يمكن لإنشاء أدلة وهمية من مسرح الجريمة أن يساعد علماء الطب الجنائي على تحسين قراءة القصص التي تخلفها بقع الدم المروعة. لحل ألغاز بعض هذه القصص الدموية، كل ما احتاج إليه فريق من جامعة نورث كارولاينا هو مزيج من الكاميرات العالية السرعة والأقمشة القطنية وقليل من الدماء. وقد نشروا تفصيل النتائج التي توصلوا إليها حول كيفية تفاعل الملابس العادية مع الدم في عدد سبتمبر/أيلول لعام 2025 من مجلة علم الطب الجنائي الدولية.
مبدأ لوكارد: كل تلامس يترك أثراً
من الناحية التاريخية، يعد علم الطب الجنائي مفهوماً جديداً نسبياً. شهد تطوره العديد من المراحل الرئيسية، إلا أن مجال دراسته يعود إلى حد كبير إلى ما قبل 100 عام، وتحديداً إلى رجل يدعى إدموند لوكارد. في عام 1910، اقترح عالم الجريمة الفرنسي أول مرة نظريته القائلة إن "كل تلامس يترك أثراً"، وهو مفهوم يعرف الآن بمبدأ لوكارد للتبادل. تظهر هذه الآثار في أشكال عديدة، بما في ذلك بقع الدم. ولكن كما يوحي مبدأ لوكارد، فإن الآثار تتأثر أيضاً بظروف التلامس نفسه.
وبعد مرور أكثر من قرن من الزمان، أصبح هناك العديد من الأساليب العالية التقنية لتحليل بقع الدم في مسرح الجريمة العنيفة. يجمع علماء الطب الجنائي الأدلة وصولاً إلى المستوى الجزيئي، ولكن حتى القراءة البصرية الدقيقة للموقف غالباً ما تقدم معلومات لا تقدر بثمن. على سبيل المثال، قد تشير بقع الدم إلى نوع السلاح وزاوية الهجوم وقوة الاصطدام. ومع ذلك، تتأثر هذه الأنماط في كثير من الأحيان بتفاعل مادة الطبقة السطحية مع الدم نفسه، خاصة عندما تكون تلك المادة ملابس مصنوعة من القطن. ووفقاً للباحثين في جامعة نورث كارولاينا، قد تكون النتائج محبطة.
اقرأ أيضاً: كيف تساعد أدلة الحمض النووي على حل الجرائم؟
كيف تؤثر طبيعة المنسوجات في آلية انتشار البقع؟
كتب أعضاء الفريق في دراستهم: "تتمتع المنسوجات بتركيبات بنيوية معقدة وغالباً ما تكون ماصة. وقد تؤدي هذه الخصائص إلى تشوهات شديدة في أشكال بقع دم"، وأضافوا أن "خصائص البقع المعقدة قد تجعل تحليل أنماط بقع الدم أصعب وأقل وضوحاً".
وقال أحد مؤلفي الدراسة وأستاذ الميكانيك والفضاء في جامعة نورث كارولاينا الشمالية، تيغانغ فانغ، في بيان: "عندما يصطدم الدم بالقماش، فإنه يترك بقعة. ولكن قد يكون من الصعب إجراء تقييم دقيق لعوامل مثل مدى سرعة انتقال الدم عندما ارتطم بالقماش. فهل كان يتحرك بسرعة أم ببطء؟ هل احتك أحدهم بالدم؟ من الصعب تحديد ذلك، لأنه بمجرد أن يتلامس الدم مع النسيج، ينساب عبر سطح الألياف في النسيج، وينتشر".
غالباً ما تنتج هذه العملية خيوطاً رفيعة تعرف باسم "الأصابع" تمتد من مركز بقعة الدم، ما يزيد تعقيد التحليل. ولدراسة هذه السمات وغيرها، استخدم فانغ وزملاؤه دم الخنزير المعالج ليحافظ على ثبات سلوكه على اختلاف الاختبارات. ثم عمدوا بعد ذلك إلى صف خمسة أقمشة قطنية، وهي قطن منسوج عادي، والوجهان الأمامي والخلفي لنسيج قطني مضلع، بالإضافة إلى الوجهين الأمامي والخلفي من قماش جيرسي محبوك. بعد ذلك، استخدم الفريق كاميرات متعددة عالية السرعة لتصوير الأقمشة بمعدل أربعة إطارات في الثانية، حيث عمدوا إلى رش عينات النسيج باثنتي عشرة سرعة مختلفة. ثم راجعوا لقطات البقع، وسرعان ما لاحظوا السلوك المميز لأصابع كل بقعة من البقع المتشكلة.
قال فانغ: "وجدنا أنه كلما زاد عدد الأصابع في بقعة الدم، زادت سرعة تدفق الدم عند اصطدامه بالقماش. ومع ذلك، مع مرور الوقت، قد تتباعد هذه الأصابع وتتجمع معاً".
وثمة مؤشر سرعة رئيسي آخر نتج عما يعرف باسم "قطرات الدم المرافقة". تتكون هذه القطرات عندما يصطدم الدم السريع الحركة بالقماش، ما يسبب بقعاً ثانوية حول العلامة المركزية.
وأضاف فانغ: "كلما تحرك الدم بسرعة أكبر، زاد عدد القطرات المرافقة".
اقرأ أيضاً: معرفة شكل وجهك من عينة حمض نووي خاصة بك ممكنة
حين يفصح النسيج عن أحداث الجريمة
ومع ذلك، قدمت بعض المنسوجات القطنية معلومات أكثر عما حدث مقارنة بغيرها. فقد كانت قراءة الخصائص الفيزيائية للقطن المنسوج بطريقة عادية أسهل بكثير، في حين كان تحليل النسيج القطني المضلع أصعب.
وخلص فانغ إلى القول: "من الواضح أن التركيبات البنيوية المحددة لكل سطح تؤدي دوراً حاسماً في كيفية تشكل بقع الدم هذه وما يمكننا تعلمه منها".
يأمل الباحثون في إجراء تجارب مماثلة على مجموعة أوسع من الأقمشة والخيوط والمنسوجات. ويمكن أن يساعد فهم التفاعلات بين هذه المتغيرات وغيرها من المتغيرات بصورة أفضل على بناء قاعدة معرفية يمكن تطبيقها لاحقاً على مسارح الجرائم الجنائية.