في عام 1875، أجرى عالم الآثار الهاوي «كارل جورج كونت سيفرز» مسحاً للبحث عن حفريات بالقرب من ضفاف نهر «سالاكا»، في ما يعرف الآن بلاتفيا. اكتشف سيفرز قبرين؛ أحدهما لفتاة تبلغ من العمر بين 12 و18 عاماً (أُطلق عليها اسم «أر في 1852»)، والآخر لرجل يتراوح عمره بين 20 و 30 عاماً (أُطلق عليه اسم «آر في 2039»). بعد 150 عاماً تقريباً، تُظهر التحليلات التي أُجريت على آر في 2039 أن عمره لا يتجاوز الـ 5000 عام فقط؛ بل أنه أيضاً كان مصاباً بسلالة قديمة من «الطاعون الدبلي» (الموت الأسود)؛ وهي أقدم إصابة معروفة حتى الآن بهذا المرض.
لم يذهب العلماء إلى هذا المواقع مع توقع العثور على بقايا الطاعون، وعندما قاموا بتحليل بقايا آر في 2039 وراثياً، فوجئوا بالعثور على جينوم بكتيريا «اليرسينيا الطاعونية»؛ وهي البكتيريا المُعدية التي تتسبب بمرض الطاعون الدبلي. السلالة المكتشَفة هي الأقدم التي تم اكتشافها حتى الآن، وهي انفصلت عن نوع البكتيريا السلف خاصتها منذ أكثر من 7000 عام.
يبدو هذا النوع أيضاً مختلفاً عن أنواع اليرسينيا الطاعونية التي رُصدت في الجائحات الحديثة. كشف التحليل الوراثي للبكتيريا في «آر في 2039» أيضاً أن الميكروب الدبلي المسبب للطاعون يفتقر إلى عنصر وراثي مهم؛ هو المورثة التي تسمح للبراغيث بنشر الطاعون، وهي أيضاً المورثة التي تسمح للبكتيريا بإصابة البشر بفعالية.
المورثة المفقودة مسؤولة أيضاً عن ظهور الدبلات المليئة بالقيح (أو الغدد الليمفاوية المنتفخة، عادةً في الإبط أو المغبن) التي ترافقت بالإصابة بالطاعون في العصور الوسطى. لحسن الحظ بالنسبة لـ «آر في 2039»؛ من المحتمل أن إصابته لم تكن مؤلمةً للغاية، وأنه لم يعاني من مصير ضحايا العصور الوسطى. استنتج العلماء من البقايا أن إصابته ربما كانت خفيفة؛ لكنها دامت لفترة أطول. رغم ذلك؛ مات آر في 2039 على الأرجح نتيجة العدوى، ونُشرت النتائج الجديدة في دورية «سيل ريبورتس».
الحيوانات ودورها في انتشار الموت الأسود
بدلاً من إصابته بالمرض عن طريق البراغيث؛ من المحتمل أن يكون آر في 2039 قد أُصيب بالطاعون مباشرةً من حيوان أكبر حجماً. أفاد مؤلفو الدراسة أنه كان صياداً وجامعاً، وربما يكون قد أُصيب بالبكتيريا من خلال عضة حيوان قارض مصاب؛ على الرغم من أنه من الممكن أن يكون قد قتل أحد القوارض من أجل الطعام أو الزينة الشخصية والتقط العدوى بهذه الطريقة.
لحسن حظ رفاقه، وبسبب طبيعة المرض في تلك الفترة؛ لم تكن البكتيريا قادرةً على الانتقال بسهولة من شخصٍ لآخر؛ لم يكن أي شخص آخر مدفون في المنطقة مصاباً ببكتيريا اليرسينيا الطاعونية.
قال «بن كراوس كيورا»؛ المؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة ورئيس مختبر عيّنات الحمض النووي البيولوجية التابع لجامعة كيل في ألمانيا في تصريح: «الأمر المثير للدهشة هو أن هذه السلالة المبكّرة تحتوي على المجموعة الوراثية الكاملة لبكتيريا اليرسينيا الطاعونية تقريباً، ولا يوجد سوى عدد قليل من المورثات المفقودة»، وأضاف: «لكن حتى الاختلاف الطفيف في المورثات يمكن أن يكون له تأثير كبير على خباثة البكتيريا».
تشير النظريات السابقة حول انتشار الطاعون (الموت الأسود) في الحضارات البشرية المبكرة إلى أن بكتيريا اليرسينيا الطاعونية قد تطورت في الغالب في مدن حول البحر الأسود؛ حيث كان الناس يعيشون في جماعات قريبة من بعضها؛ لكن آر في 2039 عاش قبل 5000 عام، قبل أن يخلق البشر حياة المدينة بوقت طويل. هذه النتائج؛ والتي تُبيّن أن الطاعون في ذلك الوقت كان خفيفاً نسبياً وغير معدٍ، تتعارض أيضاً مع النظريات الأخرى التي تشير إلى أن الطاعون كان مسؤولاً عن الوفيات الجماعية في نهاية العصر الحجري الحديث منذ حوالي 6000 عام.
مع ذلك، فإن مثل هذا البحث يجعل العلماء أقرب إلى فهم كيفية ظهور الطاعون، وكيف أثر هذا المرض على مورثاتنا. يقول كراوس كيورا: «لطالما تطورت العوامل الممرضة المختلفة جنباً إلى جنب مع الجينوم البشري»، وأضاف: «نحن نعلم أن بكتيريا اليرسينيا قتلت على الأرجح نصف سكان أوروبا في إطار زمني قصير، لذا يجب أن يكون لها تأثير كبير على الجينوم البشري».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً