أضواء تتراقص في السماء ليلاً: كيف تحدث ظاهرة الشفق القطبي؟

4 دقائق
الشفق القطبي, الأضواء الشمالية, أورورا
shutterstock.com/ Dominic Kurz Photography

إذا ذهبت لمكان مرتفع بما يكفي في أقصى شمال أو جنوب الكرة الأرضية في ليلة صافية؛ قد تستمتع بأكثر الظواهر الطبيعية الفاتنة التي تسمّى الشفق القطبي. علِم العلماء منذ زمن أن العواصف الشمسية هي السبب وراء ظهور ستائر الضوء الراقصة هذه؛ ولكن حتى الآن، فلم يكونوا متأكدين من الآلية بدقّة؛ والتي تتعلّق بالجسيمات التي اسمها الإلكترونات.

لم يأتِ هذا الاكتشاف بسهولة؛ إذ أن الأدلة الجديدة -والتي نُشرت في دورية «نيتشر»- هي نتاج أكثر من 20 سنة من البحث.

يظهر الشفق القطبي عندما تضرب العواصف الشمسية (وهي إشعاعات وجسيمات مشحونة من الشمس) الحقل المغناطيسي الأرضي في الطبقات العليا من الغلاف الجوي؛ لكن ما الذي يحدث عندها؟

موجات ألفْفن

وضع العلماء نظرية «موجات ألفْفن». تخيّل حقلاً مغناطيسياً كشبكة من الخطوط، إذا قمت بمط وسحب هذه الخطوط، فهذه الموجات هي الموجات التي تظهر عندما تحاول هذه الخطوط أن ترتد بعد تأثيرك عليها، إنها المقابل المغناطيسي للأمواج التي تظهر على وتر مهتز.

عندما تصل العواصف الشمسية سطح الأرض، فهي تثني خطوط الحقل المغناطيسي الأرضي. يعتقد العلماء أن موجات ألففن الناتجة تتسبب بتسارع الإلكترونات. تصطدم هذه الإلكترونات بعد ذلك بذرات الأوكسجين والنيتروجين في الغلاف الجوي، وعندها تُصدر الذرات المستثارة الطاقة التي اكتسبتها من الإلكترونات على شكل الشفق القطبي المذهل الذي نراه.

تنبّأ علماء مثل «كريغ كليتزينغ»؛ فيزيائي من جامعة آيوا، بهذا التفسير في تسعينيات القرن الماضي؛ لكن ما عجز عنه العلماء هو اختبار الفرضية. من الصعب إنجاز ذلك عن طريق مراقبة الغلاف الجوي عن بعد، لذا قرر العلماء أن يحاولوا توليد الظاهرة مختبرياً بأنفسهم.

لا يمكننا أن ننسخ الفضاء الخارجي بشكلٍ دقيق في المختبر؛ لكن يقول «ديفيد شافنر»؛ فيزيائي بلازما تجريبي من جامعة «برين مار» بالقرب من فيلادلفيا (لم يشارك في الدراسة الجديدة): «لكن يمكننا أن نُقارب ظروفاً أو آليات محددة».

في هذه الحالة؛ مقاربة هذه الظروف تعني خلق أمواج ألففن. يقول «جيمس شرودر»؛ فيزيائي في جامعة «ويتن» في ضواحي شيكاغو، والمؤلف الرئيسي للورقة الجديدة: «طريقة توليد هذه الأمواج تتضمن توليد اضطرابات في البلازما الممغنطة»، وهي مزيج من الحقل المغناطيسي والشوارد والجسيمات المشحونة مثل الإلكترونات.

لحسن الحظ؛ يستطيع الباحثون استخدام شيء على الأرض؛ وهو جهاز البلازما الكبير في جامعة كاليفورنيا في مختبر «ذا بيسك بلازما ساينس فاسيليتي» في لوس أنجلوس.

هذا الجهاز هو أنبوب عريض وطويل مملوء بلفائف الحقل المغناطيسي. يستطيع العلماء توليد بلازما ممغنطة بسهولة عن طريق ملء هذا الأنبوب بالغاز وإطلاق شعاع من الإلكترونات فيه. في الواقع؛ يستطيع العلماء فعل ذلك مرةً كل ثانية.

يقول «تروي كارتر»؛ مدير المختبر السابق: «لدينا الكثير من الخبرة في توليد موجات ألففن في هذا الجهاز»؛ لكن على الرغم من أن هذا الجهاز قد استُخدم لمختلف أنواع الأبحاث (من البحث في السوبرنوفا (المستعرات العظمى) إلى تفاعلات الاندماج النووي)؛ إلا أن البحث في تفسير الشفق القطبي في هذا السياق كان الأول من نوعه عندما ذهب كليتزينغ وزملاؤه إلى لوس أنجلوس لأول مرة عام 1999.

