ما تقنيات التكييف المبتكرة التي ستستخدمها قطر في كأس العالم 2022؟

4 دقائق
ما تقنيات التكييف المبتكرة التي ستستخدمها قطر في كأس العالم 2022؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Fauzan Fitria

يشعّ جسم الإنسان في حالة الراحة نحو 100 واط من الطاقة الحرارية في المتوسط، وعند التمرّن قد تتجاوز هذه الطاقة مقدار 1000 واط، وهي طاقة يمكن أن تغلي لتراً واحداً من الماء في 6 دقائق. والآن، هل يمكنك أن تتخيل درجة الحرارة في مدرج يتسع لـ20,000 شخص، في بلد حارٍّ مرتفع الرطوبة، في جوٍّ يملؤه الحماس والتوتّر؟ وأيضاً، بما أن درجات الحرارة والرطوبة المرتفعة قد تؤدي إلى أضرار جسيمة على صحة الإنسان، فكيف إذاً ستتمكن قطر وهي أول بلد عربي يستضيف كأس العالم لكرة القدم من مواجهة هذا التحدي، وما تقنيات التكييف المبتكرة التي ستستخدمها في ملاعبها؟

كأس العالم والأجواء الساخنة

لا يمكن وصف بطولة كأس العالم بأقل من حدث ساخن، فما بالك إن أقيمت في بلد من أحرّ البلدان على سطح الأرض. في الواقع ولأول مرة في تاريخها، أجلت بطولة كأس العالم إلى فصل الشتاء بدلاً من الفترة الاعتيادية التي تقام عادة خلال شهري يونيو ويوليو (حزيران وتموز) من العام، إذ وخلال هذين الشهرين، يكون متوسط درجات الحرارة اليومية في قطر نحو 42 درجة مئوية وقد تصل إلى 50 درجة مئوية، ما قد يشكل خطراً كبيراً على صحة اللاعبين والمشجعين أثناء المباريات والتنقل بين الاستادات، فأجلت بالتالي البطولة إلى شهري نوفمبر وديسمبر. ومع ذلك، يكون متوسط درجة الحرارة خلال هذين الشهرين نحو 24 درجة مئوية، لذلك كان على قطر أن تتخذ تدابير إضافية لتبريد اللاعبين والمشجعين. فما الذي قامت به؟

اقرأ أيضاً: على أعتاب مونديال قطر 2022: إليك أرقاماً قياسية من ملاعب كرة القدم

ما تقنيات التكييف المبتكرة التي صممتها قطر؟

عام 2009، عندما كانت قطر تنافس لاستضافة النسخة الثانية والعشرين من البطولة العالمية لكرة القدم، تواصلت حينها اللجنة العليا للمشاريع والإرث مع جامعة قطر، من أجل إيجاد حلول للحدّ من حرارة الصيف خلال المباريات، وذلك عبر تصميم وتنفيذ أنظمة تبريد مبتكرة للملاعب، وقد قاد المشروع وكان صاحب الرؤية فيه الدكتور سعود عبدالعزيز عبدالغني، الذي يعمل أستاذاً في الهندسة الميكانيكية في جامعة قطر.

والآن وفي عام 2022، ستُستخدم تقنيات التبريد التي صممها الدكتور سعود في ملاعب كأس العالم الثمانية في قطر. يشار إلى أن استاد خليفة الدولي هو الاستاد الوحيد الذي كان موجوداً سابقاً والذي خضع لعملية تجديد عام 2017، حيث تضمنت التجديدات إنشاء مظلة تحمي مناطق الجلوس من أشعة الشمس، وبناء نسخة من تقنية التبريد الخاصة بالدكتور سعود، في حين أن الملاعب السبعة المتبقية قد بُنِيت من الصفر، لذلك قُدِّمت حلول مخصصة لكل ملعب على حدة بما يتوافق مع تصميمه الهندسي.

كانت خطة التبريد تتمثل في إنشاء فقاعة مناخية باردة والحفاظ عليها داخل الاستاد، بالاعتماد على نظام تبريد يعمل بالطاقة الشمسية. لكن وبما أن الحفاظ على جو مبرِّد يكون صعباً في الملاعب المفتوحة، كان لا بُدّ من التعاون بين الهندسة المعمارية والميكانيكية منذ البداية من أجل عزل الملاعب عن الجو الخارجي بأكبر قدر ممكن، لذلك يمكن القول إن تقنيات التكييف قد صُمِّمت وفق مرحلتين.

اقرأ أيضاً: ما المواد التي تصنع منها كرة قدم كأس العالم 2022 في قطر؟

المرحلة الأولى من تصميم تقنيات التكييف في قطر

تتمثل الخطوة الأولى في ضمان عدم دخول الهواء الساخن إلى الملاعب، لذلك وقبل تشييد الملاعب قام فريق الدكتور عبدالغني بما يلي:

  1. طباعة نماذج ثلاثية الأبعاد للملاعب المقترحة لكأس العالم.
  2. وضع النماذج المطبوعة في نفق هوائي لإجراء الاختبارات الديناميكية الهوائية بغية معرفة كيف سيتفاعل شكلها وحجمها مع الرياح الخارجية وكيف يمكن تحسينها.
  3. نفث الدخان الملون، الذي يمثل الهواء، إلى نماذج الملاعب وفق درجات مختلفة من الضغط، وذلك لاختبار كيفية تفاعل التصميم مع الرياح بسرعات مختلفة واتجاهات مختلفة.
  4. استخدام ألواح الليزر والكاميرات لتحليل تدفق الهواء فوق التصميم، وداخله.
  5. معالجة القياسات باستخدام برنامج ديناميكا الموائع الحسابية (CFD) لمعرفة درجة الحرارة في كل طبقة من الملعب، مع الأخذ بالاعتبار مجموعة من المتغيرات مثل عدد المتفرجين ومقدار تعرّقهم.
  6. إجراء محاكاة رقمية (عددية) لمعرفة تأثير هذه العوامل على توزيع درجات الحرارة داخل الاستاد.

إن مرحلة اختبار التصميم الهندسي كانت حاسمة في ضمان أن التصميم الديناميكي الهوائي التكيفيّ (القابل للمواءمة) سيدعم عملية التبريد داخل الاستاد بدلاً من العمل ضده. على سبيل المثال، كان تحسين حجم الفتحة في الجزء العلوي من الاستاد لضمان عدم دخول الهواء الدافئ إلى الملعب، خطوة بالغة الأهمية، بالإضافة إلى وجود سقف كبير يوفر ظلاً كبيراً ويقلل من الضغط على نظام التبريد، كما أن تعديل بعض العوامل غير الفنية مثل تغيير لون واجهة الاستاد من لون داكن إلى لون فاتح ساهم في خفض درجة الحرارة الداخلية بمقدار 5 درجات مئوية مباشرة.

اقرأ أيضاً: المبادئ الفيزيائية المعقدة وراء جعل مسار الكرة مقوساً مثلما يفعل لاعب في كأس العالم

المرحلة الثانية من تصميم تقنيات التكييف في قطر

بمجرد تحسين التصميم الهندسي، كانت الخطوة التالية هي بدء العمل على نظام التبريد الفعلي الذي من شأنه أن يخلق مناخاً محلياً داخل الملاعب، وقد كانت النقطة الأساسية في النظام هي عدم الحاجة إلى تبريد الملعب بكامله وإنما تطبيق ما دُعي بالتبريد الموضعي أو المستهدف، أي تبريد أماكن تواجد الأشخاص بدءاً من أرضية الملعب صعوداً إلى ارتفاع 2 متر فوق أعلى صفٍ من المقاعد. وذلك عبر الخطوات التالية:

  1. تبريد الهواء الخارجي من خلال مراوح تعمل بالطاقة الشمسية.
  2. دخول الهواء البارد إلى الاستاد عبر نظام تبريد موضعي يقوم بتبريد المناطق المستهدفة، من خلال توزيع الهواء البارد بواسطة فوهات تبريد بحجم كرة القدم موجودة بجانب الملعب، بالإضافة إلى فتحات أصغر لتوزيع الهواء موجودة أسفل كل مقعد تنفث الهواء عند مستوى الكاحل. لهذه الفتحات غطاء مزخرف وفق الطراز العربي، لكن الزخرفة ليست لزيادة جمالية فتحات التبريد، وإنما لدفع الهواء البارد بزوايا محددة بحيث يصل إلى المشجعين بطريقة لطيفة.
  3. إعادة تدوير الهواء البارد، حيث يتم سحب الهواء البارد إلى الخلف وتبريده وتوزيعه مرة أخرى، أي تبريده مرتين قبل طرده إلى الخارج.
  4. تنقية الهواء وتصفيته في كل مرة تتم إعادة توزيعه.

يقدَّر أن تقنيات التكييف في قطر التي صممها الدكتور عبدالغني أكثر استدامة بنسبة 40% من التقنيات الحالية، حيث تحتاج الملاعب إلى التبريد قبل ساعتين فقط من انطلاق الحدث، ما يقلل من استهلاك الطاقة مقارنة بالطرق الأخرى. وبعيداً عن كرة القدم، تستخدم تقنية التبريد هذه أيضاً في أماكن أخرى في قطر مثل ساحة التسوّق في كتارا، ومزرعة للخضار والفاكهة للاستهلاك المحلي في منطقة مكينس.

المحتوى محمي