كيف نحصل على لون عيوننا؟

4 دقائق
العمى, الرؤية, الإبصار, تقنية كريسبر, التعديل الجيني, بيولوجي, عين

من خلال دراسة مخططات الوراثة البسيطة في المرحلة الابتدائية؛ تعلّم معظمنا كيف نرِث لون عيوننا. فمن المرجّح أن يكون لون عينَي الطفل بنّياً إذا كان لون عينَي والديه بنّياً، وكذلك يميل الوالدان اللذان يمتلك كلاهما عيوناً زرقاء لإنجاب أطفالٍ ذوي عيونٍ زرقاء. ربما احتوت تلك المخططات على بعض رموز الألوان والنسب المئوية، وخطوطٍ تبيّن انتقال المورّثات من الآباء للأبناء، لكن كيفية انتقال لون عيوننا إلى الأبناء أكثر تعقيداً مما تعلمناه، وقد لا يكون بوسعنا حتى التنبؤ به.

لماذا تكتسب العيون ألواناً مختلفة؟

يعود لون عيوننا نحن البشر إلى صبغة الميلانين؛ وهي نفس الصبغة الواقية المسؤولة عن لون شعرنا وجلدنا. يمتّص الميلانين الضوء بشكلٍ جيد، ولذلك الأمر أهمية كبيرة في عمل القزحية؛ التي تقوم بالتحكّم بمقدار الضوء الذي يمكن أن يدخل العين. تصل معظم أشعة الضوء المرئي إلى شبكية العين بعد أن تتجاوز العدسة؛ حيث تتحوّل إلى إشارات كهربائية عصبية تُرسل إلى الدماغ ليفسّر ما نراه حولنا. لا تمتص القزحية بعضاً من الضوء، وينعكس مرةً أخرى لينتج لون العين الذي نراه.

إذاً، يعتمد لون عيوننا على نوع وكثافة الميلانين الذي يُولد به الطفل. هناك نوعان من الصباغ: «الإيوميلانين»؛ الذي ينتج لون الشوكولاتة البني الغني، و«الفيوميلانين»؛ الذي يكسب العين ألواناً مثل الأزرق والأخضر والعسلي، وتحصل العيون الزرقاء على لونها جرّاء وجود كميةٍ صغيرةٍ نسبياً من الإيوميلانين. عندما تكون كمية الصبغة في القزحية قليلة، تتناثر الأطوال الموجية الأقصر المميزة للّون الأزرق حول القزحية؛ مما يكسب العين هذا اللون، لذلك يُعتبر اللون الأزرق لون العين «البنيوي»؛ على عكس اللون البني، وإلى حدّ ما مزيج بين اللونين الأخضر والعسلي؛ والتي تُعتبر «ألواناً صبغية». إنه نفس السبب- جزئياً- في رؤيتنا السماء زرقاء؛ فيما يُعرف بخدعة ضوء الغلاف الجوي المعروفة «بتأثير رايلي».

وفي هذا الصدد، تُعتبر العيون الخضراء مميزةً نظراً لأن لونها ينتج عن مزيجٍ بين تشتت الضوء ونوعين من الصباغ؛ إذ تحتوي على كميةٍ أكثر قليلاً من الإيوميلانين مقارنةً بما تحوية العيون الزرقاء، بالإضافة إلى كميةٍ قليلة من صبغة الفيوميلانين. تنطوي العيون العسلية على نفس التركيبة السابقة، لكن تتركّز كمية أكبر من الميلانين في الطبقة العلوية الخارجية للقزحية، أما العيون الحمراء والبنفسجية؛ وهي نادرةٌ جداً، فتنتج عن انخفاض كمية الصباغ أو فقدانها تماماً. لا تحتوي العيون الحمراء على مادة الميلانين إطلاقاً، لذلك سيكون لونها انعكاساً للأوعية الدموية. عندما يكون هناك بعض الصبغة، ولكن بكميةٍ غير كافية لتشتيت الأطوال الموجية، يتفاعل اللونان الأحمر والأزرق لإنتاج اللون البنفسجي النادر.

لون العين, شكل العين, لون عيوننا
يبدو أن الشخص المصاب بالمهقر (البرص) لديه عيون حمراء بسبب الأوعية الدموية التي تنعكس في قزحية غير مصطبغة - الصورة: المعهد الوطني للصحة دور الجينات في لون العين

بالرغم من أننا كنا نعتقد سابقاً بأن لون العين يعود إلى نمطٍ وراثي بسيطٍ نسبياً، إلا أن العلماء اكتشفوا في السنوات الأخيرة أن لون العين يتحدد من خلال عمل الجينات تزامنياً. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي التعديلات الصغيرة على الجينات إلى ظهور ألوانٍ مختلفة في القزحية. تقول «هيذر نورتون»؛ عالمة الأنثروبولوجيا الجزيئية التي تدرس تطور التصبغ في جامعة سينسيناتي: «عندما تحدث طفرات في الجينات، فإن ذلك يؤثر البروتينات التي تنتجها».

يُعتقد حالياً أن الجينين الأكثر ارتباطاً بلون العين البشرية هما «OCA2» و«HERC2»؛ وكلاهما يقعان على الكروموسوم رقم 15. يتحكم الجين OCA2؛ الذي كنا نعتقد سابقاً أنه الجين الوحيد المسؤول عن لون العين، في إنتاج بروتين «P» والعضيات الخلوية المسؤولة عن صنع الميلانين وتنقله. تؤدي الطفرات المختلفة على جين OCA2 إلى زيادة أو تقليص كمية ذلك البروتين في الجسم؛ وبالتالي يؤثّر ذلك على كمية البروتين التي يتم إرسالها إلى قزحية العين. (تستغرق هذه العضيات بعض الوقت لتنضج والبدء في نقل الميلانين؛ وهذا هو السبب في أن بعض الأطفال يُولدون بعيونٍ زرقاء، ثم لا تلبث أن يتغير لونها في وقتٍ لاحق من حياتهم).

بينما يعمل جين HERC2 كالوالد الوصيّ على جين OCA2؛ إذ تؤدي الطفرات المختلفة في هذا الجين إلى تشغيل وإيقاف عمل جين OCA2؛ وبالتالي تحديد كمية بروتين «P» الذي يشفره.

دور الجينات في لون عيوننا

حتى الآن، ما زلنا لا نعلم سوى آلية عمل هذين الجينين ودورهما في لون العين. لقد ربطت الدراسات الحديثة ما يصل إلى 16 جيناً مع لون العين، وكلها تقترن مع جينَي OCA2 وHERC2 لتوليد ألوانٍ وأنماطٍ مختلفة من القزحية، ومع هذا التنوع الكبير من الاختلافات والتفاعلات بين الجينات، يصبح من الصعب التنبؤ بلون عيني الطفل بناءً على لون عينَي أبويه. تقول نورتون في هذا الصدد: «قد يكون نمط جين HERC2 مهماً، ولكن الجينات الأخرى التي يحملها الكروموسوم 15 تلعب دوراً في تحديد لون العين، فحتّى لو كنت تملك نسختين من الأليل (شكل بديل للجين أو موقع كروموسومي) الذي يشيع أكثر لدى أصحاب العيون الزرقاء. إذا كان لديك طفرة في مكانٍ آخر على الجينوم الخاص بك تؤثّر على كيفية إنتاج وتوزيع بروتين «P» فسيؤثر ذلك على الخواص الفيزيائية للعين»؛ لذلك قد نرى طفلاً بعيونٍ بنية بينما لون عينَي والديه مختلفٌ تماماً.

تشير نورتون إلى أن معظم ما نعرفه عن دور الجينات المعقّد في لون العين يعود إلى الدراسات التي تناولت الارتباط على مستوى الجينوم (GWAS)؛ والتي تنطوي على تعقّب السمات المرئية لدى الأشخاص الذين يملكون بصماتٍ مختلفة من الحمض النووي، لكنها تشير في نفس الوقت إلى وجود فجواتٍ كبيرة في نطاق المجموعات السكانية التي قمنا بتوثيقها لمعرفة تأثير العامل الوراثي على لون العين؛ حيث تقول: «معظم ما نعرفه عن دور الجينات يأتي من الدراسات التاريخية الوراثية للأوروبيين، ولكن بالنسبة لبعض التفاعلات الجينية، قد تكون هناك طفراتٌ أكثر شيوعاً في أنحاء أخرى من العالم تؤثّر على لون العين أو الجلد أو الشعر. نحن لا نعرف شيئاً عنها لأننا لم ندرسها».

هناك العديد من المجموعات البحثية حول العالم تحاول تجاوز هذا التحيّز من خلال إجراء دراسات الارتباط على شعوب أميريكا اللاتينية وجنوب إفريقيا، وحتى أن بعض الأبحاث قد اكتشفت جيناتٍ جديدةٍ تؤثّر على تصبّغ الجلد في مجتمعاتٍ مختلفة. ربما قد نكتشف جيناتٍ جديدةٍ يوماً ما تلعب دوراً أيضاً في لون العين.

لماذا يمتلك البعض عيوناً مختلفة اللون؟

ربما تتساءل الآن: ما الذي يجعل بعض الأشخاص -وأحياناً كلاب الهاسكي اللطيفة- يمتلكون لون مختلف لكل عين؟ تُسمى هذه الحالة «هيتروكروميا» أو «تباين لون القزحية»، ولها عدة أنماط؛ النمط المتباين جزئياً؛ حيث يكون جزءٌ من القزحية فقط بلونٍ مختلف، ونمط التباين المركزي؛ حيث يكون الجزء الداخلي من القزحية بلونٍ مختلف عن الحلقة الخارجية، ونمط التباين الكامل؛ حيث يكون لون إحدى العينين مختلفاً تماماً عن الأخرى.

غالبية حالات تباين اللون الخُلقية (التي يحملها الطفل منذ ولادته) تكون حميدةً تماماً، ولكن، وفي حالاتٍ نادرة، يمكن أن تكون أحد أعراض الاضطرابات مثل «متلازمة هورنر» أو متلازمة «واردنبرج». إذا ظهر تباين اللون في وقتٍ لاحق من الحياة، فغالباً ما يكون ناجماً عن إصابة العين أو الرأس أو سرطان الخلايا الصبغية (الميلانوما)، أو عن علاج حالة الجلوكوما (المياه الزرقاء)، ولكنها غالباً ما تحدث نتيجة طفرةٍ عشوائية تؤدي لحصول إحدى العينين على كميةٍ أكثر أو أقل من الميلانين.

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً

المحتوى محمي