من المفهوم أن تنفق مئات الحيوانات حول العالم كل يوم دون أن تلاحظها عين إنسان، لكن أن تنفق الحيوانات بأعداد كبيرة جداً في المكان والزمان نفسيهما، فلا بُدّ وأن تكون حوادث مؤسفة تُثير القلق بين العلماء والذعر بين الناس. فكيف سيكون شعورك إن استيقظت صباحاً لتجد ملايين الأسماك النافقة تطفو في النهر المجاور لمنزلك، أو أن تشاهد آلاف الطيور الميتة تتساقط من السماء، أو أن تسمع بآلاف الظباء النافقة الممددة بجانب بعضها بعضاً؟ تعرّف إلى أكبر حوادث نفوق جماعية للحيوانات وما رأي العلم فيها.
اقرأ أيضاً: صور مذهلة للحياة البرية لن تصدق أنها التُقطت على الأرض
أكبر حوادث نفوق جماعي للحيوانات
نهر من الأسماك النافقة في أستراليا
في 17 مارس/ آذار عام 2023، استفاق سكان بلدة مينيندي الواقعة في نيو ساوث ويلز في أستراليا على منظر ملايين الأسماك النافقة الطافية في نهر دارلينغ باكا، والتي امتدت على مسافة عشرات الكيلومترات وغطت سطح الماء وفاحت منها رائحة التعفن. وإذا كان وجود سمكة واحدة متعفنة بالقرب منك سيكون أمراً لا يُحتمل، فكيف ستؤثّر ملايين الأسماك المتعفنة في بلدة عدد سكانها 500 شخص تقع على ضفاف النهر، وتستخدم مياه النهر للاغتسال والاستحمام؟ فما سبب نفوق هذه الأعداد الهائلة من الأسماك؟
في الواقع، أدّت موجات الحر الشديد والفيضانات التي حدثت قبلها إلى هذا النفوق الجماعي، حيث تسببت الفيضانات بانخفاض مستوى الأوكسجين في المجرى المائي، ثم سببت موجة الحر التي تلتها تفاقم هذا الانخفاض، فالماء الدافئ يمكن أن يحتوي على كمية أقل من الأوكسجين مقارنة بالماء البارد، وبما أن الأسماك تحتاج إلى المزيد من الأوكسجين في درجات الحرارة الأكثر دفئاً، فقد أصبح ذلك المزيج مميتاً لها.
ولم يكن هذا الحادث هو الأول من نوعه بالنسبة لسكان مينيندي، فقد شهدوا حوادث نفوق مماثلة في أواخر عام 2018 وأوائل عام 2019، لكن وبالنسبة للسكان المحليين، فإن ما حصل في 2023 كان أكبر بكثير من سابقيه. يمكن القول إنه ومع تواتر حدوث موجات الحر التي أصبحت أكثر شدة نتيجة تغيّر المناخ، فمن المتوقع أن يشهد نهر دارلينغ باكا حوادث مماثلة أخرى في المستقبل.
اقرأ أيضاً: ما الحيوانات التي تمكّنت من الصمود خلال الحقبة الجليدية؟
نفوق عشرات الآلاف من ظباء السايغا في كازاخستان
في 10 مايو/ أيار من عام 2015، بدأ النفوق الجماعي لظباء السايغا الموجودة في وسط كازاخستان، إذ نفق نحو 200 ألف حيوان في غضون 3 أسابيع ضمن مجموعات متفرقة منتشرة على مساحة تبلغ عدة مئات الآلاف من الكيلومترات المربعة. كان حادث النفوق ذلك كبيراً جداً، فقد شكّل عدد الحيوانات النافقة نحو أكثر من ثلثي عدد الظباء الموجودة على مستوى العالم في ذلك الوقت، وقضى على 88% من الظباء الموجودة في كازاخستان.
وتعد ظباء السايغا من الأنواع المهددة بالانقراض التي تتواجد بشكلٍ أساسي في كازاخستان، بالإضافة إلى أعداد قليلة في روسيا وأوزبكستان وسلالات فرعية في منغوليا، ومن المعتاد أن تتجمع في كازاخستان في شهر مايو/ أيار من كل عام لوضع مواليدها.
ويفسّر العلماء هذا النفوق الجماعي نتيجة إصابة الظباء بتسمم الدم النزفي الذي تسببه بكتيريا باستوريلا مولتوسيدا (Pasteurella multocida)، حيث أسهمت الظروف الجوية في منطقة تجمع الظباء للولادة وتحديداً رطوبة الهواء خلال الأيام العشرة التي سبقت النفوق في تكاثر البكتيريا الكامنة، وانتشارها بشكلٍ كبير جداً ضمن الحيوانات المتجمعة، ما أسفر عن نفوقها.
اقرأ أيضاً: 8 أساليب تلجأ إليها الحيوانات لتفرض سيطرتها على منطقتها
سقوط آلاف الطيور النافقة جنوب غرب الولايات المتحدة الأميركية
في أوائل شهر سبتمبر/ أيلول من عام 2020، سقطت آلاف الطيور النافقة من السماء فوق بعض الولايات الأميركية مثل نيومكسيكو وكولورادو وتكساس وأريزونا. لم يستوعب الناس هذا المنظر المخيف من الطيور النافقة التي تغطي عدة كيلومترات من الأرض، ومنهم من استنتج أن نهاية العالم قد اقتربت، أو اعتقد بوجود أجسام طائرة مجهولة اصطدمت بها الطيور وغيرها من الفرضيات. لكن الخبراء قالوا إن الطيور التي نفقت هي من الطيور المهاجرة من السنونو وصائدات الذباب وطيور الصادح، التي تهاجر جنوباً من ألاسكا وكندا إلى أميركا الوسطى والجنوبية، وتطير خلال رحلتها فوق الجنوب الغربي للولايات المتحدة الأميركية.
وأحد الاحتمالات التي طرحها الخبراء لتفسير حادث النفوق، أن الطيور وخلال هذه الرحلة لا بُدّ وأن تهبط كل بضعة أيام لتناول بعض الطعام والتزود بالطاقة اللازمة للرحلة، لكن وبسبب حرائق الغابات التي حدثت في الولايات الأميركية الغربية، اضطرت الطيور لتغيير طريقها نحو المناطق الداخلية التي يندر فيها وجود الطعام والماء، وهذا يعني أنها لم تستطع تخزين ما يكفي من الدهون والطاقة اللازمة للرحلة، فماتت جوعاً.
في حين يفترض البعض أنه وبسبب الظروف الجوية شديدة الحرارة المرتبطة بأزمة المناخ والتي ضربت الولايات الجنوبية الغربية، حدث نقص في أعداد الحشرات في المنطقة، وهي مصدر الغذاء الأساسي للطيور المهاجرة، ما أدّى أيضاً إلى موتها جوعاً. وهناك فرضية أخرى تقول إن الدخان المنبعث من حرائق الغابات ربما قد أضر برئاتها، في حين يقول البعض إن الحادث قد يكون ناتجاً عن مزيج من هذه الأسباب.
اقرأ أيضاً: كيف تكيّفت الطيور الإفريقية مع موجات الحر غير المسبوقة؟
اختفاء المليارات من حشرات النحل الأميركي
في شتاء 2006-2007، أبلغ مربو النحل في الولايات المتحدة الأميركية عن اختفاء غامض ومفاجِئ لمليارات الحشرات من النحل العامل، ما أسفر عن خسائر جسيمة في خلايا النحل لديهم بنسبة تتراوح ما بين 30 إلى 90%. وقد أظهرت نحو 50% من الخلايا على مستوى البلاد أعراضاً لا تتوافق مع أي أسباب معروفة لوفاة النحل؛ إذ أبلغ المربون عن فقدان مفاجئ لمجموعات النحل العامل في المستعمرة، مع وجود عدد قليل جداً من النحل الميت بالقرب من الخلية، في حين بقيت الملكة والحضنة داخل المستعمرة، مع وجود احتياطات وفيرة نسبياً من العسل وحبوب اللقاح داخل المستعمرة. لكن وبما أن خلايا النحل لا يمكنها إعالة نفسها دون وجود النحل العامل، فإنها ستموت في النهاية.
