"إنه أجمل شيء. أريد القول للاعبين إن 30 يوماً من التضحية لمجرد تقبيل تلك الكأس لا يضاهيه شيء في حياة الرجل، إنه مثل لمس السماء"، بهذه الكلمات وصف مارادونا الجائزة التي يتنافس عليها لاعبو المنتخبات، وتأسر قلوب ملايين المشجعين من حول العالم كل 4 سنوات، في أكبر حدث في كرة القدم الدولية، الكأس الذهبية. والسؤال الآن، هل تُصنع كأس العالم حقاً من الذهب الخالص؟ وألا يحق للفريق الفائز الاحتفاظ بها؟
النسخة الأولى من كأس العالم: كأس جول ريميه
ما لا يدركه بعض متابعي كرة القدم وعشّاقها أن كأس العالم كما نعرفها اليوم ليست النسخة الأولى منها، إذ تم استخدام نسخة أخرى مختلفة في الشكل والتسمية.
صمم الإصدار الأول لكأس العالم النحّات الفرنسي أبيل لافلور عام 1930، في هيئة مجنحة لآلهة النصر في الأساطير اليونانية "نايكي" وهي تحمل كأساً مثمنة الأضلاع فوق رأسها، وإكليلاً حول رقبتها. وصل طول الكأس إلى 35 سنتيمتراً، ووزنها إلى 3.8 كيلوغرام، وصُنعت من الفضة الإسترليني المطلية بالذهب، وزوّد بقاعدة زرقاء من حجر اللازورد، تدون عليها أسماء المنتخبات التي فازت بالكأس.
اقرأ أيضاً: على أعتاب مونديال قطر 2022: إليك أرقاماً قياسية من ملاعب كرة القدم
أُطلقت عليها في السنوات الأولى تسمية كأس النصر، ثم كأس العالم أو كأس "كوب دو موند" بالفرنسية. لاحقاً، تم تغيير لقب الكأس إلى كأس جول ريميه عام 1946، نسبة لرئيس الفيفا الثالث جول ريميه (Jules Rimet) الفرنسي، والذي صوّت لتنظيم أول كأس عالم عام 1930.
قبل استبدالها بالنسخة الحالية لكأس العالم، مرّت كأس جول ريميه بأحداث طويلة، بدءاً من إخفاء نائب رئيس الفيفا أوتورينو باراسي الإيطالي الكأس تحت سريره عن عيون النازيين أثناء الحرب العالمية الثانية وبعد فوز إيطاليا بكأس العالم. وتعرّضت الكأس لمحاولة سرقة عام 1966 من أحد المعارض العامة في إنجلترا، لكن تمكن أحد الكلاب الشمامة من إيجادها ملفوفة في صحيفة ومرمية في أحد شوارع لندن.
تم تداول كأس جول ريميه بين 5 دول مختلفة، قبل أن تتقاعد في البرازيل، في نهائي كأس العالم عام 1970، حيث سُمح لهم بالاحتفاظ بها بشكل دائم تطبيقاً لقواعد الفيفا بعد نيلهم اللقب ثلاث مرات. لكن تلك لم تكن نهاية الرحلة، إذ تعرضت كأس ريميه للسرقة مرة أخرى من مقر الاتحاد البرازيلي لكرة القدم في ريو دي جانيرو، إلا أن هذه المرة لم يتمكنوا من استعادتها، لذا كانت هناك حاجة إلى تصميم جديد لكأس العالم.
النسخة الجديدة من كأس العالم
من بين 35 نحّاتاً وقع اختيار الفيفا على تصميم الفنان الإيطالي سيلفيو جازانيجا (Silvio Gazzaniga) ليكون بديلاً لكأس ريميه، فصنعتها مؤسسة بيرتوني الفنية (Stabilimento Artistico Bertoni) في ميلانو والمتخصصة في صناعة الجوائز والميداليات عام 1971. تصوّر الكأس شخصين بجسدين رياضيين يمتدان لحمل العالم في كرة أرضية لحظة الانتصار. يقول جازنيجا: "تنبثق الخطوط من القاعدة، وترتفع في حلزونات تمتد لتستقبل العالم. من التوترات الديناميكية الملحوظة للجسم المضغوط للنحت، ترتفع شخصيات اثنين من الرياضيين في لحظة الانتصار المثيرة ".
اقرأ أيضاً: ما المواد التي تصنع منها كرة قدم كأس العالم 2022 في قطر؟
هل كأس العالم الحالية مصنوعة من الذهب الخالص؟
تزن كأس العالم الحالي نحو 6.175 كيلوغرام، ويصل طوله إلى 36.8 سنتيمتر، وبعرض يبلغ 12.5 سنتيمتر، مع قاعدة مزيّنة بحجر الملكيت الأخضر (Malachite). الكأس مصنوعة من الذهب عيار 18 قيراطاً، لكنها جوفاء من الداخل، أي أنها تحتوي على 4927 غراماً من الذهب الخالص.
لا يعتمد سعر الكأس الذهبي على سعر غرام الذهب فقط، بل أيضاً على تصميمه الفريد وأهميته الثقافية، إذ قدّرت صحيفة "يو إس إيه توداي" (USA Today) الأميركية قيمته الإجمالية عام 2018 بنحو 15 مليون جنيه إسترليني.
كيف تُصنع كأس العالم؟
وفقاً لمدير الإنتاج في شركة بيرتوني "سالفاتوري إانيتي" (Salvatore Iannetti)، فإن النسخ المطابقة للكأس الذهبية يتم صنعها يدوياً وعلى أيد أمهر الحرفيين باتباع المراحل التالية:
- تبدأ العملية بسكب النحاس المصهور فوق قالب من الجبس على شكل التصميم الأصلي للكأس.
- حفر النحاس لإزالة المعدن الزائد، وتأخذ الكأس شكلها النهائي المطابق.
- تثبيت حلقتي الملكيت الأخضر في قاعدة الكأس ونقش عبارة كأس العالم بينهما.
- صقل الكأس وتشطيبها بالإزميل اليدوي.
- تلميع الكأس وإزالة الشحوم بالموجات فوق الصوتية حتى تبدو كالكأس الحقيقية.
- طهي الكأس ثلاث مرات بحمام كلفاني أي التذهيب.
- غسل الكأس بالماء المقطر ثم تجفيفها.
- تطبيق طبقة من الورنيش على كأس العالم لمزيد من اللمعان الثابت للنحاس.
اقرأ أيضاً: المبادئ الفيزيائية المعقدة وراء جعل مسار الكرة مقوساً مثلما يفعل لاعب في كأس العالم
مَن يمتلك كأس العالم؟
يستمتع أصحاب اللقب بالكأس الذهبية بعد الفوز بالنهائي، برفعها عالياً فوق رؤوسهم إعلاناً بفوزهم، وبأخذ الصور التذكارية معها، ويُنقش اسم الفائز على قاعدة الكأس. لكن الكأس لا تعود معهم إلى بلدهم، على عكس كأس جول ريميه، لم تسمح قواعد الفيفا الجديدة بوصاية أحد غيرها على الكأس. عوضاً عن ذلك، يحصل المنتخب الفائز على نسخة طبق الأصل من الكأس، تُصنع من النحاس المطلي بالذهب، بينما يستعيد الفيفا الكأس الأصلية.
تحتفظ الفيفا بالنسخة الأصلية من كأس العالم تحت حراسة أمنية مشددة في متحف كرة القدم العالمي في مدينة زيورخ السويسرية، والذي يمتلك واحداً من أكثر أنظمة الأمان تعقيداً في سويسرا، تجنباً لوقوع حادثة سرقة مشابهة لما حدث مع الكأس الأولى.
جولة كأس العالم
منذ عام 2006، منحت الفيفا بالتعاون مع شركة كوكا كولا، الراعي الرسمي لكأس العالم، آلاف المشجعين حول العالم الفرصة لمشاهدة أكثر الرموز الرياضية شهرة في العالم، وشحذ مشاعرهم ومنحهم الإثارة لمتابعة البطولة.
في البطولة المقامة في دولة قطر، انطلقت جولة كأس العالم بدءاً من دبي في الإمارات العربية المتحدة، حيث حمل اللاعبان السابقان إيكر كاسياس وريكاردو كاكا الكأس إلى جميع الدول المتأهلة.
في المجموع، ستحط الكأس رحالها في 51 دولة، ما يجعل الفيفا أكثر قرباً من هدفها في أن تزور الكأس كل اتحاد من الاتحادات الأعضاء الـ211 في الفيفا بحلول 2030.
اقرأ أيضاً: كيف ستبدو كرة القدم عام 2050؟
مع تزايد أعداد المنتخبات التي تفوز بالكأس تقل المساحة المتبقية في قاعدة الكأس لنقش الأسماء عليها، لذا ومع قدوم بطولة عام 2030، قد نحتاج كأساً جديدة، وربما بتصميم آخر. بجميع الأحوال، وسواء صنعت كأس العالم من الذهب الخالص، أم طُليت به فقط، فإن للكأس قيمة ثقافية لا مثيل لها.