الموت عملية طبيعية توحدنا جميعاً، وبمجرد أننا ولدنا فإننا سنموت حتماً، وعلى الرغم من بديهية الفكرة فإنه يبقى من الصعب تقبل ذلك ومن الطبيعي جداً أن نخشى الموت لكونه يبقى مجهولاً.
لا إجابة واضحة للعديد من الأسئلة التي تتعلق بالموت، حيث تكثر التساؤلات حول ماهية شعور الموت وخاصة إن أفقَدَنا الموت أحد أحبائنا سابقاً. وغالبية الأسئلة المتعلقة بالموت ليست لها إجابات مباشرة، لهذا السبب يكون من المفيد أن نتطلع على السير الطبيعي للاحتضار من وجهة نظر علمية وطبية للحصول على فهم أوضح، والذي يساعدنا إلى حد كبير على مواجهة الموت وسنكون عندئذ أكثر قدرة على إراحة شخص على وشك الموت.
اقرأ أيضاً: هل يومض شريط الذكريات قبل الوفاة؟ مسح نادر لدماغ بشري يحتضر
هل الموت لحظة وحيدة أم سلسلة من التبدلات؟
يحدث الموت في لحظة تتوقف فيها الأعضاء الحيوية التي تعمل لإبقائنا على الحياة عن العمل، إلا أنه بحد ذاته عملية وسلسلة من الأحداث البطيئة التي تجعل الجسم يكون أقل حياة إن صح التعبير، والتفكير في الموت بهذه الطريقة، كسلسلة أحداث، يجعل من السهل فهم التغييرات التي يمر بها الجسم انتقالاً من الحياة إلى الموت.
تعتمد أنفاسنا التي نأخذها، ابتداءً من أولها حتى آخرها، على العمليات الحيوية، فهي التي تسمح للجسم بالبدء بالعمل في أثناء الحياة الجنينة وبتوقفها يختتم الجسم رحلة الحياة. وتساعدنا معرفة ما يمكن توقعه قبل الموت على مواجهة التجربة عندما يحين الوقت.
ماذا يحدث للجسم عند الاحتضار؟
يؤمن الكثيرون منّا بأن للموت جانباً روحياً، إلا أنه ليس الجانب الذي سنتناوله اليوم في مقالنا هذا، وإنما سنتناول التبدلات في العمليات الحيوية التي تجعل من الأعضاء الحيوية المسؤولة عن الحياة مثل القلب والرئتين أقل حيوية وأقرب للتوقف عن العمل.
وعند السؤال عن الوقت الذي يستغرقه الموت، فالجدول الزمني له يختلف بين شخص وآخر، كما تعتمد المدة التي يستغرقها الجسم في الموت على الصحة البدنية وعلى العلاج وسبب الوفاة. فعلى سبيل المثال، يؤدي إهمال علاج السكتة القلبية المفاجئة إلى الوفاة في غضون دقائق، بينما في الحالات المزمنة وطويلة الأمد من التعرض للسكتات القلبية، يستغرق الجسم أسابيع أو حتى أشهر حتى يموت.
اقرأ أيضاً: كيف يقدّر الطبيب الشرعي وقت الوفاة وسببها؟
ونورد إليك أهم التبدلات الجسدية التي يتحضر الجسم من خلالها للموت:
-
انخفاض النشاط البدني وزيادة الرغبة في النوم
عند الاحتضار، لا ينام الجسم لإعادة شحن العقل ولإراحة البدن كما في الحالة الطبيعية، وإنما ينام لأن مخازن الطاقة لديه تنضب فلا يملك الجسم الطاقة اللازمة لممارسة أي نشاط بدني أو للبقاء يقظاً حتى. ونظراً لنضوب مخازن الطاقة للأعضاء الحيوية، يصبح القلب أقل قدرة على ضخ الدم الغني بالأوكسجين إلى جميع أنحاء الجسم، والذي بدوره يزيد الحالة سوءاً، فبدون الأوكسجين والمغذيات لا تمتلك خلايا الجسم الطاقة اللازمة لإبقائك مستيقظاً ونشطاً لفترات طويلة.
-
انخفاض الشهية
لا يحتاج الجسم المحتضر إلى القدر نفسه من الغذاء كالجسم الذي لا يحتضر، حيث تنخفض الشهية بشكلٍ كبير في الأيام والأسابيع أو الأشهر التي تسبق الموت. ومن جهة أخرى، يواجه الجهاز الهضمي صعوبة أكبر في معالجة الطعام الذي يتناوله، والذي بدوره يؤثّر في الشهية.
-
تراجع القدرة على التحكم في الأمعاء والمثانة
مع تباطؤ حركة الجهاز الهضمي تزداد صعوبة التبرز ويصبح الإمساك مشكلة شائعة، وبالوقت نفسه يصبح الشخص المحتضر أقل قدرة على التحكم بالأمعاء ويزداد نتيجة لذلك احتمال حدوث السلس البرازي. وبالشكل نفسه، تنخفض السيطرة على عضلات الحوض ما يزيد من احتمال حدوث السلس البولي.
-
هزال العضلات وتراجع الجلد
الهزال والدنف، أي نقصان الوزن، يرافقان المرحلة التي تسبق الموت، فالاستلقاء في السرير لمدة طويلة يُعرّض العضلات للإجهاد السكوني وتتراجع الأنسجة العضلية نتيجة لذلك.
اقرأ أيضاً: لماذا برع المصريون القدامى في تحنيط الموتى؟
من جهة أخرى، بسبب ضعف العمليات الحيوية، لا يكون الجسم قادراً على تجديد الخلايا أو استبدالها بخلايا جديدة ما يتسبب في ترقق البشرة وتراجع الجلد، والبشرة الرقيقة تكون أكثر عرضة للكدمات والجروح والتقرحات.
-
الانفصال عن الواقع
من الطبيعي أن يشعر الشخص المحتضر برغبة أقل في ممارسة الأنشطة التي اعتاد الاستمتاع بها، حيث تتغير احتياجات الجسم في أثناء الاحتضار كما يعالج العقل المعلومات الحسية، أي ما نراه ونسمعه ونشمه، بشكلٍ مختلف عما كان يفعله من قبل. فعلى سبيل المثال، يصبح الصوت الذي كان يبدو طبيعياً في يومٍ من الأيام مخيفاً أو مهدداً في أثناء الاحتضار. والفرضية تقول إن ذلك يعود إلى أن الدماغ يُطلق موادَّ كيميائية ترفع من الإدراك الحسي ومن الواقعية المفرطة إن صح التعبير مع اقتراب الموت.
-
انخفاض أو عدم انتظام العلامات الحيوية
تتضمن العلامات الحيوية كلاً من درجة الحرارة ومعدل النبض والتنفس وضغط الدم، تقيس هذه العلامات صحة الأعضاء الضرورية للبقاء على قيد الحياة مثل الرئتين والقلب والدماغ. لهذا السبب، عند الموت، تنخفض درجة حرارة الجسم ويُشعر بالبشرة أنها أكثر برودة عند اللمس. تضطرب وتتباين هذه الأرقام عندما تنازع الأعضاء الحيوية للإبقاء على قيد الحياة.
وأكثر العلامات الحيوية تأثراً هي "معدل التنفس"، فمع اقتراب ساعة الوفاة ينخفض معدل التنفس بشكل طردي، وكلما كان أبطأ وأقل وضوحاً كان ذلك علامة على تدهور الصحة أو الوفاة. ويشيع صوت "خشخشة الموت" في اللحظات الأخيرة من الحياة ويعود ظهوره إلى تراكم اللعاب في مؤخرة الحلق لأن عضلات الحلق لا تكون قوية بما يكفي للابتلاع، ما يؤدي إلى ظهور صوت صاخب عند التنفس.
ما العلامات التي توجه نحو حدوث الموت الفعلي؟
عند الموت، تتوقف وظائف الجسم الحيوية تماماً، وتشمل علامات الوفاة المؤكدة ما يلي:
- غياب النبض.
- غياب التنفس.
- عدم الاستجابة للمنعكسات العصبية.
- غياب النشاط الدماغي.
- عدم استجابة بؤبؤ العين للضوء الساطع أي غياب المنعكس الضوئي.
اقرأ أيضاً: أسئلة منتصف الليل: ما مصير الجسد بعد الموت؟
ومن العلامات التي تحدث بعد الوفاة نذكر:
- استرخاء العضلات.
- تبليل الملابس نتيجة ارتخاء المصرة الشرجية والبولية.
- انخفاض درجة حرارة الجسم دون 20 درجة مئوية، أي بالشكل الذي يتناسب مع البيئة المحيطة.
- ظهور بقع أرجوانية على البشرة وذلك نتيجة سحب الدم للأسفل تبعاً للجاذبية.
- تصلب وتيبس الجسم في البداية ليعود الجسم ويسترخي بعد أيام قليلة من الموت.