يرتبط فصل الصيف بحركة البشر نحو المسطحات المائية من أجل السباحة وقضاء وقت ممتع، وغالباً ما تكون تلك المياه مالحة. وأغلب الظن أنّ كل البشر الذين نزلوا البحر تناولوا ولو قدر قليل من هذه المياه مالحة المذاق، ولم يستطيعوا التحمل من فرط الملوحة. في الوقت نفسه، تعيش الكثير من الكائنات الحيّة في المياه المالحة، بل إنها لا تستطيع الصمود خارجها، فهل هناك ما يميزها عنا؟
لماذا المياه المالحة مهمة للحياة على الأرض؟
تشكل المسطحات المائية نحو 71% من سطح كوكب الأرض، وتشكل نسبة المياه العذبة نسبة 3.5% منها فقط، وهي التي نستطيع شربها واستخدامها في حياتنا اليومية. أما عن النسبة المتبقية، فهي تشكل المياه المالحة غير الصالحة للشرب من قِبل البشر وبعض أنواع الكائنات الحية الأخرى. لكن هناك العديد من المميزات الأخرى التي تجعل المياه المالحة ضرورية لحفظ توازن الحياة على سطح الأرض، من ضمنها:
تغطي مساحة كبيرة من الأرض
تُشكل مياه المحيطات وحدها ما يزيد على 96% من إجمالي مساحة المسطحات المائية، كما تمثل نحو 70% من إجمالي مساحة سطح الكوكب. وعلى الرغم من مياهها المالحة، فإنها واحدة من أكثر الأنظمة البيئية حيوية وثراءً بالأنواع الحية، وموطن لعدد لا يُحصى من النُظم البيئية المتنوعة التي تدعم حياة ما يقرب من نصف الأنواع الحية المعروفة على كوكب الأرض حتى الآن، وربما هناك ما يزيد على مليون نوع لم يُكتشف بعد. بالإضافة إلى ذلك، فالمياه المالحة مأوى للطيور البرية المهاجرة، وقد تشربها الطيور التي تعيش عند السواحل.
اقرأ أيضاً: شركة تقنية زراعية تبتكر حلولاً لزراعة محاصيل تتحمل المياه المالحة في السعودية
تلعب دوراً حاسماً في دورة الكربون العالمية
تُعد دورة الكربون واحدة من أهم الدورات الحيوية التي تتحرك من خلالها ذرات الكربون من الغلاف الجوي إلى الأرض ثم تعود مرة أخرى إلى الغلاف الجوي، وتحتجز مياه المحيطات المالحة كميات كبيرة من الكربون تفوق ما تحتجزه الغابات الاستوائية بـ 50 مرة، إضافة إلى أنّ المحيطات توفر نصف كمية الأوكسجين الموجود في الأرض.
مصدر مهم للغذاء
تُوفر المحيطات نحو 20% من المواد الغذائية البروتينية للعالم، وذلك لما تحتويه من تنوع بيولوجي ثري، ما يجعلها سبباً فعّالاً للحفاظ على الحياة وتوفير المغذيات لأنواع الكائنات المختلفة.
حماية الأرض
تتمتع البيئات المائية المالحة بمميزات تُمكّنها من حماية الأرض في الأوقات العصيبة. على سبيل المثال، أثناء العواصف الشديدة تستطيع الشعاب المرجانية إبطاء حركة الأمواج، فتكون المسطحات المائية مثل الحاجز ضد العواصف.
اقرأ أيضاً: تحلية المياه: تقنية تبدع فيها دول الشرق الأوسط
لماذا لا يشرب البشر المياه المالحة وتستطيع بعض الحيوانات فعل ذلك؟
قد يؤدي الإفراط في شرب مياه البحر إلى الوفاة بسبب الإصابة بالجفاف؛ إذ لا تستطيع الكليتان التحكم في تلك المياه، فمقابل كل كوب ماء مالح، تحتاج الكليتان إلى كوب آخر من الماء العذب حتى تستطيع التخلص من الملح، فالمياه المالحة لا تروي العطش، بل إنها تزيده وتجعل الشخص في حاجة ملحة للماء.
تستطيع بعض الحيوانات والطيور مثل: القطرس والنوارس والبطريق شرب المياه المالحة بأمان؛ بسبب احتوائها على غدد ملح وأخاديد تساعدها في التخلص من الملح الزائد قبل وصوله للمعدة وانتقاله إلى الدم. وفي الكائنات البحرية، فقد طوّرت الثدييات التي تعيش في المياه المالحة إنزيمات وهياكل تساعدها على التخلص من تلك الأملاح.
أما عن البشر، فهم يعيشون في البيئات والأنظمة الداخلية بعيداً عن المسطحات المائية، وليسوا مثل البرمائيات أو الكائنات المائية، كما لم يتعرض أسلاف البشر للمياه المالحة أيضاً؛ فقد اعتادوا منذ قديم الزمان على المياه العذبة من الأنهار والبحيرات والقليل من المياه المالحة في أضيق الظروف. لذلك لم يطوروا أي آلية تكيفية تساعدهم على الصمود أمام تلك البيئة القاسية. وبذلك أصبحت الأعضاء الداخلية دقيقة لا تحتمل المياه المالحة، ما يجعل كثرة شربها أمراً خطيراً تأتي نتائجه سلباً على الجسم البشري.
كيف نتناول الملح ولا نشرب المياه المالحة؟
الملح الذي نتناوله نستطيع التحكم في كميته ودرجة ملوحته قبل وضعه على المائدة، وعندما نستهلك كميات كبيرة من الملح في وجباتنا الغذائية، نستطيع شرب المياه العذبة لتحقيق التعادل والتخلص من ذلك الملح دون ضرر، بينما تحتوي المياه المالحة القادمة من البحر أو المحيط على نسب كبيرة من الملح، يصعب على الجسم البشري معالجتها.
على الرغم من أنّ الجسم يحتاج إلى كلوريد الصوديوم (ملح الطعام) لحفظ التوازن والتفاعلات الكيميائية في الجسم، فإن الكميات الكبيرة منه قد تكون مميتة، لذلك يجب الحذر عند النزول للسباحة في المياه المالحة.