على الأرجح أنك تعرف الحالات الأساسية للمادة: الصلبة، السائلة، والغازية؛ وهي الحالات السائدة في الحياة اليومية على الأرض.
لكن هذه الحالات الثلاث المختلفة للمادة -والتي تبدو فيها المادة وتتصرف بشكلٍ مختلف- ليست الوحيدة. على سبيل المثال لا الحصر؛ اكتشف العلماء -أو ابتكروا- العشرات من حالات المادة الأكثر غرابةً؛ والتي غالباً ما تحمل أسماءَ غريبةً وخياليةً؛ ومنها السوائل الفائقة، تكثّفات بوز-آينشتاين، والمادة متحلّلة النيوترونات.
في السنوات القليلة الماضية، كان الفيزيائيون حول العالم يحاولون ابتكار وتخليق حالة أخرى من المادة: «بلّورات الزمن». إذا كان هذا الاسم يبدو كأنه مجرّد هراء تقني، فإنه ليس كذلك بعد اليوم؛ إذ أنه وباستخدام الحوسبة الكمومية، ابتكر عدد من الباحثين بلورة زمنية يعتقدون أنها تثبت إمكانية وجود هذه الحالة من المادة في عالم الفيزياء.
لم ينشر الباحثون بحثهم رسمياً بعد؛ ولكنهم نشروا ورقةً علميةً أوّليةً في موقع «آركايف» الشهر الماضي لم تخضع لمراجعة الأقران بعد.
إذاً؛ ما هي بلورات الزمن تحديداً؟
قد يبدو أن هذه البلورات هي العنصر الرئيسي الذي يسمح لآلة الزمن أن تعمل، أو قد تبدو وكأنها نوع ما من مصادر الطاقة المستقبلية، أو ربما قطعاً أثرية لحضارة غريبة مفقودة؛ لكن بالنسبة للعلماء، فإن بلورات الزمن -في الواقع- هي شيء أكثر دقةً؛ هي «نتاج غريب من قوانين الفيزياء».
ما يميّز أية بلورة عادية؛ مثل الألماس أو الزمرّد أو حتى مكعب الثلج، هو أن ذرات البلورة مرتّبة بطريقةٍ ما في أنماط متكررة في الفراغ. هناك ثلاث أبعاد في الفراغ، إضافةً إلى البعد الرابع؛ وهو الزمن، لذلك تساءل الفيزيائيون عمّا إذا كان يمكن ترتيب ذرات البلورة في أنماط متكررة؛ ولكن في الزمن.
من الناحية العملية؛ يمكن فعل هذا بالشكل التالي: تُصنع بلورة بذرّات في حالة واحدة، ثم يوجّه شعاع ليزري مضبوط بدقّة عليها. نتيجةً لذلك؛ يمكن أن تتغيّر حالة الذرات في هذه البلورة من حالة إلى أخرى، ثم تعود إلى الحالة الأساسية، ثم تنتقل إلى حالة جديدة وتعود إلى الأساسية وهكذا؛ يتم كل ذلك دون أن تمتص الذرّة أية طاقة من الليزر. بهذا؛ يتم تشكيل حالة من المادة تتحرّك باستمرار وللأبد دون تزويدها بالطاقة.
هذا ليس إنجازاً عادياً؛ إذ أنه يتعارض مع إحدى أقدس مبادئ الفيزياء الكلاسيكية؛ وهو القانون الثاني للديناميكا الحرارية. ينص هذا القانون على أن مقدار الإنتروبيا (القصور الحراري) يميل دائماً إلى الزيادة. فكّر في الأمر بتخيّل مزهرية تتأرجح على حافة طاولة، يريد الكون دفع هذا المزهرية وجعلها تتحطم على الأرض؛ ولكن لتعيد تركيبها، فعليك أن تستهلك الطاقة.
في الواقع؛ بلورات الزمن هي فكرة جديدة إلى حدٍ ما؛ إذْ وضع الأسس النظرية لها لأول مرة عالم الفيزياء الحائز على جائزة نوبل «فرانك ويلتشيك» عام 2012. لم يقبل جميع الفيزيائيين هذه النظرية آنذاك؛ إذ ادّعى البعض أن القانون الثاني للديناميكا الحرارية من شأنه أن يقضي عليها.
بطبيعة الحال؛ وجد الباحثون المصممون بعض الثغرات. في عام 2016، تمكن علماء الفيزياء في جامعة ماريلاند من تجميع بلورة زمنية خام من مجموعة من ذرات الإيتربيوم (عنصر كيميائي يوجد في مجموعة اللانثانيدات؛ وبالتالي ينتمي إلى معادن التربة النادرة)، وقامت مجموعات أخرى بإنشاء بلورات زمنية داخل الألماس.
دور الحواسيب الكمومية
لكن الباحثين الذين نشروا الورقة الأحدث فعلوا شيئاً مختلفاً؛ لجأ هؤلاء الباحثون إلى شركة «جوجل» واستخدموا حاسوبها الكمومي؛ وهو جهاز يستفيد من غرائب ميكانيك الكم (وهو فرع الفيزياء الذي يبدو غامضاً؛ والذي تحكم قوانينه الكون بأدق مقاييسه). بدلاً من استخدام دارات مصنوعة من السيليكون مثل الحواسيب «الكلاسيكية»؛ تعمل الحواسيب الكمومية مباشرةً باستخدام الذرات أو الجسيمات.
يسمح ذلك للفيزيائيين بإجراء تجارب يمكن أن يكون إجراؤها صعباً باستخدام الحواسيب التقليدية؛ لا سيما أن الفيزياء الكمومية -والتي تسمح قوانينها للجسيمات بأن تكون في أكثر من حالة بنفس الوقت، وأن تتفاعل على بعد مسافات هائلة- يمكن أن تكون صعبة الفهم للغاية.
اقرأ أيضاً: ما هي الشبكات الكمومية؟
وفقاً لـ «غابرييل بيرديو»؛ باحث في الحوسبة الكمومية في مختبر «فيرميلاب» -وهو مختبر وطني في ضواحي مدينة شيكاغو يركّز على فيزياء الجسيمات الحديثة-، فإن «القدرة على محاكاة القواعد... تصبح أكثر صعوبةً» باستخدام الحواسيب التقليدية.
ولكن من خلال ترتيب الجسيمات في معالج الحاسوب الكمومي، فمن الممكن حرفياً دراسة أنظمة الجسيمات الدقيقة كما لو كانت وحدات بناء. هذه قدرة هائلة، وهي ليست أمراً نشهده بشكلٍ اعتيادي في العالم غير الكمومي.
يقول بيرديو: «نحن لا نحسب إلى أي بعد يمكن أن تصل إليه كرة قدم إذا رميناها بواسطة «خَلق» لاعبي كرة قدم مصغّرين وإجراء عمليات المحاكاة»؛ لكن القيام بشيء مشابه تماماً على نطاق صغير جداً -كما يقول،- هو ما استخدم الباحثون حاسوب شركة جوجل الكمومي من أجله بهدف تشكيل البلوّرة الزمنية.
في هذه الحالة؛ يمكن للفيزيائيين إعادة ترتيب الذرات ثم توجيه الليزر إليها (ضربها بالليزر) لإيجاد بلورة زمنية؛ سمحت هذه الظروف للباحثين بتشكيل بلورة زمنية أكبر من أي بلورة زمنية قبلها. في حين أن العديد من بلورات الزمن السابقة كانت قصيرة العمر وتفتّتت خلال بضع دورات من تقلّب الحالات، فإن العلماء الذين أجروا البحث الأخير يتعجّبون من استقرار البلورة التي شكّلوها.
يقول بيرديو: «الشيء الأكثر إثارةً بالنسبة لي هو أن هذا البحث هو إثبات على قدرتنا على استخدام الحواسيب الكمومية لمحاكاة نظام فيزيائي كمومي، ودراسته بطريقةٍ جديدة ومثيرة حقاً».
اقرأ أيضاً: 5 تطبيقات مستقبلية للكمبيوتر الكمومي
هل يمكن أن تؤدي بلورات الزمن إلى تصنيع موجة جديدة من آلات الزمن الحديثة؟
الجواب هو لا على الأرجح؛ لكنها قد تساعد في جعل الحواسيب الكمومية أكثر فعّاليةً. لقد كافح المهندسون لسنوات لإنشاء مكوّن يمكن أن يلعب دور الذواكر في الحواسيب الكمومية؛ أي بديل ما لدارات السيليكون التي تُستخدم في الحواسيب التقليدية، ويعتقد الفيزيائيون أن بلورات الزمن يمكن أن تخدم هذا الغرض.
وفقاً لبيرديو؛ هذه التجربة هي أيضاً دليل على فعالية الحواسيب الكمومية في إجراء الأبحاث العلمية؛ إذ يقول: «نفس النظام الأساسي الذي يجعل من السهل عليك محاكاة بعض الخوارزميات الرائعة يعمل بنفس الكفاءة؛ لا بل يمكنني أن أجادل أنه يعمل بشكلٍ أفضل في محاكاة هذه الأنواع من الأنظمة».
اقرأ أيضاً: حرب جوجل والصين: تعرف إلى الكمبيوتر الكمومي وكيف سيخدم البشر
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً