تحدث البثور بسبب انسداد الغدد الدهنية أو بسبب البكتيريا التي تعيش على جلدنا. وعلى الرغم من أن معظم البثور ليست مؤذية، يمكن أن تسبب بالعدوى وتصبح مؤلمة، خصوصاً عندما تفتح على البيئة الخارجية. ومع ذلك، لا يستطيع الكثير منا مقاومة الرغبة بالعبث بها وإزالتها بأي طريقة.
لفهم السبب الأساسي للميل لعصر البثور، دعنا نلقي نظرة على إلى أحد المشاعر الأساسية لدينا، وهي الاشمئزاز.
يقول أستاذ الفلسفة في جامعة بوردو ومؤلف كتاب "أهمية الاشمئزاز في حياتنا" (Yuck! The Nature and Moral Significance of Disgust) ، دانيال كيلي، في مقابلة مع مجلة العلوم للعموم (PopSci): «تطورت مشاعر الاشمئزاز لدى الإنسان لحمايته من الأمراض المعدية والسموم. على سبيل المثال، تعلمنا تجنب العناصر السيئة الشائعة مثل اللحوم الفاسدة أو البراز، لأنها قد تحتوي على ميكروبات تسبب المرض لنا إذا ما تناولناها». ويضيف كيلي أن تطوير شعور الاشمئزاز الداخلي كان ضرورياً لبقاء أسلافنا، لأننا لا نستطيع في الواقع رؤية مسببات الأمراض الصغيرة مثل الفيروسات والبكتيريا التي تسبب المرض لنا.
اقرأ أيضاً: بين الطرق الطبية والطبيعة: هكذا تتخلص من آثار حب الشباب
ومع ذلك، فإن بعض سوائل الجسم مثل الدم أو اللعاب أو الصديد، بما في ذلك السائل اللزج الذي يخرج من البثور، تُعتبر مثيرة للاشمئزاز فقط عندما تخرج من أجسادنا. يوضح كيلي أن شعور الاشمئزاز في هذه الحالة يعمل بمثابة عامل يقينا من دخول هذه السوائل إلى الجسم مجدداً. بمجرد خروج سوائل الجسم إلى العالم الخارجي المليء بالعوامل الممرضة، يمكن أن تتلوث بالبكتيريا أو مسببات الأمراض الأخرى، لذلك لا نرغب في عودتها إلى أجسامنا. هذا النفور من العوامل الممرضة هو أيضاً وراء إدراك الناس لعلامات المرض المُنذرة لدى الآخرين من حولهم، مثل التعرق أو السعال.
ولكن على عكس مشهد الأنوف التي تسيل وتثير الاشمئزاز، قد تُفاجأ عندما تكتشف أن عصر تلك البثور البيضاء لا يثير نفس رد الفعل المقزز، إذ إن هناك في الواقع مجتمعاً كاملاً من الأشخاص الذين يجدون متعة وراحة في القيام بذلك أو مشاهدة الآخرين يقومون بنفس الشيء.
الميل لعصر البثور وعلاقته بالدماغ
بالطبع، لا نتفاعل جميعاً بنفس الطريقة عندما نرى صديداً يخرج من بثرة. وحتى المولعين بعصر البثور، فإنهم يشعرون بشيء من الاشمئزاز على الأقل بشكل فطري. في الواقع، يتعلق الأمر كله بما إذا كانت المتعة تفوق شعور الاشمئزاز الفطري لديك.
قد تكون هناك أيضاً مستويات من ميل المرء (أو اشمئزازه) إلى العبث بتلك البثور. يستمتع البعض بمشاهدة مقاطع الفيديو التي تتضمن مشاهد لعصر البثور على منصتي يوتيوب وتيك توك، لكن ذلك لا يدفعهم لعصر بثورهم. فمشاهدة أشخاص آخرين يقومون بذلك عبر شاشة يتحكّم في التعرّض، حيث لن يكون المشاهد في خطرٍ حقيقي من ملامسة مسببات الأمراض المحتملة. يمكن ملاحظة ظاهرة مماثلة عندما يشاهد محبو الرعب أفلاماً مخيفة، فمهما كان الفلم مرعباً أو مقززاً، نعلم أن الزومبي لن يظهر في الواقع ويأكل أدمغتنا.
وحتى الأشخاص الذين يقومون بعصر البثور، سواء كانت بثورهم الخاصة بهم أو بثور شخص آخر، لا يزال هناك عنصر تحكم متضمن. لا يشبه الأمر التعامل مع جرحٍ ملتهب؛ فعلى الرغم من أن عقلك الواعي قد يستجيب على الفور بشعور مبدئي بالاشمئزاز، فإن اللوزة الدماغية والتجارب السابقة لعدم إصابتك بالمرض من الصديد تساعدك على إدراك أنك لن تتعرض على الأرجح للمرض بسبب بثرة بسيطة.
تساعد الاختلافات في أدمغتنا أيضاً في تفسير سبب حب البعض لعصر البثور أكثر من غيرهم. وفقاً لورقة بحثية نُشرت في مجلة "أبحاث الدماغ السلوكية" (Behavioural Brain Research) في عام 2021، تعتمد كيفية استجابة كل شخصٍ لعصر البثور على دماغه. في الدراسة، عرض علماءٌ من جامعة غراتس في النمسا على 38 شخصاً من محبي عصر البثور و42 شخصاً يشمئزون منها، 96 مقطع فيديو تحتوي على إما مشاهد لعصر البثور أو نوافير مائية أو مشاهد لتنظيف بعض الأشياء بالبخار. كانت مقاطع نوافير الماء بمثابة عنصر تحكم لأن المياه التي تخرج من النافورة تحاكي الصديد الذي يخرج من البثور وفقاً للباحثين، بينما كانت مقاطع الفيديو الخاصة بالتنظيف بالبخار بمثابة عناصر تحكم لفيديوهات عامة تحتوي على أحداث أو أفعالٍ يجدها المشاهدون ممتعةً.
قبل البدء بالتجربة، طلب الباحثون من المشاركين ملء استبيانٍ لتقييم مدى متعتهم عند عصر البثور، وحساسيتهم للاشمئزاز وللشعور بالمكافأة والعقاب. بعد ذلك، شاهد المشاركون المقاطع أثناء قياس نشاط أدمغتهم بواسطة جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي.
وجد الفريق أن الأشخاص الذين أحبوا مقاطع الفيديو التي تظهر عصر البثور كانوا قد أبلغوا عن حساسية أعلى للمكافأة بالإضافة إلى مهارات أفضل في إدارة مشاعر الاشمئزاز مقارنة بالذين لم يستسيغوا تلك المقاطع. بمعنى آخر، كان محبو عصر البثور أكثر عرضة للشعور بالإثارة عند مكافئتهم بشعور الرضى من مشاهدة خروج الصديد من البثور، وكانوا أفضل في التحكم في مدى شعورهم بالاشمئزاز أثناء المشاهدة. كانت هذه السمات المبلغ عنها ذاتياً متوافقة مع نتائج فحص الدماغ الذي تم إجراؤه كجزء من الدراسة.
اقرأ أيضاً: حبوب الوجه المزعجة: تعرف إلى أسبابها وطرق التخلص منها
كشفت فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أيضاً عن الأجزاء من الدماغ التي تؤدي الدور الأكبر في كرهنا أو حبنا لعصر البثور، وهي النواة المتكئة والفص الجزيري. النواة المتكئة هي جزء من نظام المتعة في الدماغ، وقد ثبت أنها تتحكم باستجابات الناس للأشياء التي لا يحبونها. عندما شاهد الأشخاص الذين لم يستمتعوا بعصر البثور مقاطع الفيديو، تم تعطيل النواة المتكئة في أدمغتهم وأظهرت بعض النشاط أو لو لم تظهر أي نشاط على الإطلاق. وعلى الرغم من تعطيل النواة المتكئة أيضاً لدى الذين أحبوا مقاطع الفيديو التي تُظهر عصر البثور، فإنها كانت أكثر نشاطاً من نظرائهم الذين يكرهون تلك المشاهد. الفص الجزيري هو جزء آخر من الدماغ يتم تنشيطه عندما نشعر بالاشمئزاز. تباين مستوى الاتصال بين النواة المتكئة والفص الجزيري أيضاً بين المجموعتين، حيث كان مستوى الاتصال بينهما أكبر عند محبي عصر البثور. افترض الباحثون أن الزيادة في مستوى الاتصال بين الفص الجزيري والنواة المتكئة قد تكون مرتبطة بتنظيم أفضل لشعور الاشمئزاز.
لا ينبغي على محبي عصر البثور القلق، إذ لا تعني القدرة على تحمل شعور الاشمئزاز من عصر البثور أن المرء أقل عرضة لإدراك الأشياء الضارة التي تسبب المرض. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع حتى المولعون جداً بعصر البثور باستجابة الاشمئزاز الفطرية، فقد خلصت الورقة البحثية في النهاية إلى أن جميع المشاركين قد أظهروا على الأقل بعض مشاعر الاشمئزاز من عصر البثور.
اقرأ أيضاً: كيف تتجنب حبوب الوجه بسبب الكمامة؟
هل أعصر البثور أم لا؟
لسوء حظ محبي عصر البثور، يقول أطباء الأمراض الجلدية إنه لا يجب عليك فعل ذلك بنفسك، بغض النظر عن مدى إغراء التخلص من تلك البثور القبيحة. يخرب عصر البثور الجلد ويمكن أن يسبب الالتهابات والندبات الدائمة. يجب ترك البثور وشأنها. مع ذلك، يمكن أن تساعد بعض العلاجات المنزلية مثل البنزويل بيروكسايد في شفاءها بسرعة أكبر. إذا كانت لديك بثور كبيرة وقبيحة المظهر وتريد التخلص منها حقاً، فمن الأفضل استشارة طبيب الجلدية لأنه مدرب على التعامل معها بشكلٍ صحيح. مع ذلك، إذا كنت شغوفاً جداً بهذه العادة، هناك الكثير من مقاطع الفيديو على الإنترنت والتي يمكنك مشاهدتها لتشعر بالرضا بطريقة آمنة.