الأضواء المتلألئة وليالي السهر في نهاية العام، بالنسبة للكثير من الناس، لن تكون أمسية جيدة بدون شجرة حقيقية. لكن ما هو الأثر الذي يُحدثه إحضار شجرة حقيقية للمنزل على البيئة؟
الجواب معقد بشكلٍ مفاجئ، لكن لنبدأ عند البداية. وفقاً لتقدير «دوغ هندلي»، المتحدّث رسمي باسم جمعية أشجار الميلاد الوطنية، فإن أشجار الميلاد تُزرع في حوالي 15000 مزرعة في الولايات المتّحدة. فقد اشترى المستهلكون حوالي 32 مليون شجرة السنة الماضية، وأغلب هذه الأشجار -التي تُشكّل 79% من الحصاد السنوي- تأتي من ولايتيّ أوريغون وكارولينا الشمالية، بينما يأتي بعضها الآخر من ولايات ميشيغان وبنسلفانيا. كل الأشجار تقوم برحلة طويلة (وأحياناً مثيرة) من بداياتها كشتلات صغيرة، إلى أن تصل إلى المنازل للتزيين في مواسم الأعياد.
رحلة أشجار عيد الميلاد
تُستخلص الشتلات من الأشجار الموجودة سلفاً بتكلفة باهظة، ثم تتم رعايتها في المشاتل، وعندما تصل لطول قدم واحدة (0.3 م تقريباً) تُزرع في مزارع الأشجار؛ حيث تقضي قرابة عقد من الزمن في النمو. معظم المزارع صغيرة نسبياً، مثلاً في 2017، زرع معظم المزارعين الأشجار في مساحات أقل من 0.04 كم مربع، لكن هذا لا يعني أنّ المتاجرة بأشجار الميلاد ليست تجارة كبيرة.
قُطعت الأشجار عن طريق عمّال باستخدام المناشير في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017. وتُنزع الأشجار المقطوعة من الأرض في المزارع الكبيرة عن طريق طائرات مروحية تنقلها إلى شاحنات مخصصة لحمايتها من التكسّر أو التلوّث في طريقها إلى السوق. تصل الأشجار لاحقاً إلى الأماكن المخصصة للبيع أو المتاجر الكبيرة، على الرغم من أنّ ثلث المبيعات تحصل في المزارع نفسها ضمن نشاطات «الانتقاء والقطع».
مثل أي سلعة، فإن أشجار الميلاد لها أثر على البيئة، وليس فقط لأننا نستخدم الطائرات المروحية والشاحنات التي تستهلك الوقود في نقلها، بل استخدام الأسمدة ومبيدات الآفات، وهما العاملان الرئيسيّان. تقول «لين وندرليك»؛ مستشارة مَزارع من مُلحق جامعة كاليفورنيا التعاوني في سييرا بوسط كاليفورنيا: «تُستخدم المبيدات الحشرية بشكل واسع في مختلف الأماكن».
يستخدم مُزارعو أشجار الميلاد نظام إدارة المبيدات المُدمج؛ والذي يجمع بين استخدام المبيدات وتحديدها ومراقبتها. يحدد المزارعون أنواع المبيدات والمفترسات الطبيعية في حقولهم، ويستخدمون المبيدات فقط عند الحاجة للحفاظ على توازن بين الاثنين، كما يختارون الأشجار المُقاومة للمبيدات باستمرار، فقد أصبحت الأنواع الأوروبية النادرة؛ مثل الشوح القوقازي، أكثر رواجاً لأنّها تقاوم بعض أنواع الفطور والحشرات.
اقرأ أيضا: صور مذهلة للأرض من الفضاء احتفالاً باليوم العالمي للبيئة
يُعتبر «الجليفوسات»، المعروف تجارياً أيضاً باسم «راوند أب»، أحد أنواع مبيدات الآفات الخاصة بأشجار الميلاد المثيرة للجدل، ورُبط استخدام هذا المبيد بمختلف المشاكل من السرطان إلى تطوّر «الأعشاب الفائقة»، لكن مزارعي أشجار الميلاد يستخدمونه للتحكّم بالنباتات النامية التي تنافس الشتلات، وجزّ الممرات بين صفوف الأشجار. مع ذلك، يستخدم المزارعون كميات صغيرة نسبياً من المبيد العشبي، وهدف ذلك هو تثبيط نمو الأعشاب، وليس قتلها. الحفاظ على القليل من الغطاء العشبي بين الأشجار يقي من بعض المتطفّلات النباتيّة؛ مثل أشواك القصوان وأعشاب عنق الثِّيل، ويمنع تعرية التربة.
تقول وندرليك أنه بما أنّ «راوند أب» يُستخدم بكميات قليلة، وليس على الأشجار مباشرة، فليس هناك داع لأن يقلق المستهلكون حول وجود رواسب من المبيد حين يأتي وقت الحصاد. وأيضاً، المستهلكون الذين يقطعون أشجارهم الخاصة، أو الذين يشترون الأشجار من المزارعين الذين لا يستخدمون المبيدات يشتكون أحياناً من وجود «عسل المن»؛ وهو سائل لزج تُفرزه حشرات المنّ. الخلاصة حسب وندرليك: «أشجار الميلاد تعاني من مشاكل متعلقة بالمبيدات».
تعتمد حاجة أشجار الميلاد إلى كميات كبيرة من الماء على مكان زراعتها. في كاليفورنيا، يستخدم مزارعو أشجار الميلاد الريّ بالتنقيط. تقول وندرليك: «تستهلك أشجار الميلاد كميات أكبر من الماء مقارنة بحقول العنب، وأقل مقارنة بأشجار الفاكهة، وكميات أقل بكثير من أشجار اللوز».
بحسب هندلي؛ في شمال كارولينا: «نحن لا نستخدم الري، بل نخاطر ونعتمد على مياه الأمطار». على الرغم من أنّ الأشجار تُسقى خلال السنة الأولى، إلا أنّ المزارعين في هذه الولاية يعتمدون على الطبيعة في المراحل التالية؛ هذا يعني أنّ جفاف الطقس يمكن أن يقضي أحياناً على أعداد كبيرة من الأشجار، لكن هذه الآلية تفيد في توفير الموارد على المدى الطويل.
الأشجار لا تَستهلك فقط، بل إنها تمنحنا هبة خلال نموها، فمثل النباتات الأخرى، أشجار الميلاد تلتقط ثاني أوكسيد الكربون وتخزّنه في أغصانها وجذورها وأوراقها. مع ذلك، يبيّن موقع استشارات الاستدامة «إليبسوس» أنّ مقدار حصر الكربون يمكن أن يتغير مع تغيُّر عدة عوامل بيئية؛ مثل معدلات الأمطار وتركيب التربة.
اقرأ أيضا: النفايات الإلكترونية: مشكلة عالمية تهدد الصحة والبيئة
إذاً أي نوع من الأشجار هو الأرفق بالبيئة؟
تقول وندرليك: «الأشجار الاصطناعية لها آثار بيئية كبيرة»، ومن غير المفاجئ أنّ هندلي يوافق على هذا الكلام قائلاً: «معظم الأشجار الاصطناعية تُصنع في الصين، وهي مصنوعة من البلاستيك والمعادن وينتهي المطاف بها في مكبّات النفايات».
عندما قارن «إليبسوس» بين الآثار البيئية الناتجة عن الأشجار الاصطناعية خلال سنة واحدة وآثار شجرة ميلاد حقيقة واحدة فقط، أنتجت الأولى 8 كلغ من ثاني أوكسيد الكربون؛ ما يقابل قيادة سيارة لمسافة 322 كم تقريباً، بينما أنتجت الأخيرة 3.1 كلغ؛ ما يقابل 124 كم تقريباً. (بالطبع، معظم الأشجار الاصطناعية تُصنع لتُستخدم لأكثر من سنة واحدة، وقدّر إليبسوس أنّ العمر الوسطي لهذا المنتج هو 6 سنوات). بيّن تحليل آخر تم تمويله عن طريق جمعية شجرة الميلاد الأميركية (والتي أسسها توماس هاردمان) أرقاماً تميل لصالح الأشجار الاصطناعية.
لكن الواقع هو أنّ الآثار البيئية لكلا النوعين تتغير اعتماداً على المسافة التي تقطعها لتجلب الشجرة، وهل تستخدم الأشجار لأكثر من مرة أم تُلقى في القمامة، وإن كانت اصطناعية أم لا، وأخيراً مدّة استخدامك لها. من الممكن أن تحتفظ بشجرة اصطناعية لفترة كافية تجعلها صديقة للبيئة أكثر من شجرة حقيقية، وذلك من ناحية الموارد التي استهلكتها وغازات الدفيئة التي تُطلق، لكن هذا صحيح بافتراض أنك تستخدم المنتج عالي الجودة نفسه عاماً بعد عام، كما أنّ الأشجار الحقيقية يمكن أن تعوضك أكثر من غيرها بعد انتهاء موسم الأعياد: الأشجار المجللة تتحول إلى تربة حرفياً، مما يساعد نمو نباتات جديدة ويزيد امتصاص الكربون، في المقابل، المكان الوحيد الذي يمكن أن تذهب إليه الأشجار الاصطناعية هو مكب النفايات.
تقترح وندرليك أنه للحصول على أكثر الأشجار رفقاً بالبيئة، يجب أن تتعرف على مزارع الأشجار المحلية؛ إذ تقول: «أفضل شيء هو اعتماد المزارعِ المحليّة».
إذا لا زلت تفضّل الأشجار الاصطناعية، فلا داع لأن تجلد نفسك، لكن كن مستعداً لاستخدام الشجرة لعدّة أعياد ميلاد. إذا أطلت عمر الشجرة لـ 20 سنة، يمكنك تقليل الآثار البيئية لها؛ وذلك وفقاً لإليبسوس. في الواقع، يقترح التقرير أنه إذا اضطررت للسفر لأكثر من 16 كم للحصول على شجرة، فمن الأفضل أن تشتري واحدة اصطناعية من مكان أقرب من منزلك.
إذا اشتريت شجرة حقيقية هذه السنة، استمتع بها، فقد يكون تغيّر المناخ المتّسم بالأجواء المتطرفة والظروف المتغيّرة باستمرار سبباً في جعل أشجار الميلاد غير ضرورية. يقول هندلي: «هذا أمر قد يضطر الجيل التالي للتعامل معه»، وتوافق وندرليك توافق قائلةً: «بالطبع أشجار الميلاد ليست بأهميّة الطعام، إذ أنّها شكل من أشكال الرفاهية حالياً».
تتوقّع وندرليك اختفاء مزارع أشجار الميلاد في المستقبل، مما سيجعل هذا المنتج أكثر تكلفة، أو يمنعنا من الاستمتاع بهذا الطقس كلياً. هذا يدفعنا أكثر لتوفير الموارد والاستمتاع بالعطلة، وإعادة تدوير أشجار الميلاد الحقيقية إذا أمكن ذلك. بغض النظر عن الشكل الذي تفضّله، يقترح إليبسوس طريقة سهلة لتخفيف الآثار السلبية: حتى تتخلص من الذنب المرافق لشراء شجرة ميلاد، تشارَك سيارة عند الذهاب لعمل أو استخدم الدراجة الهوائية لمدة أسبوع إلى 3 أسابيع سنوياً.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً
اقرأ أيضا: صديق للبيئة: جهاز يمكن ارتداؤه يحول الجسم إلى بطارية