تحكمنا قوانين الفيزياء في كافة مجالات الحياة، ومن أهم تلك القوى الجاذبية. لكن هل سيتغير هذا الأمر عندما تصبح سياحة الفضاء أمراً رائجاً بعد عدة سنوات، وتُقام ملاعب كرة قدم فضائية في المحطات الفضائية أو على سطح القمر؟ لا نعلم بشكل أكيد؛ لكن يمكننا تخيل بعض السيناريوهات عن لعب كرة القدم بالفضاء، مستندين إلى المعطيات الموجودة لدينا من وكالة ناسا ومحطة الفضاء الدولية والدراسات الفيزيائية الحديثة.
اقرأ أيضاً: كيف ستبدو كرة القدم عام 2050؟
القوى الفيزيائية التي تؤثر على لعبة كرة القدم على الأرض
تؤثر عدة قوى على كرة القدم على كوكب الأرض، وهي مرتبطة بشكل أساسي بثقلها الناشئ عن وجود الجاذبية الأرضية وقوى مقاومة الهواء والقوى التي تدفعها، ويمكن تلخيص هذه القوى بما يلي:
- الوزن: وهو القوة التي توجه الكرة نحو مركز الأرض التي تجذبها، ويوجد للكرة مثل كل الأجسام مركز ثقل يتوضع في مركز الكرة تماماً.
- قوة السحب أو الاحتكاك: وهي مقاومة الهواء لحركة الكرة، وتكون معاكسة لاتجاه حركة الكرة في الهواء، وتتأثر قوة السحب بشكل الجسم وحجمه ومربع سرعة الجسم وكثافة الهواء ولزوجته.
- قوى ماغنوس: وهي القوة التي يستخدمها اللاعبون ليجعلوا الكرة تلتف من حول جدار لاعبي الدفاع لتسديد الهدف بالركلة الحرة، إذ تنشأ قوى ماغنوس عن التفاف الكرة بشكل دوراني أثناء تحركها للأمام باتجاه معين تبعاً لقوة الركلة المطبقة عليها، وهذا الدوران للكرة مع عقارب الساعة أو عكسها سوف يعطي ميولاً إضافياً لحركة الكرة بعكس اتجاهها الأساسي نتيجة محصلة القوى العمودية عليها التي تُدعى قوى ماغنوس.
- قوة الدفع: وهي القوة الأساسية التي تسبب حركة الكرة عند ركلها بواسطة القدم، فحسب قانون نيوتن الأول فإن القوى الخارجية التي تؤثر على الكرة الساكنة هي ركلة اللاعب.
القواعد التي ستتغير عند لعب كرة القدم في الفضاء
سوف تتغير عدة قواعد ومعطيات في لعبة كرة القدم في حال لُعبَت في الفضاء الخارجي، وهناك عدة أسئلة يجب طرحها بهذا الخصوص ومنها ما يلي:
-
هل سيكون اللعب بوجود جاذبية صغرى لكوكب أم جاذبية معدومة بالفراغ؟
يختلف الأمر بشكل كبير بين الحالتين؛ فالجاذبية الصغرى مثل الموجودة على سطح القمر تجعل الحركة أسهل، إذ تشكل نحو 17% فقط من جاذبية الأرض، وهذا سيؤثر على الركض بسرعة وحركة الكرة وسرعتها، وعلى مدى القفزة، فاللاعب الذي يظن أنه سيقفز نصف متر نحو الأعلى، سوف يرتفع 3 أمتار لمدة 4 ثوانٍ على سطح القمر.
أما في حالة انعدام الجاذبية سوف يكون الأمر أكثر تعقيداً، إذ سيبقى اللاعبون والكرة معلقين في الفضاء، وستكون الحركة مستمرة باتجاه معين دون توقف إلا عند الاصطدام بجسم آخر أو الاقتراب من حقل جاذبية آخر، فاللاعب الذي سيقفز في الفضاء لن يتحرك من مكانه مثل القفز ضمن الماء دون لمس جسم آخر، وفي حال كان تحت اللاعب جسم مادي مثل قمر صناعي أو مركبة فضائية يقفز من فوقها، سوف يستمر بحركته إلى عمق الفضاء أو سيظل يدور بالفضاء بعد إنجازه ركلة مزدوجة (double kick) فترة طويلة.
قد يكون بناء ملعب مغلق من كافة الاتجاهات ممكناً في الفضاء في حال أهملنا التكاليف الهائلة وتقنيات نقل المواد، لكن حينها يجب تهيئة اللاعبين للحركة في كافة الاتجاهات، فيصعد اللاعب نحو السقف ويهبط بحركة معاكسة ولن تكون المناورة أمراً سهلاً بالكرة، وقد يصبح استخدام اليد ضرورياً لمزيد من التحكم.
وفي حال قرر القائمون على مشاريع سياحة الفضاء استخدام الجاذبية الاصطناعية، سوف يكلفهم ذلك الكثير من المال، فهذه الجاذبية نظرياً ممكنة لكن لم يتم تطبيقها حتى الآن، وتعتمد على وجود قرص هائل يدور من أجل توفير قوة جاذبة في مركزه.
اقرأ أيضاً: كيف تشرح لعبة كرة القدم لكائن فضائي لا يعرف عنها شيئاً؟
-
ما الملابس التي سيرتديها الرياضيون بالفضاء؟
لا يوجد هواء بالفضاء الخارجي، ولا يوجد أيضاً أوكسجين ليتنفسه اللاعبون، لذا يجب تزويدهم ببدلة فضائية خاصة تمكّنهم من الحركة وتوفر لهم الدفء والأوكسجين، ومن الممكن تزويدها بدفع نفاث من أجل توجيه تحرك اللاعبين في الملاعب معدومة الجاذبية، أو من الممكن أن تكون الملاعب معزولة عن الفضاء الخارجي ومزودة بالأوكسجين، كما هو الحال في محطة الفضاء الدولية.
يجب على الملابس أن تكون مريحة في الحركة ومتحملة للضغط، بينما في حال تم بناء ملعب مغلق ومعزول يمكن للاعبين التحرك بملابسهم الرياضية الاعتيادية كما فعل رواد الفضاء ريد وايزمان وستيف سوانسون وألكسندر جيرست في محطة الفضاء الدولية عندما لعبوا كرة القدم بالفضاء عام 2018، لكن لا يمكن اعتماد هذه الطريقة في المباريات الرياضية.
-
ما التأثيرات الصحية على لاعبي كرة القدم في الفضاء؟
نعلم جيداً أنه من الممكن أن تتوقف مسيرة أفضل الرياضيين بسبب حدوث وعكة صحية أو التعرض لإصابة مزمنة أو لمجرد تقدمهم بالعمر، ويجب التفكير بالأمر نفسه عندما يلعب أعضاء فريق كرة القدم في الفضاء، فقد يتعرضون للآثار الصحية التالية:
- خسارة نحو 2% من كتلتهم العضلية والعظمية شهرياً أثناء وجودهم في الجاذبية الصغرى، ما يعرضهم للإصابة بهشاشة العظام الشديدة وحدوث الكسور لهم عند العودة لجاذبية الأرض.
- حدوث خلل في عمل القلب والأوعية الدموية، حيث يصبح ضغط الدم متساوياً في جميع أنحاء الجسم، بينما في الجاذبية الأرضية يختلف الضغط بين أعلى وأخمص الجسم.
- تقلص حجم الدم بنحو 11% عن الحالة الطبيعية.
- تناقص كتلة عضلة القلب بنحو 8-10% عن كتلته السابقة.
كل هذه الأعراض تستوجب وضعها قيد الدراسة قبل إرسال لاعبي كرة قدم للعب مباريات تنافسية في الفضاء.
اقرأ أيضاً: التواء الكاحل: تعرّف إلى الإصابة التي يخشاها لاعبو كرة القدم
ما يجب التفكير به حيال لعب كرة القدم بالفضاء
هناك الكثير مما يجب التفكير به عندما نحاول لعب مباريات كرة القدم بالفضاء، مثل ما يلي:
- كيفية نقل الجمهور للفضاء.
- تأمين مكان إقامة للاعبين.
- توفير الغذاء والرعاية الطبية.
- تحديد طريقة يمكن للإسعاف أن يسعف اللاعبين من خلالها.
- ابتكار طريقة ينبه بها الحكم اللاعبين على وجود خطأ دون وجود صفارة، نظراً لأن الصوت بحاجة للهواء لكي ينتقل.
- طريقة ترسيم حدود الملعب وتثبيت المرمى وغير ذلك.
اقرأ أيضاً: 7 أسباب وراء شهرة وشعبية كرة القدم الكبيرة
لن تُجرى مباريات كأس العالم في الفضاء في المستقبل القريب، لكن الأمر ليس مستحيلاً، فقد يشهد الجيل التالي أو الذي بعده مباريات تجرى في الفضاء الخارجي، ومَن يعلم؟ فمن الممكن أن تنشأ ألعاب جديدة فضائية في الجاذبية الصغرى لم نعرفها من قبل وتصبح أكثر شهرة من كرة القدم، وحده الوقت كفيل بالكشف عن ذلك.