يقول «غريغوري هاوز»؛ فيزيائي نظري مختص في البلازما في جامعة آيوا: «في البداية؛ اعتقدت أن الأمر سيستغرق حوالي 3 سنوات…». استغرقت التجربة أكثر من عقدين من الزمن، وتطلّبت مساهمة 6 طلاب جامعيين.

توليد موجات ألفْفن

كانت التحدّيات التقنية مضنية. أولاً؛ لا يمكن استخدام أي نوع من موجات ألففن، لذلك اضطر الباحثون لصنع هوائي يمكن أن يولّد موجات ألففن لها شدة كافية لتتسبب بتسريع الإلكترونات.

بعد ذلك؛ اضطر الباحثون لإيجاد طريقة لرصد الإلكترونات المحددة. يقول هاوز: «يتفاعل حوالي إلكترون واحد من كل 1000 إلكترون موجود في هذه البلازما مع الأمواج»، ويضيف: «الإلكترونات التي تتسارع تتحرّك بسرعةٍ أكبر كثير من الإلكترونات العادية، لذا فقياسها هو أمر صعب للغاية».

قام الباحثون بذلك عن طريق توليد المزيد من الأمواج في الحقل المغناطيسي؛ لكن هذه الأمواج -التي تدعى «موجات ويسلر»- حساسة للغاية لوجود الإلكترونات. يستطيع العلماء استخدام هذه الموجات لتعقّب الإلكترونات سريعة الحركة، وهي آلية يستخدمها الباحثون في مجال الإندماج النووي عادةً؛ لكن بعد سنوات من التعديل عليها، فقد استطاع العلماء استخدامها في تجربة توليد موجات ألففن.

لتحليل بياناتهم؛ لجأ هاوز وأحد الطلاب لتقنية تُستخدم في حسابات الطيران، وهي تسخّر مزج قياسات كهربائية ومغناطيسية مع قياس الإلكترونات لتوليد «بصمة» محددة. انطلاقاً من هذا؛ استطاع الباحثون معرفة ما إذا كانت الإلكترونات تتحرك وفق موجات ألففن أم لا.

يقول هاوز: «هذه هي المرة الأولى التي نستخدم فيها هذه التقنية في المختبر؛ إذ مثّلت القطعة الأخيرة من الأحجية والتي بيّنت لنا أننا قمنا فعلاً بالقياسات التي كنا نهدف لها».

بإنجاز كل هذا؛ استطاع العلماء أخيراً اختبار نظرية الشفق القطبي خاصتهم، وتوليد موجات ألففن الموجهة نحو الإلكترونات مراراً وتكراراً.

يقول شرودر: «قمنا بالتجربة 65,000 مرة»، ويضيف: «هذا يبدو مثيراً للإعجاب بحق؛ لكن الجهاز مصمم للقيام بالتجربة لهذا العدد الكبير من المرّات. لذا، فالتجربة تكررت مرة كل ثانية»، ويعادل هذا 65,000 ثانية؛ أي ما مقداره حوالي 18 ساعة.

بالنظر إلى النتائج؛ وجد العلماء أن الإلكترونات السريعة هي التي تسرّعت بالفعل بسبب الموجات. يقول هاوز: «يجب أن تُسرّع الإلكترونات حتى تصل إلى سرعةٍ الموجة تقريباً، ثم ستستطيع الموجة أن تحمل الإلكترونات وتزوّدها بالطاقة».

تصرّفت الإلكترونات في هذه التجربة تماماً كما تنبّأ كليتزينغ وزملاؤه. وصلت طاقة هذه الإلكترونات المسرّعة بموجات ألففن إلى مستويات عالية بما يكفي تجعلها قادرةً على توليد الشفق القطبي لو كانت موجودة في أقطاب الأرض. يقول شافنر: «ما فعله الباحثون هو ذلك النوع من الأبحاث التي نطمح كلنا لإنجازها؛ وذلك من ناحية تكامل كل العناصر التجريبية المختلفة مع بعضها».

إنه إنجاز كبير؛ ولكن البحث في الشفق القطبي لم ينتهِ، فلا يزال هناك العديد من الأسئلة. نظر فريق جامعة آيوا فقط على الشفق القطبي الإفرادي؛ وهو النوع الذي نراه في الصور عادةً. يقول شرودر: «لا يجاوب هذا البحث عن أسئلة متعلقة بأنواع مختلفة من الشفق القطبي؛ مثل طرق تشكّلها».

لكشف المزيد من الأسرار عن الإشعاعات الصادرة من الشمس، يترقّب علماء البلازما مسبار «باركر سولار بروب»؛ والذي سيصل إلى مداره حول الشمس في 2024. يقول شافنر: «الظروف التي تتحقق بالقرب من الشمس تمثّل فرصاً مهمة لمحاولة تحديد التجارب المختبرية التي يمكن أن تكشف لنا المزيد عن هذه الظاهرة».

اقرأ أيضاً: غموض كبير يحيط بالشفق القطبي الغريب والنابض للمشتري

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً

المحتوى محمي