الخيارات المتاحة
عندما تستثمر في مشاريع تعويض الانبعاثات، فأنت في الأساس تموّل -بشكلٍ غير مباشر- الممارسات التي تحصر أو تقلل انبعاثات غازات الدفيئة التي لا يمكن حصرها، أو تقليلها بطرق أخرى.
اليوم، هناك العديد من المشاريع حول العالم التي تعمل على حصر غازات الدفيئة بطرق عدة. والأكثر بداهة منها على الأرجح هي برامج التشجير. تُقدّم مؤسسة «موسي إيرث» مثلاً، آلات حاسبة كربونية (وهي برامج حاسوبية تحسب نسبة كمية الكربون المنبعث من مشروع أو منظمة أو شخص ما إلى كمية الكربون المنبعث الوسطية)، وآليات لموازنة انبعاثات الكربون معتمدة على زراعة الأشجار المستوطنة. زراعة الأشجار يمكن أن يكون لها سيئاتها، إذ أنّ زراعة حقل من الأشجار المتطابقة، على سبيل المثال، يمكن أن يؤثر على التنوّع الحيوي، لكن الفكرة الأساسية هي أنه كلما زاد عدد الأشجار المزروعة، زادت كمية ثنائي أكسيد الكربون التي تمتصها الغابات من الغلاف الجوي وتُضمّنها في تركيب أشجارها.
تُنشئ شركات أخرى مشاريعاً لتعويض الانبعاثات؛ تعتمد على تخزين هذا العنصر في الأرض بدلاً من الأشجار. مثلاً، توفّر شركة «نيتيف إينرجي» الزراعة التجديدية ضمن خياراتها، ففي أحد المشاريع في ولاية مونتانا في الولايات المتحدة، ولّد مُربّوا الماشية أثراً تعويضياً للانبعاثات عن طريق إدارة الرعي بحذر بهدف الحفاظ على أعشاب البراري؛ والتي تساعد في تخزين الكربون في التربة.
هناك أيضاً برامج تركّز على المواد الكيميائية الناتجة عن الصناعة، وتساعد المصانع على استخدام غازات بديلة حميدة بدلاً من غازات الدفيئة في عمليات التصنيع التي تقوم بها. تستهدف مشاريع أخرى غاز الميثان؛ وهو غاز دفيء ذو تأثير بليغ بشكل خاص. هذه المشاريع تُخفّف من إسهام غاز الميثان في احترار المناخ، عن طريق تغطية مكبّات النفايات المنزوية بالإسمنت، وحصر الميثان الناتج عنها.
اقرأ أيضا:
كيفية إيجاد برنامج جيّد
لا تُنجز كل البرامج ما يدّعيه القائمون عليها، وكما وجد تحقيق أجرته منظمة «برو ببليكا»، فإن بعض المشاريع المبينة على التشجير لم تحافظ على الأراضي التي أُطلقت لتحافظ عليها.
تقول «أنستازيا أورورك»، المديرة العامة لمختبر احتواء الكربون في جامعة ييل، أنه في حين أن التشجير بهدف تعويض الانبعاثات يحظى بالكثير من الاهتمام، إلا أن المشاريع الأقل شهرة التي تتضمن تغطية مكبّات القمامة، وتقليل استهلاك غازات الدفيئة تميل لأن تنتج آثاراً تعويضية يمكن قياسها بسهولة أكثر. تقول أورورك: «مع الأنظمة المبنية على التشجير أو الآليات واسعة النطاق القائمة على العمل على الأراضي، تكون معرفة ما يحصل فعلاً على أرض الواقع أمراً معقّداً للغاية». وتضيف: «[برامج حصر الميثان هذه] تميل لأن تكون عالية الجودة وقابلة للقياس، كما يمكن التحقق من فعاليتها».
تقول «جينيفر كوبر»، نائبة رئيس شركة «نيتيف إينرجي» أن مشاريع تعويض الانبعاثات كانت مليئة بالعيوب في بداياتها، ولكنها قطعت شوطاً كبيراً منذ ذلك الوقت، وباتت تمتلك رقابة أفضل.
توافق أورورك قائلة: «أعتقد فعلاً أن كل البنى التحتية لهذه المشاريع ازدهرت وأصبحت موثوقة أكثر مما كانت»، وتضيف: «[لكن] ليست كل المشاريع على قَدر من المساواة. هناك بعض المشاريع موثوقة أكثر من غيرها بالتأكيد من ناحية الحد من التغيّر المناخي».
بعض الأشياء الضرورية التي يجب التركيز عليها تتضمن إذا ما كانت الشركة قد قُيّمت من قبل طرف حياديّ، وإذا ما كانت الممارسات التعويضية موجودة في السجلات الرسمية. بكلمات أخرى، يجب عليك أن تتأكد من أن المنظمة تَصْدُق في أقوالها فعلاً، ومن أن المشاريع التي تُشترى تُنزع من السوق حتى لا يتم شراؤها أكثر من مرة، مما يقلل من فاعليتها بشكل كبير.
أحد البرامج الحيادية التي تنجز العمل المتعلق بتوثيق الشركات هو «جرين-إي»، والذي يعرض قائمة بالشركات التي تلبّي المعايير الصارمة على الموقع الخاص به. يقول بات بروير، وهو مُحلِّل في منظمة «سنتر فور ريسورس» غير الربحية، والتي تدير برنامج جرين-إي، أنه من الحكمة تَفحّص موقع الشركة التي تثير اهتمامك، والتحقق من إذا ما كانت تُصرّح بالمعايير التي تتّبعها في إنشاء مشاريع تعويض الانبعاثات. إذا لم تكن الشركة صريحة، فهذه ليست علامة جيدة على الأرجح.
في النهاية، يعود الأمر لك ولقِيَمك. معظم المشاريع والبرامج لها منافع متنوعة، مثل تحسين التنوع الحيوي والصحة العامة، أو خلق فرص العمل. يجب أن تنتقِ مشاريعاً مبنية على القضايا التي تريد دعمها.
اقرأ أيضا:
هل الأمر يستحق العناء؟
لنكن واضحين: الآثار الناتجة عن ممارسات الأفراد صغيرة للغاية مقارنة بالآثار التي تنجم عن شركات توليد الطاقة، والشركات الكبيرة الأخرى. إذا لم تصبح الدول جدّية في إحداث انخفاض حاد في الانبعاثات، فالمشاريع التعويضية لن تُجنّبنا التغيرات المناخية المدمّرة على الأرجح.
لكن في هذا الزمن من الأزمات المناخية المُقبلة، تقول أورورك أن كل تغيير بسيط له وزنه. بالإضافة إلى محاولة تخفيف بصماتنا الكربونية أينما استطعنا، تُوفّر مشاريع تعويض الانبعاثات إمكانية موازنة الانبعاثات التي قد لا يمكن موازنتها بطرق أخرى. إذا لم تكن قادراً على تحمّل تكلفة سيارة تيسلا، أو تغطية سطح منزلك بالألواح الشمسية، فهذه المشاريع هي خيار أقلّ تكلفة. تقول أورورك: «أعتقد أن [تعويض انبعاثات الكربون] هو أمر جيّد، لأنه إقبال على محاولة جدّية لفهم كيفية بناء عالم أكثر استدامة، ومساعدتك في أن تشعر بأنك تساهم في ذلك. أعتقد أن معظم الأشخاص -إذا خططوا بشكل صحيح- قادرين على الاستثمار في هذه المشاريع أو البرامج إذا رغبو في ذلك. وإذا فعل ذلك عدد كبير من الناس، فالآثار ستتراكم».
التكلفة قد تفاجئك جداً. هل تتذكر تلك الكيلومترات الـ 19063 التي قطعتها في قيادة السيارة؟ وفقاً لبرنامج حاسب على موقع «تيراباس» (شركة تبيع مشاريع تعويض انبعاثات الكربون) سأحتاج لأن أدفع 38.80 دولاراً لأعوّض الانبعاثات الناتجة. هذا لا يبدو سيئاً مقارنة بـ 3527 كلغ من ثنائي أكسيد الكربون.
تضيف كوبر أنه على الرغم من أن الآثار التي ستُحدثها ضئيلة، إلا أنك قادر على النظر إلى الموضوع على أنه دعم فعّال لحلول مشكلة التغير المناخي. في حالة الرعي المتجدد كمثال، قد لا يكون مُربّوا الماشية مستعدّين بشكلٍ تلقائي لأن يأخذوا المخاطرة المالية المتمثلة بالتسييج وشراء المعدّات، وتخصيص ساعات من الجهد المُتَطلَّب لإحداث نظام جديد، لكن بِتَوافر الأموال من بيع المشاريع، يصبح هؤلاء مستعدين أكثر لبناء علاقة أكثر استدامة مع أراضيهم.
يقول بروير: «إذا كنت قلقاً بشأن تلك الانبعاثات الناتجة عن الرحلات في الطائرة أو السيارة التي لا تستطيع تجنُّبها، أعتقد أن الاستثمار في مشروع تعويضي شرعي هو طريقة جيدة لتتخلّص من هذا القلق، ولتدعم السوق بشكل فاعل بنفس الوقت».
هذه الممارسات ليست حلولاً مثالية أو طرقاً للتّملّص من المسؤوليات، لكن هذه المشاريع والبرامج يمكن أن تساعد، خاصة في الأماكن التي يصعب تخفيف الانبعاثات فيها. كن متأكداً فقط من التحقق منها وانتقاء المناسب.
اقرأ أيضا:
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً