هل يمكن لقطة شرودنجر أن توجد في حياتنا الواقعية؟ هذا هو التساؤل الأساسي الذي سنجيب عنه في مقالتنا هذه.
هل كنت من قبل في مكانين معاً بنفس الوقت؟ إذا كنت أكبر بكثير من الذرّة، فالجواب سيكون لا. لكن الذرات والجسيمات تحكمها قواعد ميكانيك الكم، ووفقاً لها يمكن أن تحدث معاً أكثر من حالة مختلفة. توصف الأنظمة الكمومية بما يُدعى بـ «الدالة الموجية»: وهي كائن رياضي يعيّن احتمالات الحالات المختلفة الممكنة.
يمكن للحالات المختلفة أن توجد معاً ضمن الدالة الموجية، وهذا يُدعى «تراكب» الحالات. على سبيل المثال، وجود جسيم في أكثر من مكان بنفس الوقت يُدعى «التراكب المكاني». فقط في حال القيام بقياس، «تنهار» الدالة الموجية، ويأخذ النظام حالة محددة.
بشكلٍ عام، تنطبق قواعد ميكانيك الكم في المقاييس الصغيرة؛ الذرية ودون الذرية. بينما فتباعتها على المقاييس الكبيرة ليست محسومة بعد.
في بحثنا الخاص، والذي نُشر في 15 أكتوبر/ تشرين الأول في دورية أوبتيكا، اقترحنا تجربة قد تجيب عن السؤال الصعب مرة وللأبد.
قطة إرفين شرودنجر
في ثلاثينيات القرن الماضي، خرج الفيزيائي النمساوي إرفين شرودينجر بتجربته الذهنية الشهيرة التي تتضمن وضع قطة داخل صندوق، حيث يمكن اعتبارها حية وميتة بنفس الوقت وفقاً لقواعد ميكانيك الكم.
توجد القطة في صندوق مقفل حيث يكون احتمال أن يقتلها حدث كمومي عشوائي هو 50%. حتى يُفتح الصندوق وتُرصد القطة، فإنها تعتبر ميتة وحية بنفس الوقت.
بكلمات أخرى، توجد القطة كدالة موجية (تعبر عن عدة حالات ممكنة) قبل رصدها. وعند الرصد، تأخذ حالة محددة.
بعد الكثير من النقاشات، وصل المجتمع العلمي وقتها إلى إجماع على «تفسير كوبنهاجن»، الذي ينص على أن قواعد ميكانيك الكم يمكن أن تنطبق على الذرات والجزيئات، ولكنها تعجز عن وصف الأجسام الأكبر.
اتضح أنهم كانوا على خطأ.
خلال العقدين المنصرمين أو نحو ذلك، ولّد العلماء حالات كمومية في أجسام مؤلفة من تريليونات الذرات، وهي أجسام كبيرة بما يكفي لتُرى بالعين المجردة. مع ذلك، هذه الحالات لم تتضمن التراكب المكاني.
كيف تصبح الدالة الموجية حقيقية؟
إذا كيف تتحول الدالة الموجية إلى شيء «حقيقي»؟
هذا ما يدعوه الفيزيائيون بـ «مشكلة القياس». وهي مشكلة حيرت العلماء والفلاسفة لحوالي قرن من الزمن.
إذا وُجدت آلية ما تلغي إمكانية التراكب الكمومي في الأجسام على المقاييس الكبيرة، فستتطلب «اضطراب» الدالة الموجية بطريقة ما، وهذا من شأنه أن يولد الحرارة.
إذا رصدت هكذا حرارة، فسيقتضي ذلك أن التراكب الكمومي على المقاييس الكبيرة مستحيل. وإذا لم ترصد، فعلى الأرجح أن الطبيعة لا تمانع أن تكون «كمومية» على أي مقياس.
إذا كانت الحالة الأخيرة صحيحة، فسنكون قادرين مع تقدم التكنولوجيا على أن نضع الأجسام الكبيرة، ربما كائنات واعية حتى، في حالات كمومية.
