كطفل، ربما سمعت لأول مرة عن حشرات أبو مقص (أو لِمّة الأذن) ككائنات أسطورية تعيش في الحدائق التي كنت تلعب فيها. وعلى الرغم من أن هذه الحشرات الصغيرة الملتويّة تعيش في نفس المخابئ الخشبية التي تعيش فيها حشرات الأرماديلا وغيرها من الحشرات الزاحفة، فإن هذه الحشرات، كما يقال، ستجد طريقها إلى التجاويف العميقة لقناة أذنك إذا لم تكن حريصاً.
تقول الأسطورة إن هذه الحشرات لا تعيش فقط في الحدائق. إذ كتب عدد مذهل من علماء الحشرات وعلماء وصف الأعراق البشرية في العديد من المجلات الطبية عن حشرات أبو مقص، ويقدّرون جميعاً أن اسمها يعود لمئات أو آلاف السنين. اعتماداً على المصدر الذي تقرأ فيه، يمكن أن يكون منشأ هذه الحشرات أساطير أوروبا الوسطى أو الأساطير الإنجليزية القديمة التي تذكر أن حشرات أبو مقص "تزحف إلى آذان النائمين"، ومن هناك إلى أدمغتهم حيث يمكن أن تتسبب بالجنون.
لكن على الرغم من أن الأبحاث التي تصف هذه الحشرات في المجلات الطبية تركّز على التقارير المشتتة عن سلوك هذه الحشرات، يؤكّد علماء الحشرات أن هذه الفكرة ليست منطقية بالنظر لما يعرفونه عن حشرات أبو مقص.
في حين أن حشرات أبو مقص، وهي رتبة من الحشرات تحتوي على 2000 نوع مختلف تعيش في 6 قارات، تستخدم بالفعل ملاقطها المخيفة (أو كلّاباتها) لاصطياد فرائسها وتثبيت بعضها خلال التزاوج، إلا أنها أصغر بكثير من أن تخترق جلد البشر. تتغذّى هذه الحشرات بشكل أساسي على النباتات. وتلتقط الحشرات الميتة أو التي تتحرك ببطء فقط عندما تسنح لها الفرصة. (تمتص بعض أنواع حشرات أبو مقص دم الجرذان وتتغذّى عليه. ولكنها تبدو مختلفة للغاية عن الأنواع الشائعة). تفضّل حشرات أبو مقص العيش في الشقوق الصغيرة والرطبة. وعندما تعيش في منازل البشر، غالباً خلال فصل الصيف، فهي تفضّل العيش في الأقبية والأرضيات بدلاً من الأسرّة. وعلى الرغم من أن الممرات الضيقة في جانب رأس الإنسان تبدو وكأنها تناسب احتياجات هذه الحشرات، فإن صملاخ الأذن يعتبر طارداً فعالاً للحشرات لدرجة أن الباحثين ناقشوا في ورقة علمية واحدة على الأقل إمكانية استخدامه كبديل لمركّب يحمل اسم ن،ن-ثنائي أثيل-ميتا-تولواميد الذي يعتبر المكون الرئيس في معظم المواد الطاردة للحشرات.
أساطير حول حشرة أبو مقص في مختلف الثقافات
انتشرت أسطورة هذه الحشرات في مختلف أنحاء العالم. إذ إنها تدعى في اللغة الألمانية "ديدان الأذن"، وفي اللغة الفرنسية "ثاقبات الأذن". أفاد مسح أجري في 2016 للفلكلور الأوروبي الحديث المتعلق بالحشرات بأن حشرات أبو مقص "تتسلق إلى الأذن وتثقبها"، ما يمكن أن يتسبب أحياناً بالصمم. يبدو أن هذا نتج عن قصص أقدم بكثير. إذ إن بعض الكتّاب يرجعون أصل الأسطورة إلى كتاب "التاريخ الطبيعي" الذي كتبه المؤلّف الروماني بلينيوس الأكبر، والذي نشر في القرن الأول الميلادي.
