كيف يقدّر الطبيب الشرعي وقت الوفاة وسببها؟

4 دقائق
كيف يقدّر الطبيب الشرعي وقت الوفاة وسببها؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Microgen

قد يجد معظمنا القصص البوليسية الشهيرة مثل تلك التي كتبتها آغاثا كريستي وآرثر كونان دويل مثيرة للاهتمام، وقد تُحرك ألغاز رواياتهم تفكيرنا لننتبه إلى التفاصيل مثل شخصية شارلوك هولمز الذي كان يرى أدق التفاصيل لكي يصل إلى الحقيقة ويكشف القاتل، وهذه الطريقة تُستخدم اليوم في العلم الجنائي، حيث يقوم الأخصائيون بتحديد سبب ووقت الوفاة باستخدام بعض الطرق والأدوات المخصصة لهذا الغرض.

من المعروف أن معظم حالات الوفاة تكون معروفة الأسباب، فهناك من يموت بسبب كبر العمر، وغيره بسبب تفاقم مرض معين أو بسبب الخوض في قتال أو غيرها من الأسباب التي توجد شهود عليها، لكن توجد وفيات بحاجة لكشف سبب حدوثها وتقدير زمنها، وذلك إما لحل جريمة وإما لتحقيق العدالة أو لغايات بحثية وإحصائية بحتة. لذا سنذكر أهم الخطوات والأساليب المستخدمة للكشف عن الوفيات ضمن هذه المقالة.

اقرأ أيضاً: أسئلة منتصف الليل: ما مصير الجسد بعد الموت؟

كيف يستطيع الطبيب الشرعي تحديد زمن الوفاة؟

توجد بعض المبادئ الأساسية التي يركّز عليها الطبيب الشرعي أو الأخصائي لتحديد زمن الوفاة لجثة مجهولة الهوية بشكل تقريبي، إذ يمكن حساب زمن الوفاة بدقة في غضون 45 دقيقة في المتوسط ​​للأشخاص الذين ماتوا قبل 5 - 50 ساعة من وقت اكتشاف جثثهم، ومن أهم تلك الطرق ما يلي:

  • تصلب الجثة (Rigor Mortis): من الممكن أن يدل تصلب الجثة على وقت الوفاة؛ وذلك بالاعتماد على درجة الصلابة ووجود حرارة بالجثة، فعندما تكون الجثة دافئة وغير متصلبة فالوفاة قد حدثت غالباً قبل 3 ساعات من اكتشافها، بينما عندما تكون الجثة دافئة ومتصلبة يعني أن الوفاة حدثت قبل 3- 8 ساعات، وتعد برودة وتصلب الجثة مؤشراً على حدوث الوفاة قبل 10 ساعات فما فوق.
  • وجود الحشرات وتطورها: حيث يستخدم علماء الحشرات الشرعيون طريقتين لتقييم الوقت التقريبي للوفاة، إحداهما تحديد نوع الحشرات الموجودة في الجثة المتحللة، ومراقبة مراحل الحياة ودورات حياة بعض الحشرات لتقدير المدة التي انقضت منذ حدوث الوفاة.
  • الرضوض والنزوف: فحالة الجروح تعطي فكرة جيدة عن وقت الوفاة، فالدم المتجلط حول الجرح يدل على وقت أطول للوفاة مقارنة بالدم السائل، وهناك بعض الحالات التي يُنظر بها إلى بعد قطرة النزيف وكميته عن مكان الجرح لتقدير ساعات الوفاة، أي أن قطرة الدم التي سالت بطول 5 سم حدثت قبل غيرها التي سالت بطول 10 سم على جثة الضحية أو على الأرض.
  • محتويات المعدة: يقوم الأخصائي الجنائي بفحص محتويات المعدة ليحدد سبب الوفاة في حال كان تسمماً غذائياً، ويراقب في الوقت ذاته مرحلة وصول الطعام في الجهاز الهضمي ليحدد موعد آخر وجبة تناولها المتوفى، فالمعدة المليئة تدل على أن وقت الوفاة حدثت قبل 1- 6 ساعات من اكتشاف الجثة، بينما الفارغة تدل على أن وقت آخر وجبة كان منذ أكثر من 6 ساعات.
  • حالة كرة العين: وذلك من خلال ملاحظة تغيم القرنية الذي يحدث بعد نحو ساعتين من الوفاة وتصبح فيه القرنية ضبابية وتزداد العتامة بعد الوفاة بيوم أو يومين، وتوجد طريقة ثانية تساعد بها العين في تحديد طول فترة ما بعد الوفاة؛ وذلك بقياس مستويات البوتاسيوم في الجسم الزجاجي للعين، حيث تتحلل كريات الدم الحمراء في كامل الجسم وتُطلق البوتاسيوم الموجود بداخلها، وتحدث هذه العملية في العين بشكل أبطأ وبمعدل معروف دون أن تتأثر بدرجات الحرارة، ما يجعلها أداة نافعة في تحديد وقت الوفاة.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن خلايا الدماغ التي تزداد نشاطاً بعد الموت؟

  • تحلل الجسم: وهي عملية طبيعية تحدث بسبب تحرر الإنزيمات الخلوية وزيادة نشاط البكتيريا بعد الوفاة نتيجة لتوقف جهاز المناعة عن العمل، ويبدأ التحلل بالفترة بين 24 إلى 36 ساعة بعد الوفاة، حيث يصبح لون جلد البطن أخضر بسبب تحلل الأمعاء، وتبرز علامات رخامية على الجذع والأطراف بسبب انتشار البكتيريا في أوردة جهاز الدوران بالفترة الممتدة من 60 إلى 72 ساعة بعد الوفاة، ويُظهر الجسم تورماً وانتفاخاً عاماً بسبب إنتاج البكتيريا للغازات الاستقلابية، ويُلاحظ تشكل للبثور مع وجود خشونة بالجلد وتكسر بالشعر بعد 3 إلى 5 أيام، وينفصل الشعر والأظافر عن الجسم بالفترة بين 3 إلى 4 أسابيع بعد الوفاة.
  • حالة الفم: حيث تتم دراسة البكتيريا الفموية ويمكن من خلال تقدير غزارتها ومراقبة أنواعها تحديد وقت تقريبي للوفاة. ومن أهم الأنواع البكتيرية التي يتم الاستناد إليها في هذه الدراسات كل من "متينات الجدار" (Firmicutes) و"عديمات الجدار" (Tenericutes)، وذلك وفقاً للبحث الذي أجرته الباحثة جو أدسيرياس غاريغا وزملاؤها والمنشور في مجلة البيولوجيا الجزيئية الفموية عام 2017..

اقرأ أيضاً: العامل الصامت: الخمول البدني يتسبب في 8% من الأمراض والوفيات

كيف يتم تحديد سبب الوفاة؟

لكي يتم تحديد سبب الوفاة بشكل منهجي، تم تصنيف أسباب الوفاة إلى 5 أنواع وهي: الموت الطبيعي والانتحار وجريمة القتل وغير المحددة والمعلقة، وكل منها له أحكامه القضائية واعتباراته القانونية، ويحق للطبيب الشرعي والمحقق الجنائي المفوض من الجهات الخاصة اتخاذ القرار لتحديد سبب الوفاة، وبشكل خاص في القضايا الشائكة.

يعتبر تشريح الجثة الطريقة المتعارف عليها لتحديد سبب الوفاة، ويقوم بها طبيب شرعي مختص ذو خبرة، بوجود وإشراف أحد المختصين من القضاء عادةً، ويبحث المشرح عن سبب معين للوفاة مثل مادة سامة في المعدة أو وجود ماء في الرئتين لتشخيص حالة غرق، فهناك بعض الحالات التي يتم فيها قتل الشخص ورميه في الماء، بتلك الحالة لا يكون الماء موجوداً في أسناخ الرئتين.

يفحص الطبيب الجثة بحثاً عن أماكن للطعن أو ثقوب إبرية ويراقب التغييرات في لون الجثة، ومن الممكن البحث عن آثار دخان أو استنشاق مواد سامة في رئتي المريض، والبحث عن الحروق التي قد تسبب تلفاً جلدياً أو احتراقاً في الشعر الموجود على سطح الجسم، ويتم البحث عن آثار للكدمات والعنف والمواد والأتربة العالقة تحت الأظافر ومقارنة تلك المعلومات مع شهادة الذين وجدوا الجثة.

وبالطبع قد تكون أسباب الموت طبيعية وشائعة، ولكن تم تصنيف أسباب الوفيات الأكثر شيوعاً من قبل منظمة الصحة العالمية بالشكل التالي:

  1. أمراض القلب الإقفارية، وتعد السبب المباشر لنحو 16% من الوفيات حول العالم.
  2. السكتات الدماغية، وتشكل نسبة 11% من مسببات الوفاة.
  3. الانسداد الرئوي المزمن، ويسبب وفاة 6% من سكان العالم.
  4. التهابات الجهاز التنفسي السفلي، وتحتل المرتبة الرابعة بين الأسباب الرئيسية للوفاة.
  5.  أمراض الأطفال حديثي الولادة، إذ سببت مقتل مليوني طفل حديث الولادة عالمياً عام 2019.
  6. سرطانات القصبة الهوائية والشعب الهوائية والرئة تعد مسببة لنحو 1.8 مليون حالة وفاة.
  7. مرض ألزهايمر وأشكال الخرف الأخرى.
  8. الإسهال المسؤول عن نحو 1.5 مليون وفاة في عام 2019.
  9. مرض السكري، حيث حصلت زيادة بنسبة وفياته بنحو 80% منذ عام 2000.
  10. أمراض الكلى قتلت 1.3 مليون شخص في عام 2019.

اقرأ أيضاً: سوء استخدام المضادات الحيوية قد يؤدي إلى ملايين الوفيات

يعد مجال الكشف الجنائي شائكاً، وهناك عدة اعتبارات لا يجب فيها تشريح جثة المتوفى، ومنها وجود علامات خارجية واضحة وأسباب معروفة، لكن العلم يتقدم وهناك عدة أبحاث تحاول إيجاد طرق مختلفة لتحديد سبب الوفاة من خلال التصوير الإشعاعي للجثة أو الفحوص الكيميائية الحيوية التي تضاهي أو تتفوق على الطرق التقليدية الأخرى بدقتها.

المحتوى محمي