لا يعلم الفيزيائيون ما ستكون طبيعة الآلية التي قد تمنع التراكب الكمومي على المقاييس الكبيرة. وفقاً لبعضهم، قد تكون حقلاً كوزمولوجياً مجهولاً. بينما يتوقع آخرون أن الجاذبية قد تلعب دوراً في ذلك.
يعتقد الفيزيائي «روجر بنروز» -الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء 2020- أن الآلية قد تنتج عن «وعي الكائنات الحية».
ملاحقة الحركات الصغيرة
على مر العقد المنصرم أو نحو ذلك، بحث الفيزيائيون بجهد عن كميات ضئيلة من الحرارة التي قد تشير لاضطراب في الدالة الموجية.
ولرصد الحرارة هذه، نحن بحاجة إلى تطبيق طريقة تمكننا من تثبيط كل مصادر الحرارة «الفائضة» الأخرى التي قد تعيق قياسنا الدقيق بأفضل طريقة ممكنة.
قد نحتاج أيضاً للحد من أثر ما يدعى بـ «الفعل الكمومي الراجع»، والذي يعني توليد الحرارة عن طريق عملية الرصد بحد ذاتها.
في بحثنا، صممنا هكذا تجربة، وهي يمكن أن تبين ما إذا كان التراكب المكاني ممكناً بالنسبة للأجسام على المقاييس الكبيرة. لم تستطع أفضل التجارب حتى الآن أن تحقق ذلك.
إيجاد الجواب عن طريق أشعة صغيرة مهتزة
نطرح في تجربتنا استخدام رنّانات على تواترات أعلى بكثير من أي وقت مضى. هذا سيحل مشكلة الحرارة التي تأتي من الإبريق نفسه.
كما هو الحال في التجارب السابقة، سنحتاج لاستخدام إبريق على درجة حرارة 0.01 كلفن فوق الصفر المطلق. (وهي أخفض درجة حرارة ممكنة نظرياً).
عن طريق المزج بين درجات الحرارة المنخفضة للغاية والتواترات العالية للغاية، تخضع الاهتزازات داخل الرنانات لعمية تدعى «تكاثف بوز».
يمكنك تخيل هذه العملية على النحو التالي: الرنان يصبح مجمداً بشكل صلب للغاية لدرجة أن الحرارة في الإبريق لا تستطيع هزّه، ولو قليلاً.
نقترح أيضاً استخدام آلية رصدية مختلفة لا تتبع تحركات الرنان على الإطلاق، بل تلاحق كمية الطاقة المختزنة فيه. هذه الآلية تخفض الحرارة الناتجة من عملية الرصد بشكل كبير أيضاً.
لكن كيف لنا أن ننجز هذه التجربة؟
تدخل جسيمات الضوء فراداً إلى الرنان وترتد إلى الأمام والخلف بضع ملايين من المرات، ممتصة الطاقة الفائضة. تترك الفوتونات الرنان في النهاية، حاملة الطاقة الفائضة للخارج.
عن طريق قياس طاقة الفوتونات الخارجة، يمكننا تحديد ما إذا كان هناك حرارة داخل الرنان.
إذا وجد الحرارة فعلاً، فهذا سيشير لوجود مصدر مجهول (لم تُصمَّم التجربة لرصده) سبّب اضطراب الدالة الموجية. وهذا يعني أن التراكب الكمومي مستحيل على المقاييس الكبيرة.
هل كل شي كمومي؟
إن التجربة التي اقترحناها صعبة التحقيق. وهي ليست من التجارب التي يمكنك تجهيزها بسهولة في أي يوم. قد يستغرق تطويرها عدة سنوات، ويكلف ملايين الدولارات، ويتطلب وجود عدد كبير من الفيزيائيين التجريبيين الماهرين.
مع ذلك، فالتجربة قد تجيب عن واحد من أروع الأسئلة المتعلقة بالواقع: هل كل شي كمومي؟ ولذلك، نعتقد فعلاً أنها تستحق المحاولة.
بينما بالنسبة إلى وضع إنسان، أو قطة، في حالة من التراكب الكمومي. فليس هنالك من طريقة يمكن أن نعرف فيها ما قد يكون أثر ذلك على الكائن نفسه.
لحسن الحظ، هذا سؤال لا نحتاج للتفكير فيه، حالياً.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً