إنه طبق نشوي شهير يتوافق بشكل جيد مع جميع أنواع اللحوم والخضروات، ويمكن حتى استخدامه لتحضير بعض الحلويات اللذيذة. يعتبر إنتاج الأرز منخفض التكلفة غالباً وهو غني بالسعرات الحرارية والألياف والفيتامينات عند تناوله كحبوب كاملة، وهناك أكثر من 40 ألف نوع مختلف منه حول العالم.
الأرز هو محصول أساسي في العديد من البلدان والمناطق من العالم. وسعى الباحثون في دراسة جديدة لإلقاء الضوء على مدى قِدم ممارسة زراعة هذا المحصول. تتضمّن دراسة نُشرت بتاريخ 7 ديسمبر/ كانون الأول 2022 في مجلة بلوس ون (PLOS ONE) تحليلاً لمجموعة من الأدوات الحجرية التي تم إيجادها في جنوب الصين، والتي تمثّل أقدم الأدلة على حصاد الأرز في العالم. يبيّن وجود هذه الأدوات أنه من المحتمل أن البشر بدؤوا بحصاد الأرز قبل 10 آلاف سنة.
حصاد الأرز قديم جداً
حدد الفريق في هذه الدراسة طريقتين منفصلتين لحصاد الأرز أسهمتا في بدء تقليد تأنيس هذا النوع من الحبوب والذي دام قروناً من الزمن. تتساقط بذور الأرز البري بشكل طبيعي وتتبعثر على الأرض عند نضجها. أما بذور الأرز المزروع، فهي تبقى على النباتات عندما تنضج.
يفترض أن البشر احتاجوا الأدوات لحصاد الأرز. ويعني استخدامهم هذه الأدوات أن مزارعي الأرز الأوائل انتقوا البذور التي تميل لأن تبقى على النباتات عند نضجها. بمرور الوقت، ازدادت نسبة البذور التي تبقى على النباتات مقارنة بتلك التي تسقط على الأرض، ما تسبب ببدء تأنيس الأرز.
اقرأ أيضاً: كيف ستؤثر زراعة 8 مليارات شجرة سنوياً لمدة 20 سنة على مناخ الأرض؟
قالت أستاذة الأنثروبولوجيا المساعدة في جامعة دارتموث والمؤلفة الرئيسية للدراسة الجديدة، جياجينغ وانغ (Jiajing Wang)، في بيان صحفي: "لفترة طويلة من الزمن، تمثَّل أحد أكبر الألغاز حول حصاد الأرز في غياب الأدلة على وجود أدوات الحصاد في جنوب الصين والتي تعود إلى العصر الحجري الحديث الذي امتد من 10 آلاف إلى 7 آلاف سنة قبل الميلاد، والذي نعرف أنه العصر الذي بدأ فيه تأنيس الأرز"، وأضافت: "مع ذلك، عندما كان علماء الآثار يعملون في مواقع العصر الحجري الحديث في وادي نهر اليانغتسي الأخفض في الصين، وجدوا العديد من الأحجار الصغيرة التي لها حواف حادة والتي من المحتمل أنها استخدمت لحصاد النباتات".
تنص الفرضية الأولية التي وضعها مؤلفو الدراسة على أن بعضاً من هذه القطع الحجرية كانت أدوات تم استخدامها في حصاد الأرز، وأكدّت نتائج دراستهم ذلك.
تحمل المجموعتان الثقافيتان الأقدم في وادي نهر اليانغتسي الأخفض في الصين اسم شانغ شان وكواهوكياو. وفي الدراسة الجديدة، فحص الفريق 53 أداة حجرية صفيحية الشكل في موقعي شانغ شان وهيهواشان الأثريين.
أدوات حصاد الأرز تعطي أدلة عن زراعته
تمتلك هذه الأدوات حوافاً حادة، وهي خشنة بشكل عام وغير مصنوعة بدقة. كانت أغلبية الأدوات أيضاً صغيرة بما بكفي ليتم إمساكها بيد واحدة؛ إذ بلغ كل من طولها وعرضها الوسطيين نحو 4 سنتيمترات فقط.
أجرى الفريق تحليلاً للتلف الناجم عن الاستخدام ولكشف بقايا سيليكا النبات بهدف تحديد ما إذا تم استخدام الأحجار الصفيحية لحصاد الأرز.
تم فحص الخدوش المجهرية الموجودة على أسطح الأدوات تحت المجهر ضمن تحليل التلف الناجم عن الاستخدام، وبيّن هذا التحليل أن نسبة 30% من الأدوات تحتوي على أنماط للتلف الناجم عن الاستخدام شبيهة بتلك التي تتسبب بتشكّلها النباتات الغنية بالسيليكا، والتي تشمل الأرز على الأرجح، بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الأشكال ذات الحواف الدائرية والشقوق الصغيرة أشبه بالأدوات التي تستخدم لقطع النباتات مقارنة بتلك التي تستخدم لتقطيع أنسجة الحيوانات أو حك الخشب.
اقرأ أيضاً: ما الفرق بين المحاصيل الشتوية والصيفية؟
قام الفريق أيضاً بتحليل البقايا المجهرية الموجودة على الصفائح الحجرية والتي تحمل اسم سيليكا النبات. يعتبر سيليكا النبات بمثابة الهيكل العظمي للنباتات. واحتوت نسبة 28% من الأدوات المدروسة على هذه البقايا.
قالت وانغ: "ما يثير الاهتمام في سيليكا النبات الموجود على الأرز هو أن قشر الأرز وأوراقه ينتج أنواعاً مختلفة من هذه المادة، ما مكّننا من تحديد الطريقة التي تم حصاد الأرز وفقها".
وجد الفريق في الاختبارين أدلة تبين أنه تم استخدام طريقتين لحصاد الأرز، الأولى هي طريقة السكين والإصبع، والثانية هي الحصاد بالمنجل. لا تزال كلتا الطريقتين تستخدمان لحصاد الأرز في قارة آسيا اليوم.
طرق حصاد الأرز
في طريقة السكين والإصبع، يتم حصاد العناقيد الزهرية التي توجد في الجزء العلوي من نبات الأرز. استنتج الباحثون من دراسة الأدوات الصفيحية التي تعود للفترة ما بين 10 آلاف و8200 سنة قبل الميلاد أن طريقة السكين والإصبع كانت الطريقة الأساسية لحصاد الأرز. تحتوي الأدوات التي استخدمت في هذه الفترة على شقوق عمودية على الحواف أو مائلة بزاوية بالنسبة لها. وأفاد فريق الباحثين بأن هذا النمط يمثّل دليلاً على أن المزارعين قاموا بحركات القطع أو الكشط وأن الأدوات احتوت على سيليكا النبات الذي أتى من البذور والقشور، ما يشير إلى أن المزارعين قاموا بحصاد الجزء العلوي من نبات الأرز.
قالت وانغ: "يحتوي نبات الأرز على العديد من العناقيد الزهرية التي تنضج في أوقات مختلفة من السنة. لذلك، فإن تقنية السكين والإصبع كانت مفيدة بشكل خاص في أثناء المراحل المبكرة من تأنيس الأرز".
اقرأ أيضاً: كيف يتحول نبات القطن إلى ملابس؟
من ناحية أخرى، تنطوي طريقة الحصاد بالمنجل على قطع الجزء السفلي من نبات الأرز. وجد الباحثون أدلة على استخدام هذه الطريقة في الأدوات التي تعود للفترة ما بين 8 آلاف إلى 7 آلاف سنة قبل الميلاد. احتوت الأدوات من هذه الفترة على شقوق كانت موازية في أغلب الحالات للحواف، ما يعني أن المزارعين اتبعوا حركة تشريحية على الأرجح.
قالت وانغ: "تم استخدام طريقة الحصاد بالمنجل بشكل واسع في الفترة التي انتشر فيها تأنيس الأرز، وكان عدد البذور الناضجة التي بقيت في النبات أكبر عند تطبيق هذه الطريقة"، وأضافت: "بما أن المزارعين كانوا يحصدون النبتة بأكملها مرة واحدة، كان من المحتمل أن تستخدم أوراق الأرز وسيقانه كوقود ومواد للبناء وأغراض أخرى، ما يجعل هذه الطريقة أكثر كفاءة. من شأن كلتا الطرقتين أن تقللا من معدل تساقط البذور عند نضجها. ولهذا السبب، نعتقد أن الانتقاء اللاواعي هو أحد العوامل التي أسهمت في تأنيس الأرز".
هناك حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث على هذه الأدوات لفهم طرائق الحصاد بشكل أفضل، ولفهم طريقة وصل الشفرات بالأدوات المختلفة وكثافة حصاد الأرز خلال المراحل المتأخرة من الثورة الزراعية بعد عام 7000 قبل الميلاد.