مع التغيّرات المناخية وما يرافقها من آفات ناشئة وندرة في الموارد، يحتاج العالم لإنتاج مستدام للأغذية ذات النوعية والجودة عالية، والأنواع النباتية التي تتكيّف باستمرار مع أنظمة الإنتاج الحالية والمستقبلية. انطلاقاً من هذه الحاجة، حاول العلماء تغيير التركيب الجيني للنباتات بعدة طرق، منها التهجين النباتي والتعديل الوراثي. بينما تتضمن كلتا الطريقتين معالجة المادة الوراثية للنبات، إلا أنهما تختلفان في طريقة القيام بذلك والنتائج التي يمكن تحقيقها. فما هما وما الاختلاف بينهما؟
التهجين النباتي
التهجين النباتي، هو عملية تهجين نوعين نباتيين بعيدين وراثياً عن بعضهما لإنشاء تنوع جديد بالسمات المرغوبة. في التهجين، لا يتغير التركيب الجيني للنبات، وإنما تنتج توليفة جديدة في الأليل، فالهدف الرئيسي منه هو إنتاج سلالات متغايرة الزيغوت (البويضة المخصبة)، أي أن الكائن الحي يرث متغيرات مختلفة من الجين المحدد من كلا الوالدين.
أهداف التهجين النباتي
يُستخدم التهجين النباتي لعدة أسباب ومنها:
- إنشاء أنماط وراثية جديدة من النباتات ذات خصائص مرغوبة؛ مثل مقاومة الأمراض أو الجفاف أو المردود العالي أو النكهة المحسّنة.
- تحريض التباين الجيني بين أفراد النوع النباتي، ما يضمن استمراره وبقاءه.
- التغاير أو القوة الهجينة، هي ظاهرة طبيعية يتفوق فيها النسل الهجين لأفراد متنوعين جينياً على والديهم في سمات متعددة، بما في ذلك الإنتاجية والقدرة على التكيّف والمقاومة.
اقرأ أيضاً: لماذا تنمو النباتات بشكل مستقيم؟
أنواع التهجين النباتي
تساعد الأنواع المختلفة من التهجين في ضمان نقل جينوم النبات بين الأنواع ذات الصلة البعيدة، وتكوين مجموعة متنوعة من الجينات، وبشكل عام يمكن تصنيف التهجين النباتي إلى:
- التهجين بين الأنواع: يحدث هذا التهجين بين نوعين مختلفين من الجنس نفسه.
- التهجين بين الأجيال: يحدث هذا النوع من التهجين بين نباتين من جنسين مختلفين.
خطوات التهجين النباتي
بشكل عام يتضمن التهجين الخطوات التالية:
- اختيار النباتات الأبوية (الوالدين): يعتمد اختيار الأبوين على أهداف التربية، ويُفضل أن تكون من الأصناف المحلية السليمة.
- التلقيح الذاتي للوالدين على مدى جيل: للحث على تماثل الزيغوت، والقضاء على السمات غير المرغوبة (زواج الأقارب).
- الإخصاء: هو إزالة الأعضاء التناسلية الذكرية من الزهرة (الأسدية)، قبل أن تنضج حبوب اللقاح وتنتشر. يتم إجراؤه بعدة طرق، بحيث يتم الحفاظ على الأعضاء التناسلية الأنثوية (البويضة)، مثل:
- طريقة المقص والملقط في الأزهار الكبيرة.
- المعالجة بالماء الساخن لمدة (1-10) دقائق، للأزهار الدقيقة.
- المعالجة بالماء البارد على درجة حرارة بين 0-6 درجات مئوية، وهي أقل فعالية من طريقة الماء الساخن.
- العلاج بالكحول.
- الشفط.
- المبيدات.
- التعبئة: أي تغطية الزهرة بورق مخصص لمنع التلقيح المتبادل للزهرة بواسطة حبوب لقاح أخرى.
- الوسم: هو إرفاق الزهرة بعلامة لتمييز الزهرة المخصبة، تتضمن معلومات مثل تاريخ الإخصاء ونوع الأبوين وغيرها.
- التهجين: هو عملية التلقيح الاصطناعي، وفيها يتم وضع حبوب اللقاح من الأب المُختار على ميسم الزهرة، أي إخصاب الزهرة.
- الحصاد: جمع البذور الناتجة من هذه السلالة وتخزينها مع حفظ بطاقة الوسم.
- تربية الجيل الأول: يتم نثر البذور لتكوين نباتات الجيل الأول الهجينة.
التعديل الوراثي
التعديل الوراثي من ناحية أخرى، هو أسلوب أكثر حداثة يستهدف التغيير المباشر في الحمض النووي للكائن الحي، لإدخال سمات مرغوبة فيه بسرعة وكفاءة، مثل زيادة الغلة أو مقاومة الأمراض. وعليه يوصف الكائن المعدّل وراثياً وفقاً لمنظمة الغذاء والدواء الأميركية بأنه حيوان أو نبات تم إنشاؤه من خلال الهندسة الوراثية، والهندسة الوراثية مصطلح يستخدم لوصف طرق التكنولوجيا الحيوية التي يستخدمها العلماء للتلاعب مباشرة بجينوم الكائن الحي.
لاتباع التعديل الوراثي في النباتات لا بُدّ من توفر مطلبين أساسيين، هما:
- إدخال الخاصية بإضافة عدد صغير فقط من الجينات.
- تحديد الجينات المطلوبة بشكل دقيق.
اقرأ أيضاً: إلى أي مدى تؤثر جيناتنا على إرادتنا الحرّة؟
أهمية التعديل الوراثي في النباتات
هناك سببان رئيسيان لتفضيل التعديل الوراثي على طرق التهجين والتربية التقليدية، وهما:
- قد لا يتواجد الجين المطلوب في الأنواع التي يمكن تهجينها بنجاح مع المحصول. على سبيل المثال، قد يأتي الجين من مملكة مختلفة تماماً مثل البكتيريا أو قد يأتي من نوع نباتي مختلف.
- يؤدي التهجين بين الأنواع المختلفة إلى خلط جينومات الأبوين معاً، ما قد يؤدي إلى تدمير الصفات المرغوبة.
مراحل التعديل الوراثي
يتضمن التعديل الوراثي نسخ جين خاص بسمة مرغوبة من نبات محدد ووضعه في نبات آخر، لمنحه السمة المحددة وفق المراحل التالية:
- عزل الحمض النووي: تحديد الحمض النووي والجينات المرغوبة، ثم استنساخ الجين باستخدام ناقل استنساخ، والذي عادة ما يكون بلازميداً أو فيروساً قادراً على التكاثر.
- قطع الحمض النووي المستهدف باستخدام نوكليازات تقييدية: وهي إنزيمات توجد في البكتيريا، يمكن لكل منها أن يتعرف على تسلسل قصير معين للحمض النووي بطول 4-8 أزواج قاعدية.
- الجمع بين الحمض النووي للنبات المستهدف والمقطوع: مع إضافة إنزيم "ليغاز الحمض النووي الريبوزي منقوص الأوكسجين" لإصلاح الروابط التساهمية بين السكر والفوسفات في الحمض النووي، وبالتالي تشكيل الدنا المؤتلف.
- إدخال جزيء من الدنا المؤتلف في الخلية المضيفة: بهدف تكرار الجينات أو التعبير عنها. هناك عدة طرق متبعة لإدخاله، وفقاً لمدى تعقيد الكائن الحي المضيف، ومنها:
- التحول: باستخدام خلايا بكتيرية لالتقاط جزيئات الحمض النووي.
- التثقيب الكهربائي: تستخدم هذه التقنية تياراً كهربائياً لإنشاء مسام في غشاء الخلية، ما يسمح للحمض النووي بالدخول والاندماج في جينوم الخلية.
- القصف الجسيمي: تستخدم هذه التقنية جهازاً يسمى "بندقية الجينات" لإطلاق جزيئات دقيقة مغلفة بالحمض النووي في الخلايا النباتية. تخترق الجسيمات جدار الخلية ويتم دمج الحمض النووي في جينوم الخلية.
- إنماء الكائنات المعدّلة وراثياً: بعد إدخال السمة الوراثية بنجاح في جينوم النبات، يجب أن يكون النبات المعدّل قادراً على النمو والتكاثر بجينومه المعدل.
اقرأ أيضاً: لماذا تتلون أوراق الأشجار بألوان زاهية خلال فصل الخريف في ولاية ألاسكا؟ ولماذا لا تدوم هذه الفترة طويلاً؟
الفرق بين تهجين النباتات والتعديل الوراثي
التهجين النباتي والتعديل الوراثي هما تقنيتان مستخدمتان في الزراعة لتطوير سمات وصفات مرغوبة في النباتات. ويتمثل الاختلاف الرئيسي بينهما في أن التهجين من طرق التربية التقليدية الممكن إجراؤها في الحقل أو الحديقة، والتي توفر تنوعاً جينياً من خلال الجمع بين جميع جينات أبوين من نوعين أو سلالتين مختلفتين، بحيث قد يكون معظم هذه الجينات لا علاقة له بأهداف التهجين المحددة. أمّا الهندسة الوراثية، فتعتمد على إدخال جين واحد أو قسم محدد من الحمض النووي في جينوم النبات، باستخدام تقنيات محددة في المخابر. يمكن أن يأتي هذا الجين من أي كائن سواء كان فطراً أو بكتيريا أو حتى سمكة.
إذاً، يمكن اعتبار كل من التهجين النباتي والتعديل الوراثي تلاعباً جينياً في جينوم النبات، إلا أنهما يختلفان في كيفية القيام بذلك والنتائج التي يمكن تحقيقها.