أزمة تعصف بالوسط العلمي: ما هي مشكلة عدم قابلية تكرار نتائج الأبحاث العلمية؟

لماذا تعاني الدراسات المنشورة من عدم قابلية تكرار النتائج؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Lightly Stranded
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يكفي أن نقرأ عبارة “أشارت دراسة منشورة في دورية ما” أو “بناء على النتائج التي توصلت إليها دراسة منشورة في دورية ما” لأن نشعر بالثقة ومصداقية هذه الدراسات والأبحاث المنشورة. لكن، وحتى تكون الدراسة صحيحة يجب أن تكون نتائجها قابلة للتكرار، وهذا يعني أنه إذا أعاد العلماء والباحثون تنفيذ هذه التجارب، فسوف يحصلون على النتائج السابقة نفسها.

لكن وفي الواقع، يبدو أن ثمة أزمة حقيقية تهدد سمعة الدراسات المنشورة وهي أزمة تكرار نتائج التجارب العلمية، إذ إن العلماء فشلوا في تكرار نتائج نسبة كبيرة من الأبحاث في العديد من التخصصات، سواء الطبية أو الاجتماعية أو النفسية. فما المقصود بأزمة تكرار نتائج التجارب العلمية وما أسبابها وما قابلية تكرار نتائج الدراسات المنشورة في المجالات العلمية المختلفة؟

اقرأ أيضاً: لماذا تراجعت الاكتشافات العلمية الثورية؟

ما هي أزمة تكرار نتائج التجارب العلمية؟

قابلية تكرار نتائج الأبحاث العلمية هي الحصول على نتائج متماثلة في كل مرة يتم فيها تكرار التجربة، إما بواسطة الباحث نفسه أو بواسطة باحث آخر. وعلى الرغم من أن قابلية تكرار النتائج تصب في صميم العلم، فإن الفشل في ذلك هو السائد في الأبحاث، وهو ما يُعرف بأزمة تكرار نتائج التجارب العلمية (Replication Crisis)، التي قد تُعرف أيضاً بأزمة قابلية تكرار النتائج العلمية (Reproducibility Crisis)؛ أي عدم قدرة العلماء على الحصول على النتائج نفسها بعد إعادة التجربة ذاتها. في الواقع، لقد أدرك العديد من الهيئات أنه يصعب أو يكاد يكون من المستحيل إعادة إنتاج نتائج العديد من الدراسات العلمية بشكلٍ دقيق.

إن عدم القدرة على إعادة إنتاج النتائج نفسها لدراسة أو نظرية ما يقوّض مصداقيتها، وتؤثّر في منهجية البحث العلمي، ما قد يسبب ضياع المعرفة العلمية القيّمة. تعد عملية مراجعة الأقران جزءاً لا يتجزأ من البحث العلمي، وفي حال تعثرت إعادة إنتاج النتائج والبيانات، فلن يكون من الممكن التحقق من صحة الدراسات العلمية. تؤثر هذه الأزمة بشكلٍ خاص في العلوم الطبية والاجتماعية، وقد بُذل الكثير من الجهود في هذه المجالات لإعادة النظر في النتائج الكلاسيكية، والتأكيد على جدواها، وتقييم أسباب فشلها في حال تبين أنها غير موثوقة.

اقرأ أيضاً: كيف عززت المفارقات العلمية طريقة تفكير الإنسان؟ إليك أشهرها

ما أسباب أزمة تكرار نتائج التجارب العلمية؟

ثمة العديد من الأسباب التي قد تُفسّر انخفاض القدرة على إعادة تكرار نتائج التجارب العلمية مثل:

  • تحيّز النشر وانتقاء تسجيل النتائج؛ إذ يمكن أن تنحرف الدراسات إحصائياً لتسجيل النتائج المهمة بشكلٍ يطغى على النتائج الصحيحة.
  • الافتقار إلى فهم المبادئ الإحصائية الأساسية.
  • التصميم السيئ للتجارب أو التباين في الوسائل والأساليب المستخدمة في تنفيذها.
  • انجراف البيانات وهو الاستخدام غير الملائم لاستخراج البيانات للكشف عن العلاقات المضللة فيها.
  • الافتراض بعد معرفة النتائج.
  • الفشل في الالتزام بالممارسات العملية الجيدة من أجل إحراز معدلات غير مسبوقة من الدراسات المنشورة والبيانات الجديدة.
  • الوقوع تحت ضغط الرغبة الشديدة في نشر الدراسات.
  • التوجيه غير الكافي من كبار العلماء والمنافسة الشديدة بين أعضاء المختبرات في بيئة النشر، وعدم كفاية الموارد لإجراء البحث.

حجم المشكلة وقابلية تكرار النتائج في المجالات العلمية المختلفة

في استطلاع لدورية نيتشر (Nature) نشرته عام 2016، شارك فيه 1,576 باحثاً من تخصصات مختلفة مجيبين عن استبيان قصير على الإنترنت عن قابلية تكرار نتائج التجارب العلمية، كشف الاستبيان أن أكثر من 75% من الباحثين قد فشلوا في تكرار نتائج تجارب أجراها باحثون آخرون، بل إن أكثر من 50% منهم قد فشلوا في تكرار تجاربهم الخاصة.

وعلى الرغم من أن أكثر من نصف العلماء الذين شاركوا في الاستطلاع يتفقون على وجود أزمة حقيقية في تكرار نتائج التجارب العلمية، فإن معظمهم ما زالوا يثقون بنتائج الدراسات والأبحاث العلمية المنشورة، في حين أن 31% منهم يعتقدون أن الفشل في تكرار النتائج يعني أن النتائج ربما تكون خاطئة.

وتفيد الدراسات بأن نسبة نجاح تكرار نتائج الأبحاث العلمية تبلغ 40% في مجال علم النفس، بينما تبلغ 10% فقط في مجال علوم بيولوجيا السرطان. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الدراسات المتعلقة بتصوير الدماغ كانت صعبة التكرار بسبب ضعفها الإحصائي. وعلى الرغم من هذه النسب القاتمة، فإن 73% ممن شملهم الاستطلاع قالوا إنه يثقون بنصف الأوراق البحثية المنشورة في تخصصاتهم على الأقل، وقد أظهر الفيزيائيون والكيميائيون ثقة أكبر في نتائج أبحاثهم، في حين كان المهنيون الطبيون وعلماء الأحياء أقل ثقة.

اقرأ أيضاً: بين الحِرف والمعرفة العلمية: هل نصبح علماء أفضل باتّباع الأساليب القديمة؟

ما الحلول الممكنة لأزمة تكرار نتائج الدراسات البحثية؟

ليس من الواضح تماماً كيف يمكن جعل الدراسات والأبحاث العلمية أكثر قابلية للتكرار، فتكرار نتائج التجارب العلمية بشكلٍ كامل قد لا يكون ممكناً في البحث العلمي. ومع ذلك، فقد اقترح الباحثون المشاركون في استطلاع دورية نيتشر مجموعة من الحلول مثل: الفهم الأفضل للمبادئ الإحصائية، والتوجيه الأفضل من كبار الباحثين، وتصميم التجارب بشكلٍ أكثر قوة، وإجراء المزيد من التحقق داخل المختبرات، وأن يبذل الباحثون قصارى جهودهم في جعل نتائجهم قوية قدر الإمكان.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تتبنى المجلات ومنظمات التمويل والمؤسسات البحثية معايير أكثر صرامة لقبول الأوراق البحثية، حتى ولو كان على حساب زيادة وقت مراجعة الأقران، بحيث يتبنى المزيد من الباحثين هذه الممارسات ويوفّرون مزيداً من الثقة لاكتشافاتهم العلمية. وقد يكون أيضاً من المفيد أن يحصل تعاون فعّال بين الباحثين الذين يتناولون موضوعات بحثية مماثلة، ما قد يوفّر منتدى يمكن للباحثين من خلاله التحقق من صحة عملهم بدقة والتقدم أكثر في وظائفهم البحثية.