هل تمتلك الطيور حاسة الشم؟ الدراسات تجيب المشككين

3 دقائق
حاسة الشم لدى الطيور
حقوق الصورة: شترستوك.

هل للطيور حاسة شم؟ لو طُرح هذا السؤال قبل 50 عاماً من الآن لكانت الإجابة إن الطيور تمتلك جميع الحواس باستثناء الشم. ولكن، حملت العقود الأخيرة أدلة جديدة دحضت صحة النظريات السابقة.

عام 1826 أخفى عالم الطيور الأميركي جون جيمس أودوبون جثة خنزير متحللة بين كومة من القش، وصنع جثة أخرى مزيفة من جلد غزال محشو بالقش ويرفع أطرافه عالياً. لم تستطع النسور الرومية تمييز جثة الخنزير المُخبأة، وانشغلت بنهش جثة الغزال المزيفة. كانت هذه التجربة دليلاً معتمداً لعقود طويلة حول عدم قدرة الطيور على الشم، واعتمادها على حاسة النظر للعثور على غذائها.

الانقلاب على العرف التقليدي: تميز الطيور الروائح

بعد أكثر من قرن، وفي عام 1960، وضع ليري كينيث ستيجر، عالم الطيور في متحف التاريخ الطبيعي في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأميركية، نتائج أودبون على المحك. أثبت ستيجر أن النسور الرومية تفضل الجثث الطازجة التي لا يزيد عمرها عن الأربعة أيام على الجثث الفاسدة، كما في جثة الخنزير الفاسدة في تجربة أودبون. فضلاً على ذلك، حدد ستيجر الرائحة التي تجذب النسور إلى الجثث المتحللة، وهي رائحة مركب "مركبتان الإيثيل"، المركب ذاته المُضاف إلى أنابيب الغاز لتمييز رائحة الغاز في حال حدوث أي تسرب، وحيث كانت تتجمع النسور أيضاً، وفق ملاحظات العمال.

في ذات الفترة الزمنية، اكتشفت برنيس وينزل، أستاذة علم وظائف الأعضاء بجامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية، قدرة الحمام على اكتشاف الروائح، حيث لاحظت ارتفاع معدل ضربات قلب الحمام حين تعريضه لهواء معطر. ربطت وينزل الحمام بأجهزة مراقبة القلب، ثم قامت بتوصيل أقطاب كهربائية بالبصلة الشمية (مراكز الشم في الدماغ) فحصلت على نفس النتائج.

على مدى الخمسة والعشرين عاماً التالية، كررت وينزل تجربتها على كلّ من الغراب والنسور الرومية والبط والكناري والسمان والحجل، وتفاوتت النتائج باختلاف الوظيفة الشمية لكل طائر.

في التسعينيات، قامت عالمة البيئة غابرييل نيفيت بنقع سدادات قطنية بزيت برائحة السمك، وربطتها بطائرة ورقية وأطلقتها فوق البحر. بعد بضعة دقائق، بدأت الطيور البحرية بالتجمع فوق الطائرة الورقية، ما اضُطر العالمة لإنزال الطائرة خوفاً على الطيور من التشابك بالخيوط.  

قرائن جينية لامتلاك الطيور حاسة الشم

قامت سيلك ستيجر، باحثة في قسم البيئة السلوكية وعلم الوراثة التطوري في معهد ماكس بلانك لعلم الطيور في ألمانيا، مع مجموعة من الباحثين بدراسة جينات المستقبلات الشمية في الطيور.

يمتلك جينوم الطيور جينات مسؤولة عن تشكيل الخلايا العصبية الحسية في الظهارة الشمية، هي جينات المستقبلات الشمية. باختلاف عدد جينات المستقبلات الشمية في جينوم الطيور، يختلف عدد الروائح التي يمكن للطير تمييزها.

شملت الدراسة 9 أنواع من الطيور ذات الصلة البعيدة، حيث قورن العدد الإجمالي للجينات المسؤولة عن المستقبلات الشمية في كل منها باستخدام ذات التقنية الإحصائية البيئية المستخدمة لتقدير تنوع الأنواع. خلص الباحثون إلى وجود اختلاف في عدد الجينات المسؤولة عن المستقبلات الشمية، بحيث احتوى طائر الكيوي البني على عدد أكبر بست مرات من جينات المستقبلات الشمية في طائر الكناري. علاوة على ذلك، ربطت الدراسة بين حجم البصلة الشمية في الدماغ والمسؤولة عن إدراك الروائح مع عدد جينات المستقبلات الشمية.

فسر الباحثون نتائجهم بأن التكيف البيئي للطيور قد يكون أثر على عدد جينات المستقبلات الشمية في كل منها. على سبيل المثال، يعد الكيوي من الطيور الليلية، حيث يبحث عن طعامه ليلاً بالاعتماد على حاسة الشم وليس حاسة البصر، لذلك امتلك الطير فتحات أنفية في طرف المنقار وليس عند قاعدته كما في باقي الأنواع. إذاً، يعد الشعور بالرائحة بالنسبة للطيور أمراً حيوياً كما البصر والسمع.

اقرأ أيضاً: حاسة الشم لدى البشر أقوى مما يتصورون

بصلة شمية كبيرة لنسور الرومية: المزيد من الأدلة

في دراسة لباحثين من معهد سميثسونيان وجامعة ليثبريدج في كندا نُشرت في دورية نيتشر، شرّح العلماء دماغ نسر الرومي، وقارنوه مع دماغ النسر الأسود. ينتمي كلا الطائرين إلى فصيلة نسور العالم الجديدة أو "النسور القمّامة" (Cathartidae).

لاحظ العلماء أنه وعلى الرغم من صغر دماغ النسر الرومي مقارنة بالنسر الأسود، إلا أنه يحتوي على بصلة شمية أكبر بأربع مرات، ولديه عدد أكبر من الخلايا التاجية. تعد الخلايا العصبية التاجية جزءاً من جهاز الشم، حيث تنقل المعلومات من المستقبلات الشمية في تجويف الأنف إلى الدماغ.

وفقاً لجاري جريفز، عالم الطيور في قسم الطيور في متحف سميثسونيان الوطني، تمتلك النسور الرومية الجهاز الشمي الأكثر حساسية بين 11 ألف نوع من الطيور الحية. لذا، قد يصف البعض النسور الرومية بالكلاب البوليسية الجوية، لقدرتها على تمييز الجزيئات الغازية الناتجة عن تحلل جثث الحيوانات من على بعد آلاف الأمتار.

هل لجميع الطيور القدرة ذاتها على الشم؟

تتشابه معظم الفقاريات في البنية العصبية للجهاز الشمي في الدماغ وهي البصلة الشمية. ولكن، في  دراسة مشتركة أجراها عدد من الباحثين من قسم علم النفس في جامعة ألبرتا في كندا وقسم علم الحيوان في جامعة ميونخ التقنية في ألمانيا، وقسم علوم الحيوان والنبات في جامعة شيفيلد في المملكة المتحدة، لاحظ العلماء تفاوت قوة حاسة الشم بين الأنواع المختلفة للطيور، وعدم وجود ارتباط بين حجم البصلة الشمية وقوة حاسة الشم.

عزا العلماء هذا الاختلاف للبيئة السلوكية للطير، والتي قد تتطلب منه درجة حساسية شمية عالية. على سبيل المثال، يمتلك طير الجنك داكن العينين بصيلة شمية صغيرة جداً، إلا أنه يتمتع بحاسة شم قوية نسبياً.

إذاً، ربما مازالت حاسة الشم لدى الطيور وآلياتها الحيوية على درجة من الغموض بالنسبة للعلماء، وقد لا تمتلك الطيور هياكل أنفية كما في باقي الحيوانات؛ إلا أنه أصبح من المؤكد اليوم أن للطيور حاسة الشم.

المحتوى محمي