ذكرت ماي بيرينباوم (May Berenbaum)، عالمة بيئات الحشرات القديرة في جامعة إلينوي في مجلة علماء الحشرات الأميركيين في 2007 أنه على الرغم من وجود تقارير تفيد بإيجاد حشرات أبو مقص في آذان البشر، فإن هذه التقارير قليلة وتفصل بينها فترات زمنية طويلة. تعتبر هذه التقارير نادرة للغاية لدرجة أن مؤلف أحد القواميس في عام 1783 كان يشكّ في أصل الكلمة التي تشير لهذه الحشرات، ووصف حوادث دخولها إلى آذان البشر بأنها "لم توثّق على الإطلاق على الأرجح". أفاد تقريران من ولاية أريزونا الأميركية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بوجود حشرات أبو مقص في آذان البشر. إذ كتب طبيب من مدينة فينيكس في عام 1986 واصفاً ابنته التي تبلغ 8 أعوام ما يلي: "كانت تنام نوماً خفيفاً واستيقظت بسبب سماع صوت قدمين صغيرتين'". عندما فحص الطبيب أذن ابنته، رأى ما وصفه بأنه حشرة أبو مقص، والتي لاحظ "خروجها من الأذن بحذر" تحت ضوء منظار الأذن الخاص به حسب تعبيره.
منذ ذلك الحين، ذُكرت حالة واحدة على الأقل عن دخول حشرة أبو مقص إلى أذن بشرية في الصحف. إذ إنه في عام 2021، عالج فريق من الأطباء في مستشفى مدينة سيول الجامعية مريضة تبلغ من العمر 24 عاماً كانت تُظهر أعراض طنين الأذن وتعاني من "اهتياج شديد". تمكّن الأطباء من إزالة حشرة أبو مقص من أذن المريضة باستخدام الملاقط. ولم تعانِ المريضة من أي ضرر دائم. لكن قبل أن يزيل الأطباء هذه الحشرة، قاموا بتسجيل مقطع فيديو لها، وكان هذا المقطع الأول من نوعه الذي وثّق وجود إحدى حشرات أبو مقص في أذن بشرية.
قال الطبيب سابق الذكر من مدينة فينيكس: "تمنح هذه الحادثة بعض المصداقية للأسطورة القديمة". لكن مع ذلك، يفترض أن يجد العلماء المزيد من الأدلة العلمية على هذه الظاهرة لو كانت حشرات أبو مقص تجد طريقها بشكل متكرر إلى آذان البشر.
أفاد فريق أطباء مستشفى سيول الجامعي بأنه من المحتمل أن حشرات أبو مقص يتم تجاهلها بسبب وجود الكثير من الأشياء الأخرى التي يستخرجها الأطباء من القنوات الأذنية البشرية. إذ قالوا: "بالنظر إلى أن الأطباء السريرين يفحصون العديد من المرضى الذين تحتوي آذانهم على الحشرات في العيادات، قد لا تكون الحالة الأخيرة [نادرة] لهذه الدرجة".
استنتجت بيرينباوم بعد التدقيق في الأدبيات العلمية التي تتعلق بحالات دخول الحشرات آذان البشر أن الصراصير هي الحشرات المسؤولة عن أغلبية هذه الحالات. على الأرجح لأنها تعيش في أماكن عيش البشر. في الواقع، ذكرت بيرينباوم أنه "من بين جميع الحيوانات المفصلية التي تم الإبلاغ عن أنها تدخل آذان البشر، حشرات أبو مقص هي الوحيدة التي لم يتم توثيق أنها تفعل ذلك".
غياب الدقة في الكتابات القديمة التي وصفتها
لكن هذا لا ينفي القصص التاريخية تماماً. ربما كان القش الذي كان ينام عليه البشر في العصور الوسطى مكاناً ملائماً لهذه الحشرات، والتي انتقلت منه إلى آذان البشر. ذُكر في التقاليد الهنغارية (والتي تكون غالباً دقيقة في وصف سلوك اللافقاريات الأخرى وفقاً لمفهرسيها) أنه إذا علّق شخص ما معطفه على شجرة، ستزحف حشرات أبو مقص لتعيش فيه.
اقرأ أيضاً: حفرية لحشرة قاتلة تخبرنا عن تكاثر الحشرات
ضع في اعتبارك أن الكتابات التي تصف هذه الحشرات تتأثر بالطريقة التي يريد بها الكتاب القارئين أن يفكّروا بهذه الحشرات، إما كجزء من أساطير قديمة أو كحشرات قمّامة يُساء فهمها. خذ هذا الذكر لحشرة أبو مقص في كتابات بلينيوس الأكبر والذي يستشهد به كثيراً كمثال: توجّه النصوص القارئ للاعتقاد بأنه إذا اكتشف وجود كائن حي في أذنه، فقد يبصق شخص آخر فيها لإخراج هذا الكائن. أحياناً، تترجم الكلمة الواردة في النص والتي تصف هذه الحشرة إلى "حشرة أبو مقص"، وأحياناً إلى "حشرة" فقط. ربما تكمن الفكرة في أن أي حشرة يمكن تسميتها لمّة الأذن إذا دخلت إلى أذن أحد ما.