سُمي هذا المزيج من الأحداث الذي أدّى إلى فقدان مستعمرات النحل بشكلٍ غامض باسم اضطراب انهيار المستعمرة، وأسبابه لم تكن واضحة تماماً، إلا أن العديد من الفرضيات قد وضعت لتفسيرها مثل: الخسائر الناتجة عن عث الفاروا، أو بسبب الأمراض الجديدة أو الناشئة مثل بعض الفيروسات، أو نتيجة تسمم النحل بالمبيدات الحشرية المطبقة على المحاصيل، أو نتيجة إجهاد النحل الناتج عن ممارسات نقله بين المراعي، أو نتيجة سوء التغذية وغيرها.
اقرأ أيضاً: هل النحل مهدد حقاً بالانقراض؟
موت الملايين من رؤوس الماشية في منغوليا
في مارس/ آذار من عام 2010، تعرضت دولة منغوليا الواقعة في وسط آسيا غير الساحلية إلى كارثة طبيعية بطيئة، حيث عانت خلالها من موجة جفاف شديدة في فصل الصيف، تلاها موجة برد شديدة خلال فصل الشتاء. ثم وبحلول مارس/ آذار من عام 2010، سببت درجات الحرارة المنخفضة نفوقاً جماعيّاً لما يقارب 1.7 مليون رأس من الماشية، ما يعد كارثة بالنسبة للشعب المنغولي الذي يعتمد على الماشية في لقمة عيشه. وقد فسّر الكثير من الخبراء ذلك بأن موجات الحر والبرد الشديدة هذه ناتجة عن تغيّر المناخ، وهو أمر قد يؤدي إلى حدوث العديد مثل هذه الحوادث المشابهة مستقبلاً.
حوادث نفوق جماعية أخرى
من حوادث النفوق الجماعية للحيوانات أيضاً، نذكر نفوق أكثر من 6 ملايين خفاش في أميركا الشمالية والذي بدأ عام 2007 واستمر على مدى عدة سنوات، وذلك بسبب فطر غامض عُرف بمتلازمة الأنف الأبيض دمر نسيج أجنحتها الهش وهو ما منعها من الطيران لاصطياد الحشرات.
وفي عام 2011، نفق أكثر من 100 ألف سمكة من سمك الطبل في القسم الشمالي الغربي من ولاية أركنساس الأميركية، وعلى الرغم من عدم تمكن المسؤولين من تحديد سبب نفوق الأسماك على وجه اليقين، لكنهم أشاروا إلى أن تلوث المياه لم يكن السبب على الأرجح، لأن التلوث من شأنه أن يؤثر في أكثر من نوع واحد من الأسماك، وذلك ما لم يحدث.
اقرأ أيضاً: ما تأثير التلوث الضوضائي على الحيتان البيضاء في القطب الشمالي؟
وفي عام 2015، اكتشف العلماء في رحلة فوق منطقة خليجية في دولة تشيلي نفوق مئات الحيتان على الساحل، وسبب نفوقها لا يزال مجهولاً مع استبعاد التدخل البشري. وفي يناير/ كانون الأول من عام 2016، اكتشف العلماء نفوق أكثر من 8000 طائر بحري على شاطئ ويتير في ألاسكا، يعتقد العلماء أن ارتفاع درجة حرارة الماء والتغيّر المناخي قد أثّرا في الفرائس التي تتغذى عليها الطيور ما أدى إلى موتها جوعاً.
ختاماً، إن حوادث النفوق الجماعية للحيوانات ليست أمراً محزناً فحسب، بل من شأنها أن تؤثر في السلاسل الغذائية بشكلٍ كبير، وقد تؤثر في الأنشطة البشرية أيضاً، ويمكن أن تعيد تشكيل المسارات البيئية والتطورية للحياة على الأرض وذلك عند حدوثها على مستوى هائل.