كيف تعكس المعادن والصخور ألوان قوس قزح وتلمع في الظلام؟

5 دقائق
المعادن والصخور
shutterstock.com/ PhoenixNeon

المعادن هي اللبنات غير الحية للعالم الطبيعي؛ إنها تشكّل الصخور وتقوّي عظامنا وأسناننا، وتمكّن دمنا من نقل الأكسجين؛ لكن حتى عندما لا تُشكّل المعادن سلاسل الجبال المهيبة أو تحافظ على وظائف الجسم، فإنها تبقى جميلة للغاية.

هناك الآلاف من المعادن المعروفة (5703 نوع على وجه الدقة) والعديد منها لم يتم اكتشافها بعد. تأتي المعادن بأشكال أكثر مما تتخيل، يقول «جورج روسمان»؛ عالم المعادن الذي يبحث في التحليل الطيفي للمعادن في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا: «للمعادن مختلف الأشكال المتنوعة».

إلى جانب العروض المذهلة التي نراها في ضوء النهار؛ تتوهّج العديد من المعادن بألوان مخفية عند تعرّضها للأشعة فوق البنفسجية، والجزء الأكثر روعةً هو أن ألوانها اللامعة وبريقها المدهش ينتجان بفضل بعض التعديلات البنيوية والعيوب الصغيرة أيضاً.

ما هي المعادن؟

يوضح روسمان أن المعادن «تعتبر موادَ صلبةً غير عضوية تتشكّل بشكلٍ طبيعي»؛ لكنه يقول أنه حتى هذا التعريف يمكن أن يكون «غامضاً» أحياناً، ويضيف: «إذا تحللت شجرة وتركت وراءها بعض المواد البلورية، فهل هذه المواد من المعادن أم أنها مواد بيولوجية؟».

مع ذلك؛ يتّفق معظم علماء المعادن على أن المواد التي يدرسونها عبارة عن مركبات صلبة تتكون من عمليات طبيعية، وتتميز بتركيب كيميائي واحد وبنية بلورية. تتكون الصخور من العديد من المعادن المختلفة معاً، والأحجار الكريمة هي قطع مثالية بشكلٍ خاص من الناحية الهيكلية من البلورات المعدنية.

على الرغم من أن المعادن تُصنّف بناءً على تركيبها وشكلها «النقي» المثالي؛ يقول روسمان أنه «علينا أن ندرك أن الطبيعة فيها 80 عنصراً مختلفاً تتلاعب بها»، ويضيف: «هناك أجزاء صغيرة من كل أنواع المكونات الثانوية. نادراً ما تتشكّل مواد نقيّة كيميائياً في الطبيعة». تكوين المعادن هو تفاعل كيميائي، والبنية الذرية للمعادن والشوائب التي ينتهي المطاف بها فيها يتوقّفان على البيئة والظروف التي تتبلور فيها هذه المعادن.

علاوةً على ذلك، فإن تصنيف المعادن لا يعتمد فقط على تركيبها الكيميائي؛ ولكن أيضاً على الترتيب الذري الداخلي لها. يقول روسمان: «الكيانيت والأندَلُسيت والسليمانيت هي 3 معادن نجدها في الصخور المتحولة التي لها نفس الصيغة الكيميائية تماماً؛ ولكن لها بنىً مختلفة». يشير روسمان أيضاً إلى إحدى أكثر المعادن شيوعاً على الأرض كمثال؛ وهو الزبرجد الزيتوني الذي يوجد في أعماق منخفضة نسبياً في طبقة الوشاح الأرضية، يضيف روسمان: «لكن عند الوصول إلى أعماق أكبر تقابل ضغوطاً أعلى وأعلى، يتحول هذا المعدن إلى ترتيبات بنيوية أخرى تُطلق عليها أسماء أخرى».

