الكواكب «الهيدرومحيطية» يمكن أن تأوي الحياة الخارجية التي نبحث عنها

6 دقائق
الحياة الخارجية الكواكب الخارجية الحياة في الفضاء

مع استمرار علماء الفلك في البحث عن الحياة في الفضاء، واكتشاف العشرات من الكواكب الخارجية، فإن نظامنا الشمسي -بكواكبه الصخرية الصغيرة في الداخل وكواكبه الغازية العملاقة في الخارج- يبدو أكثر وأكثر غرابةً.

عندما ينظر علماء الفلك عن قرب إلى النجوم في الأنظمة الشمسية البعيدة، فنادراً ما يرصدون كواكباً تشبه الزهرة أو الأرض. بدلاً من ذلك؛ يبدو أن حجوم الكواكب الداخلية تتراوح بين حجوم الأقزام الصخرية والعمالقة الغازية. أطلق الباحثون على هذه العوالم المنتشرة في كل مكان اسم «النبتونات المصغّرة» (نسبة لكوكب نبتون)، وافترضوا أنها نسخ مصغرة من عمالقة الجليد الموجودة في نظامنا الشمسي.

اقرأ أيضاً:

نتيجةً لعدم وجود مثل هذه الكواكب بالقرب منا لندرسها، فقد ظلت طبيعة النبتونات المصغّرة غامضةً؛ لكن غلافها الجوي السميك يطبّق ضغطاً شديداً يدفع العديد من الباحثين إلى الشك في أن هذه العوالم ليست أكثر من مجرد كرات قاحلة من الهيدروجين والهيليوم.

الآن يقترح فريق من الباحثين في الكواكب الخارجية أن بعض النبتونات المصغّرة على الأقل قد لا تشبه نبتون على الإطلاق. بعد إجراء الكثير من عمليات النمذجة، وجد الباحثون أن الضغوط الجوية في بعض هذه الكواكب يمكن أن تسمح للمحيطات الحارّة (ولكن التي ليست حارة جداً) بالبقاء لمليارات السنين. مع وضع هذا الاحتمال في عين الاعتبار؛ خلصت المجموعة إلى أن هذا النوع الوفير من الكواكب الداخلية يمكن أن يسمح بتشكّل الميكروبات، وأن أي أشكال من الحياة يمكن أن توجد في هذه العوالم ستغيّر الغلاف الجوي بطرق سيتمكن علماء الفلك قريباً من رصدها بسهولة.

يقول «نيكو مادوسودان»؛ عالم الفلك في جامعة كامبريدج والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة: «[هذه النتيجة] تزيد بشكل كبير من فرصنا في العثور على الحياة في الفضاء خارج الأرض».

اكتشاف نبتون مصغّر

نبتون كما يراه التلسكوب العملاق

يمكن لعلماء الفلك استنتاج كتلة وحجم كوكب خارجي بناءً على الطرق التي يؤثر بها على نجمه المضيف؛ ما يمنحهم تقديراً تقريبياً عما إذا كان الكوكب يتكون أساساً من الصخور أو الغاز؛ لكن عندما يتعلق الأمر بكشف التفاصيل الدقيقة لما يكمن بين النواة الصلبة للكوكب وغلافه الجوي، فالباحثون يعلمون القليل فقط.

مع ذلك؛ في عام 2019، استخدم فريق بحثي تلسكوب هابل الفضائي لإلقاء نظرة على الغلاف الجوي لإحدى النبتونات المصغرة؛ والذي يدعى «K2-18b». وجد الفريق أدلة تبين وجود بخار الماء والسحب؛ ما دفع مادوسودان وبعض زملائه لمحاولة استنتاج الطبيعة الداخلية التي يمكن أن تسود هذه الكواكب، وذلك بالأخذ بعين الاعتبار المعلومات الجديدة حول الظروف الجوية.

في العام الماضي، أعلن فريق مانوسودان أن بعض الكواكب الشبيهة بـ «K2-18b» يمكن أن تحتوي على محيطات تغطي الكوكب قد تناسب بعض أشكال الحياة الموجودة على الأرض - وذلك على الرغم من درجة حرارة الكوكب وضغطه الجوي وحجمه. يقول مادوسودان: «لأول مرة؛ أثبتنا أن الكواكب يمكن أن تكون أكبر بكثير من الأرض ولا تزال تتمتع بظروف صالحة للعيش».

عالم جديد كلياً

الرغبة الأعمق لدى العديد من الباحثين هي العثور على توأم مثالي للأرض. كوكب له نفس الكتلة، ونفس الحجم، ونفس البعد عن نجمه (قريب بما يكفي ليظل الماء فيه سائلاً، ولكن ليس قريباً جداً لدرجة تجعل الماء يتبخّر)؛ لكن بعد إدراك أن K2-18b (والذي تبلغ كتلته 8 أضعاف كتلة الأرض ويبلغ حجمه 17 ضعف حجمها) يمكن أن يحتوي على كميات هائلة من الماء، تساءل مادوسودان عما إذا كان يجب أن يفكر الباحثون في هذا المجال بطريقة أكثر شموليةً. قد يكون الكوكب النظير للأرض مثالياً لنوع الكائنات الحية المعقدة التي تخترع في النهاية التلسكوبات والإنترنت؛ لكنها ظروفه ملائمة أكثر بكثير من حاجة أنواع البكتيريا البسيطة التي تزدهر في الينابيع الساخنة وفتحات أعماق البحار. يقول مانوسودان: «دعنا لا نحاول افتراض وجود [ظروف] مناسبة للبشر حصراً».

اقرأ أيضاً: هل توجد كائنات فضائية؟ لا تتسرع في الإجابة

التخلي عن الافتراضات التقليدية سمح للباحثين باعتبار مجموعة من النبتونات المصغرّة على أنها كواكب صالحة للحياة، ووجدوا أن الغلاف الجوي الكثيف والثقيل والغنيّ بالهيدروجين يمكن أن يلعب دور غطاء مثل غطاء قدر (طنجرة) الضغط؛ ما يسمح للمحيطات الكبيرة بالبقاء حتى ضمن ظروف درجة الحرارة الشديدة التي تسود الكواكب الموجودة بجوار نجمها المضيف. أطلق الباحثون على هذه الفئة الجديدة من الكواكب اسم العوالم «الهيدرومحيطية»؛ وهو مصطلح ينتج عن مزج مصطلحيّ «الهيدروجين» و«المحيط».

يصف الباحثون في دراستهم الكواكب الهيدرومحيطية النموذجية بالإضافة إلى نوعين مختلفين من الكواكب، وكل هذه العوالم يمكن اعتبارها قابلة للعيش ووجود الحياة في الفضاء وفق تعريف الباحثين (والذي يعبر عن الكواكب التي تسودها درجات حرارة أقل من حوالي 121 درجة مئوية وضغوط جوية أقل من 1000 ضعف الضغط الجوي للأرض).

العوالم الهيدرومحيطية

يتألف العالم الهيدرومحيطي النموذجي من المحيطات فقط دون قارات، كما يسوده الضباب الدائم والأبخرة المتصاعدة من بحاره. الكواكب «الهيدرومحيطية المظلمة» هي تلك التي تسببت فيها قوى المد والجزر بتعديل دوران الكوكب بطريقة تجعل إحدى جوانبه يواجه النجم بشكل دائم - تماماً كما يواجه جانب واحد من القمر الأرض دائماً، ويبقى الجزء الذي يسوده النهار حاراً بينما يظل الجانب الذي يسوده الليل بارداً نسبياً. أخيراً؛ يمكن للأغلفة الجوية الهيدروجينية الموجودة في العوالم «الهيدرومحيطية الباردة» أن تحصر ما يكفي من الحرارة لتسمح للكواكب بالحفاظ على محيطاتها من التجمد حتى على مسافات بعيدة من دفء نجمها المضيف.

تُوسّع الأنواع الثلاثة من العوالم الهيدرومحيطية مجال الكواكب التي يمكن اعتبارها صالحة للعيش؛ ما يمثّل استمراراً لحركة حديثة في علم الكواكب الخارجية تترافق مع بحث العلماء عن تعاريف أكثر تعقيداً لمفهوم قابلية العيش.

يقول «بيورن بينيكي»؛ عالم الفلك في جامعة مونتريال (لم يشارك في البحث الجديد): «تسيطر علينا تلك الفكرة التي تنص على إيجاد الأرض 2.0 بالضبط»، ويضيف: «ولكن قد تكون هناك طرق أخرى للعثور على أشكال أخرى من الحياة غير الديناصورات التي تزحف على سطح الكوكب».

اقرأ أيضاً: رصد أقرب كوكب خارج المجموعة الشمسية يمكن أن يدعم ظروف الحياة

من مرشّحين إلى مؤكّدين

على عكس العديد من المقترحات في مجال علم الأحياء الفلكي الذي لا يمكن تجنّب التكهّن فيه؛ يمكن اختبار فرضية الكواكب الهيدرومحيطية بشكلٍ مباشر وقريباً.

النبتونات المصغّرة تملأ المجرة، وعلى الرغم من أن العديد منها لن تسودها ظروف الحياة في الفضاء مثل الضغوط الجوية ودرجات الحرارة المناسبة لتشكيل محيطات عميقة والحفاظ عليها؛ إلا أن أعدادها الهائلة تضمن أن بعضها ستسوده هذه الظروف.

يقول بينيكي؛ والذي ساعد في اكتشاف بخار الماء في الغلاف الجوي لكوكب K2-18b: «حتى لو كان 5% من النبتونات المصغّرة يحقق متطلّبات الكواكب الهيدرومحيطية، فهذا سيعني وجود عدد هائل من هذه الكواكب».

الكواكب التي من المحتمل أن تكون هيدرومحيطيةً شائعةٌ لدرجة أن علماء الفلك يمكنهم حتى أن يكونوا انتقائيين؛ وذلك عن طريق التركيز على الكواكب التي يسهل رصدها. في ورقتهم البحثية التي نُشرت في 25 أغسطس/ آب الماضي في دورية «ذا أستروفيزيكال جورنال»، حدد مادوسودان وزملاؤه 11 هدفاً رئيسياً.

تمتلك العوالم الهيدرومحيطية أيضاً أغلفةً جويةً مثاليةً بالنسبة لعلماء الفلك. يكتشف الباحثون ما هو موجود في الغلاف الجوي من خلال رصد الكوكب أثناء مروره أمام نجمه المضيف، ورصد أطوال موجات الضوء التي يحجبها الغلاف الجوي، وتلك التي يسمح بمرورها.

يتكون الغلاف الجوي الشبيه بالغلاف الجوي الأرضي من جزيئات ثقيلة مثل الأوكسجين والنيتروجين؛ والتي تتشبّث بالكوكب، مما يجعل الغلاف الجوي رقيقاً للغاية وصعب الرصد؛ لكن الكوكب الهيدرومحيطي يكون محاطاً بجزيئات من الهيدروجين والهيليوم الخفيفة، لذلك يكون غلافه الجوي منتفخاً أكثر بعشرات المرات من الغلاف الجوي لكوكب مثل الأرض. وفقاً لحسابات فريق مادوسودان، ففي مثل هذه الأجواء الصافية، من المفترض أن يتمكّن علماء الفلك من استخدام تلسكوب «جيمس ويب الفضائي» للكشف بسهولة عن حفنة من المواد الكيميائية التي تنتجها بشكل حصري تقريباً كائنات حية مثل تلك الموجودة على الأرض.

في انتظار الاكتشاف

يمكن أن تُنجز الأرصاد الأولى التي تبحث عن علامات الحياة في الفضاء هذه في الغلاف الجوي لكوكب K2-18b العام المقبل، وذلك إذا أُنجز إطلاق تلسكوب جيمس ويب الفضائي دون أية مشاكل هذا الخريف. يقدّر مادوسودان أن التلسكوب الفضائي الجديد سيكون قادراً على إيجاد إحدى «البصمات الحيوية» المقترحة (إذا كانت موجودة) خلال 20 ساعة فقط من الرصد. مادوسودان هو واحد من الفلكيين الذين حصلوا سلفاً على الموافقة لاستخدام التلسكوب لإجراء هذا النوع من الأرصاد خلال الدورة الأولى من عملياته.

لن يُثبت إجراء رصد واحد للبصمات الحيوية أن كوكب K2-18b غنيّ بالبكتيريا الفضائية؛ لكنه سيُلهم علماء الفلك الآخرين للبحث عن المزيد من البصمات الحيوية التي يمكن أن تُعزز محاججة مادوسودان وفريقه.

يقول مادوسودان: «إذا حدث ذلك، فإنه سيفتح الباب على مصراعيه للمزيد من الأرصاد»، ويضيف: «ربما سنتمكن من رصد بصمة حيوية في إطار زمني يمتد من سنتين إلى 3 سنوات».

يخطط بينيكي لإجراء أرصاد خاصة به بهدف البحث عن أشكال الحياة في الفضاء، وذلك بناءً على فرضيتين مختلفتين. ينوي بينيكي البحث عن البصمات الحيوية الأولية في الغلاف الجوي لإحدى الكواكب الصخرية الشبيهة بالأرض نسبياً في النظام الشمسي «ترابيست-1»، وسيدرس أيضاً نبتوناً مصغراً يدور حول نجم خافت؛ والذي يمكن أن يتضّح أنه عالم هيدرومحيطي.

يقول بينيكي: «هناك الكثير من الأسباب التي تجعلني متحمساً بشأن كلا [المسارين]»، ويضيف: «إنه لمن المثير للغاية أن نعيش في هذا الزمن».

اقرأ أيضاً: بحثاً عن علامات الحياة: كواكب خارجية رصدت الأرض

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً

المحتوى محمي