انفصل البشر المعاصرون عن إنسان نياندرتال (أقرب أبناء عمومتنا إلينا) منذ قرابة نصف مليون عام، لكنهما تزاوجا مجدداً عندما عاشا معاً مرّة أخرى قبل 60 ألف سنة، في المناطق التي تُعرف الآن باسم «الشرق الأوسط».
استمرت آثار ذلك التزاوج المتأخر حتى الآن على ما يبدو؛ ففي عام 2010 -وقبل أن أبدأ عملي في هذا المجال- قام العلماء بفك شفرة جينوم إنسان نياندرتال من خلال تحليل عيناتٍ متحجّرةٍ من العظام، ليكتشفوا بعدها أن الإنسان المعاصر ما يزال يحمل أجزاءً منها في جيناته. نعتقد حالياً أن أكثر من 50% من جينات أولاد عمومتنا من النياندرتال قد بقيت معنا عبر آلاف السنين، ونحاول الآن فهم سبب استمرارها معنا منذ ذلك الحين، وهل توّفر لنا أية فائدةٍ تطورية أم لا.
اكتشفت خلال أبحاثي في مختبري الخاص أنّ متغيراً جينياً؛ تعود أصوله إلى إنسان نياندرتال، يشفّر مُستقبِلاً معيناً لهرمون البروجسترون (هرمون مهم لحدوث الحمل السليم)، وهو موجود لدى ثلث النساء الأوروبيات، ويُعتقد أن النساء اللواتي يحملن هذا المتغيّر يملن إلى أن يكنّ أقل عرضةً لحالات الإجهاض، ونتيجة لذلك؛ ترتفع لديهن احتمالية إنجاب الأطفال.
وقد اكتشفنا أيضاً أن بعض المتغيرات الجينية التي تعود لأشباه البشر القدماء، يمكنها تحفيز استجابةٍ مناعية مفرطة جداً تجاه فيروس كورونا؛ مما يؤدي للإصابات بالمضاعفات الخطيرة لمرض كوفيد-19. ربما بقِي هذا الجين «المزعج» معنا خلال تطورنا لأنه ساعد أسلافنا في مكافحة المرض، ولكن بعد أن حددناه، نأمل في فهم المزيد عنه، وفتح المجال أمام تطوير علاجاتٍ مستقبلية مخصصةٍ للتعامل معه وتحييده.
تختلف جينات إنسان نياندرتال الموجودة لدى كلّ منا طبعاً؛ فهي غير متشابهة. ولكن تعود حوالي 1 - 2% من جينوم الإنسان المعاصر إلى جينات إنسان نياندرتال في الأصل، ويمكن أن تكشف الاختبارات الجينية؛ مثل تلك التي توفرها الشركات الطبية الخاصة؛ مثل اختبار «23 آند مِي»، عن نسبتها لديك بدقّة. بالرغم من أنني لم أُجرِ هذا الاختبار بعد، لكنني أعتقد أنه من المذهل حقّاً معرفة أنّنا نحمل القليل من ماضينا في داخلنا جميعاً.