ما هو السبب وراء التنوّع الكبير لألوان المعادن؟

الطريقة التي تمتص بها المادة وتعكس الأطوال الموجية المختلفة تحدد لونها. على سبيل المثال؛ أوراق الشجر خضراء لأن الكلوروفيل يمتص الضوء الأحمر والأزرق؛ مما يتسبب بعكس الأطوال الموجية الخضراء والصفراء إلى عينك.

يمكن أن تساعدنا معرفة كيفية تصنيف المعادن في فهم سبب ظهور العديد من الألوان المختلفة لها. تلعب كل من الشوائب الكيميائية والبنية الذريّة دوراً في اللون بسبب تغييرها لطيف امتصاص الضوء الخاص بالمعادن.

المعادن والصخور
تمثل مجموعة المعادن في المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي تقريباً أي لون يمكن تخيله. من اليسار إلى اليمين في كل صف: الكوبريت، الفانادينيت، الولفنيت 1، الولفنيت 2، السميثسونيت 1، البيرومورفيت، السميثسونيت 2، الملاكيت، الكريزوكولا، الملاكيت مع الأزوريت، الأزوريت مع الملاكيت، السميثسونيت 3. الصور: دي. فينن.

وفقاً لـ «جورج هارلو»؛ عالم المعادن وأمين المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي في نيويورك، يحصل الياقوت مثلاً على لونه الأحمر اللامع عن طريق استبدال القليل من الكروم بالألمنيوم في صيغته الكيميائية؛ لكن إذا أخذت نفس الصيغة وأضفت التيتانيوم أو الحديد بدلاً من الكروم، فستحصل على الياقوت؛ كلتا المادتين عبارة عن نسخ غير نقية من معدن السامور الشفاف.

يوضح روسمان أن الكروم الذي يجعل الياقوت أحمرَ يمكن أن يؤدي أيضاً إلى تكوين الزمرّد الأخضر اللامع؛ ويعود ذلك إلى الاختلافات في التركيب الجزيئي. في الياقوت، تتموضع ذرات الكروم بالقرب من ذرات الأوكسجين، بينما في الزمرد، يتباعد الأكسجين والكروم عن بعضهما البعض؛ مما يغير طريقة امتصاص الجزيئات للضوء.

لماذا تلمع بعض الصخور؟

إذا كان اللون ناتجاً عن الطريقة التي تتفاعل بها المعادن مع الضوء، فالبريق هو امتداد لهذه الحقيقة.

الضوء هو شكل من أشكال الطاقة. بالنسبة للألوان غير البرّاقة، فإن ما نراه ينتج من أن المعادن تعكس بشكلٍ انتقائي الأطوال الموجية للضوء من المصادر الخارجية إلى أعيننا؛ لكن بالنسبة للألوان البرّاقة، فما يحدث هو أن المعدن يأخذ الطاقة من مصدر الضوء ثم ينتج أطوالاً موجيةً ضوئيةً جديدةً خاصة به.

بعض المعادن متوهجة لدرجة أنه يمكنك رؤية بريقها في ضوء الشمس. يحتاج البعض الآخر إلى أشعة فوق بنفسجية عالية الطاقة لتوليد أطوال موجية يمكن للعين البشرية رؤيتها، لهذا السبب عندما تنظر إلى لون أقلام التظليل الفسفورية، أو إلى القمصان البيضاء على ضوء إنارة سوداء، فإنها تبدو متوهجة. غالباً ما تعتمد كل من أقلام التظليل والملابس البيضاء على الصبغات التي تتفاعل مع الأشعة فوق البنفسجية لتبدو أكثر بريقاً في ضوء النهار، لذا فهي تتألق قليلاً في الشمس؛ ولكن يكون بريقها أكثر وضوحاً تحت الأشعة الموجّهة عالية الطاقة من الضوء الأسود.

المعادن والصخور
صوّر مقرّبة لقطة بلاط من منجم «ستيرلنغ هِل» في ظروف إضاءة مختلفة. على اليسار، الغرانيت تحت ضوءٍ كامل الطيف. على اليمين، الضوء يتألف من موجات طولها أقل من طول الأشعة فوق البنفسجية قصيرة الموجة. تتسبب الأشعة فوق البنفسجية عالية الطاقة بتألق المعادن في الصخور. الصور: دي. فينن

وفقاً لـ «غلين وايتشوناس»؛ عالم المعادن الذي يدرس البريق والتحليل الطيفي في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، يتوهج حوالي 600 نوع من المعدن في الظلام، يضيف وايتشوناس أن هذه الأنواع شائعة في أماكن معينة؛ مثل فرانكلين، نيو جيرسي؛ حيث يقع منجم «ستيرلنغ هِل» الشهير.

كما هو الحال مع اللون، فغالباً ما ينتج البريق في المعادن عن وجود شوائب تسمى المُحفّزات. تتفاعل هذه الشوائب مع ضوء الأشعة فوق البنفسجية لإنتاج ألوان برّاقة، وتعمل جنباً إلى جنب مع المعادن التي توجد فيها. قد يُظهر بعضها ألواناً مختلفة نتيجةً لوجود نفس المحفّزات، وقد لا يتوهج البعض الآخر على الإطلاق. بالإضافة إلى ذلك؛ هناك شوائب تسمى «المخمّدات»؛ والتي يمكنها تعطيل عمل المحفّزات حتى لو كانت جميع الشروط الأخرى مناسبة. إذا كانت نسبة إحدى أنواع المحفّزات كبيرة، فيمكن أن يتسبب «بإخماد» نفسه ومنع البريق، إنه تفاعل معقد بين الذرات المختلفة.

البنية مهمة أيضاً لفهم البريق. يمكن أن تترك العيوب في المعادن؛ والتي تشبه الأخطاء المطبعية في التركيب البنيوي، مساحةً إضافيةً صغيرةً في شبكة الذرّات؛ مما يوفر فجوةً للإلكترونات المثارة يمكنها التنقّل فيها. تمتص هذه الإلكترونات الطاقة وتصدرها على شكل أطوال موجية ملونة من ضوء برّاق، حتى في حالة عدم وجود مركبات محفّزة.

في هذا الفيديو - من «دي. فينين»- يمكنك أن تلاحظ بلاطة من منجم ستيرلنغ هل يتغير لونها بمجرد قلب مفتاح الضوء.

 

أين يمكنني أن أرى الصخور المتوهّجة والملونة بألوان قوس قزح؟

هذا الصيف، استفد من الطقس المعتدل واستكشف التكوينات الجيولوجية حول منزلك. قد ترى بعض الصخور البراقة أثناء تجوّلك، ولتزيد من احتمال رؤية هذه الصخور، يوصي وايتشوناس بالبحث عن المعادن في الليل باستخدام مصباح يدوي يُصدر الأشعة فوق البنفسجية. يقول وايتشوناس: «اذهب إلى مقلع حجارة قديم، أو اذهب إلى مكانٍ يحتوي على نتوءات صخرية فقط. سوف يتفاجأ الناس بما قد يجدون». حتى في المناطق التي تكون فيها الصخور البرّاقة أقل شيوعاً؛ يمكن أن تمثّل مواد سد الفراغات بين الأبنية في مواقع البناء من المقال من «بوبيولار ساينس» من هناء أو الحصى مصادرَ ثمينةً للصخور المتوهجة. يقول وايتشوناس: «رؤية هذه الظاهرة في الأماكن المختلفة هي وجهة نظر مثيرة للاهتمام عن الطبيعة».

إذا قمت بالبحث بمفردك، فيمكنك على الأرجح العثور على أمثلة رائعة من الصخور البراقة في متحف التاريخ الطبيعي المحلي. في مدينة نيويورك، يحتوي المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي على معرض جديد للمعادن والأحجار الكريمة؛ حيث يمكنك رؤية جميع المعادن الموضحة أعلاه مباشرةً.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من «بوبيولار ساينس» من هنا، علماً أن المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي