لقد حُسم الأمر، أصبحت أيام الثانية الكبيسة معدودة.
بحلول عام 2035، لن تعاني الحواسيب من الخلل بسبب الطريقة التي يقيس بها البشر الوقت. وسيرتاح طلاب المدارس من أحد الحسابات المربكة التي اضطروا لتعلّمها عند حفظ التقويم السنوي.
تتغير مدّة اليوم بشكل مستمر؛ إذ تتراكم الاختلافات الطفيفة في دوران الأرض حول نفسها على مدى شهور أو سنوات. ولتعويض هذه الاختلافات، تضيف السلطات المسؤولة عن الوقت العالمي ثانية واحدة لتعديل مدة اليوم بشكل يتوافق مع دوران الأرض. منذ عام 1972، وعندما تم اعتماد نظام التوقيت العالمي، تمت إضافة 27 ثانية كبيسة.
ولكن لطالما مثّلت هذه الثواني الكبيسة تناقضاً أعمق. يعتمد تعريفنا لليوم على سرعة دوران الأرض حول نفسها. مع ذلك، يعرّف العلماء الثانية الواحدة، وهي الواحدة الأساسية للزمن التي يستخدمها العلماء وتستخدمها الحواسيب، بالاستعانة بالذرات. يضع عدم التوافق هذا بين التعريفين علم الفلك والفيزياء الذرية على طرفي نقيض.
اقرأ أيضاً: ما تأثير تغيير التوقيت العالمي على الساعة البيولوجية وكيف نخفف منه؟
لم نعد محكومين بدوران الأرض!
في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، اختارت السلطات المسؤولة عن نظام التوقيت العالمي الانحياز للفيزياء الذرية بدلاً عن علم الفلك. ووفقاً للخبراء، لا ضير في ذلك.
تقول ضابطة الوقت في الدائرة الدولية للأوزان والمقاييس في مدينة باريس، وهي وكالة متعددة الحكومات مسؤولة (من بين أمور أخرى) عن مزامنة الساعات الرسمية للدول، باتريسيا تافيلا (Patrizia Tavella): "لن نتخلى أبداً عن الفكرة التي تنص على أن قياس الوقت يحكمه دوران الأرض حول نفسها. [لكن] الحقيقة هي أننا لا نريد أن يكون هذا القياس محكوماً بشكل حصري بدوران الأرض".
يعتبر اليوم الواحد وحدة غريبة لقياس الزمن. نفكّر في اليوم عادة على أنه المدة التي تحتاجها الأرض لإكمال دورة واحدة حول محورها. وهو رقم يُستخدم في علم الفلك. لكن تكمن المشكلة في أن الواحدة الأكثر أساسية لقياس الزمن في العالم ليست اليوم، بل هي الثانية، والتي تُقاس باستخدام مواد صغيرة للغاية هي ذرات السيزيوم-133، وهو نظير كيميائي للعنصر رقم 55 في الجدول الدوري.
اقرأ أيضاً: لماذا كان يوم 29 يونيو 2022 أقصر يوم مرّ على الأرض منذ اختراع الساعة الذريّة؟
نظراً لأن طاقة ذرة السيزيوم-133 تتقلب بمقادير ضئيلة للغاية، تُصدر هذه الذرة الفوتونات بفروق زمنية منتظمة للغاية. منذ عام 1967، قامت الساعات الذرية بعدّ 9192631770 من واحدات الزمن هذه كل ثانية. لذلك، من وجهة نظر علماء القياس، والذين يدرسون عمليات القياس، يقابل اليوم الواحد ما مقداره 86400 من هذه الثواني.
مع ذلك، فإن مدة اليوم الواحد لا تساوي 86400 ثانية دائماً، وذلك نتيجة لأن دوران الأرض حول نفسها ليس منتظماً.
العوامل المؤثرة على دوران الأرض
تؤثر الحركات الطفيفة مثل القوى المديّة التي يطبقها القمر على الأرض أو تغيّر توزّع كتلة الأرض الناجم عن حركة موادها الباطنية المنصهرة، في دوران الأرض. يعتقد بعض العلماء أن ازدياد درجات الحرارة قد يتسبب في تحرك الهواء المسخّن والمياه الذائبة تجاه القطبين، ما قد يسرّع دوران الأرض حول نفسها أيضاً. في جميع الأحوال، تؤدي جميع هذه التأثيرات إلى اختلافات تبلغ بعض الأجزاء من ألف جزء من الثانية في طول اليوم خلال العام الواحد، والتي لا يعتبرها علماء قياس الوقت الذين يسعون للدقة اللامتناهية مقبولة. لهذا السبب، يحاول هؤلاء إجراء بعض التعديلات على نظام التوقيت العالمي لتعويض هذه الاختلافات.
تنشر خدمة أنظمة دوران الأرض والفضاء، وهي منظمة علمية غير ربحية مسؤولة عن ضبط المعايير الزمنية العالمية، تعداداً منتظماً يعبر عن مقدار الفرق ليستفيد منه علماء قياس الوقت في العالم. خلال معظم شهر ديسمبر/كانون الأول 2022، تراوح التفاوت بين مدة اليوم المقاسة باستخدام دوران الأرض وتلك المقاسة باستخدام الساعات الذرية بين 15 و20 ميلي/ ثانية.
يعتقد العلماء أن الزمن اللازم حتى تتراكم هذه التفاوتات لتشكّل دقيقة واحدة يساوي نحو قرن. بينما يبلغ الزمن اللازم حتى تتراكم هذه التفاوتات لتشكّل ساعة واحدة نحو 5 ألفيّات.
نهج جديد لقياس الوقت
في كل مرة يصبح فيها هذا التفاوت كبيراً جداً، تضيف خدمة أنظمة دوران الأرض والفضاء ثانية كبيسة إلى التوقيت العالمي. في شهري يناير/ كانون الثاني ويوليو/ تموز من كل عام، تصرّح هذه المنظّمة بما إذا كان سيتم استخدام الثانية الكبيسة أم لا. إذا كانت هناك حاجة لاستخدام الثانية الكبيسة، يقوم علماء قياس الزمن بإضافة ثانية واحدة إلى الدقيقة الأخيرة في 30 يونيو/ حزيران أو 31 ديسمبر/ كانون الأول بالتناوب. لكن في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، قررت الدائرة الدولية للأوزان والمقاييس أنه بحلول عام 2035، سيتخلّى علماء قياس الوقت عن الثانية الكبيسة وسيتّبعون نهجاً مختلفاً لم يُحدد بعد.
يعني ذلك أن قياسات المرصد الملكي في غرينتش في مدينة لندن، وهو خط الأساس لتوقيت غرينتش (جي إم تي) وخليفته الحديث، التوقيت العالمي المنسق (يو تي سي)، لليوم سوف تختلف. قد يحتج علماء الفلك الهواة على هذا القرار أيضاً، إذ إنه بإلغاء فكرة إضافة الثانية الكبيسة، يمكن أن تقل قدرتهم على التنبؤ بمشاهدات النجوم في سماء الليل.
لكن بالنسبة لمعظم الناس، تعتبر الثانية الكبيسة مفهوماً غريباً غير ضروري، وخصوصاً مقارنة بتعقيد المناطق الزمنية الذي يعاني منه الأشخاص الذين يسافرون لمسافات طويلة، أو التغيرات في التوقيت العالمي والتي يضطر الأشخاص الذين يعيشون في البلدان التي تراعي التوقيتين الصيفي والشتوي للتعامل معها مرتين في العام.
من ناحية أخرى، هناك عواقب لإضافة الثانية الكبيسة. وتتمثل هذه في حالات الخلل التقني وبعض المشكلات الكبيرة التي يعاني منها المبرمجون، والذين يضطرون بالفعل للتعامل مع تغيير التوقيت العالمي. يقول ضابط الوقت في المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا في مدينة بولدر في ولاية كولورادو الأميركية، وهو الوكالة الحكومية التي تضبط الساعات بشكل رسمي في البلاد،جوداه ليفين (Judah Levine): "سيسهّل التخلي عن الثانية الكبيسة الأمور من خلال إلغاء الحاجة لإجراء التعديلات كل فترة. ولكن المستخدمين اليوميين لن يلاحظوا هذا التغيير".
اقرأ أيضاً: كم الساعة الآن على كوكب المريخ؟
تنص الخطة الجديدة على أنه في عام 2026، ستجتمع الدائرة الدولية للأوزان والمقاييس بالمجموعات الأخرى ذات الصلة لتحديد المدة التي يمكنهم فيها السماح للتفاوتات بالتراكم قبل اتخاذ إجراء ما. تقول تافيلا: "سيتعين علينا اقتراح مدة جديدة، والتي قد تبلغ دقيقة أو ساعة أو قد تمتد إلى ما لا نهاية". ستحدد هذه المجموعات أيضاً الفترة الزمنية التي تفصل بين مراجعاتهم (أو مراجعة أخلافهم) لهذه المدة الجديدة.
هذا ليس قراراً يجب اتخاذه على وجه السرعة. تقول ضابطة الوقت في المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا، إليزابيث دونلي (Elizabeth Donley): "ربما ليس من الضروري مزامنة الوقت الذري مع الوقت الفلكي"، وتضيف: "يستطيع المستخدمون الذين يحتاجون تحديد الوقت لأغراض علم الفلك أو الملاحة الاطلاع على الفروق الزمنية ببساطة".
لا يمكننا حالياً التنبّؤ بتقلبات دوران الأرض، لكن يعتقد العلماء أن الزمن اللازم حتى تتراكم هذه التفاوتات لتشكّل ثانية واحدة يساوي نحو قرن. تقول دونلي: "لن يلاحظ أي أحد هذا التفاوت". يبلغ الزمن اللازم حتى تتراكم التفاوتات لتشكّل ساعة واحدة نحو 5 ألفيّات.
بتعبير آخر، يمكننا أن نسلّم مسؤولية حل مشكلة قياس الزمن إلى أحفادنا أو أحفاد أحفادنا. تقول تافيلا: "ربما سيصل علماء المستقبل إلى فهم أفضل لحركة الأرض"، وتضيف: "عندها، ربما سيتم طرح حل أفضل لهذه المشكلة".