راعياً للمسافرين أثناء السفر والتنقل، وهذا يتناسب مع مهنة الطب التي اعتاد أصحابها في الماضي على التنقل من مكان لآخر، قاطعين مسافات طويلة من أجل زيارة مرضاهم ورعايتهم. ويُقال إنه كان يمتلك حذاءً مجنحاً وخوذة لمساعدته على السفر والتنقل.
وفي يوم من الأيام أعطاه "أبوللو"، إله الشفاء، عصا. بعد ذلك بفترة وأثناء إحدى مغامراته، رأى هيرميز ثعبانين يتقاتلان، فألقى عصاه حتى يفض النزاع، فالتفا حول العصا ولبثا ثابتين هناك. وهناك جناح أعلى العصا يمثل هيرميز الذي كان بمثابة الرسول بين الآلهة والبشر مثل الملائكة. وهناك رواية أخرى تقول إنّ هيرميز قد حصل على العصا من ملك الآلهة "زيوس" وليس أبوللو.
أسطورة طاقم أسكليبيوس
هناك صورة أخرى للشعار الطبي، وهي عصا أو قضيب يلتف حوله ثعبان واحد. وهذه أسطورة يونانية أخرى تروي أنه كان يوجد إله للطب يُدعى "أسكليبيوس"، وهو نصف إله، لأنه ابن إله الشفاء عند الإغريق "أبوللو" وأمه أميرة بشرية تُسمى "كورونيس".
ارتبط أسكليبيوس بالثعابين، وتُشير رواية إلى أن الثعبان كان يعطيه معرفة بأمور الشفاء، بينما تروي قصة أخرى أنّ الثعابين كانت تعطيه أعشاباً لها قوى إعادة الموتى إلى الحياة. لذلك، كان يظهر أسكليبيوس دائماً بعصا يلتف حولها ثعبان.
كان أسكليبيوس محبوباً ويحظى بشعبية كبيرة، فقد كان قادراً على شفاء الناس وإعادة الموتى للحياة، ويفعل ذلك بغرض الخير للبشر، لكنه لم يدرِ أنه يُحدِث خللاً في قوانين الحياة والموت التي وضعها ملك الآلهة "زيوس"، ما تسبب في غضب الأخير فراح يعاقب أسكليبيوس وقتله بصاعقة رعدية، ما أثار غضب والده "أبوللو"، ولكنه لم يستطع معارضة أمر زيوس الذي وضعه بين النجوم في كوكبة الحواء أو حامل الثعبان "أوفيوكس" (Ophiuchus). بقي أسكليبيوس محبوباً عند البشر وأقاموا له المعابد وقدسوه. وعلى الرغم من أنّ الثعابين اشتهرت بالسموم القاتلة، إلا أنهم كانوا يقدسونها.
رموز خفية في الثعابين
تتميز الثعابين بقدرتها على إعادة تجديد جلدها بعد انسلاخه عنها، ويرمز هذا إلى الولادة الجديدة، أي الشفاء وبدء حياة جديدة صحية دون مرض. إضافة إلى ذلك، كثيراً ما كانت الثعابين علاجاً لعدد من الأمراض منها: الحكة والحصبة والجذام والحمرة، ما جعلها رمزاً للشفاء وكائنات ملهمةً للبشر في التجديد والميلاد من جديد بعد التعافي من الأمراض.
أخيراً، لم يكن الإغريق الشعب الوحيد الذي ربط بين الثعابين والألوهية، فقد انتشرت عادات احترام الثعابين وتربيتها في كثير من الحضارات الأخرى. أما عن الرمز الطبي، فإنه يُستخدم بصورة متنوعة، فهناك بعض المستشفيات والمنظمات تستخدم رمز هيرميز (ثعبانين حول عصا)، بينما تُفضل بعض المنظمات الأخرى رمز أسكليبيوس (ثعبان يلتف حول عصا). وتستخدم منظمة الصحة العالمية (WHO) رمز أسكليبيوس.