نشر شباب سعوديون على تويتر مقاطع فيديو مختلفة لمشاهدات غريبة في صحراء الربع الخالي، مجموعة من الأضواء المتحركة، والتي مهما حاولوا الاقتراب منها لم يتمكنوا من التقاطها، أو معرفة ماهيتها، عُرفت بأضواء "أبو فانوس"، أي الرجل الذي يحمل ضوءاً.
غريب جداً | هذا إسمه الغول وفي الحديث (( إذا تغولّت الغيلان فنادوا بالأذان )) أو كما قال عليه الصلاة والسلام
هذا يضلّك في الصحراء أو الأرض الفلاة حتى تهلك يغويك بهذه الأنوار حتى تظن أن هنالك بشر وكلما اقتربت ابتعدت (فيجب الحذر هذه الأيام مع طلعات البر !! ) #عفاريت#ابو_فانوس pic.twitter.com/STrCFhNaTA— الـقـعقاع بـن تميم (@qbk_tamim) December 8, 2018
ولكن، ليست السعودية المكان الوحيد الذي ظهرت فيه تلك الأضواء، فأين ظهرت أيضاً وما التفسير العلمي لأضواء "أبو فانوس"؟
انتشار ظاهرة "أبو فانوس": أسماء متعددة
كان عام 1883 عندما لاحظ راعي البقر روبرت ريد إليسون (Robert Reed Ellison) البالغ من العمر 16 عاماً، أضواءً غامضة في السماء حول بلدة مارفا (Marfa) الصغيرة في تكساس، بدت وكأنها تنبض وتتحرك ذهاباً وإياباً بسرعة كبيرة. منذ ذلك الحين، ادعى عدد لا يحصى من الأشخاص أنهم شاهدوا أضواءً متحركة في مارفا أيضاً، بل وحاولوا تحديد مصدرها، لكن دون جدوى. لأكثر من قرن، كانت أضواء مارفا الغامضة مصدراً للسحر والتكهنات.
في مدينة مين مين (Min Min) الأسترالية، لاحظ بعض السكان الأستراليين الأصليين وقبل دخول المستعمر البريطاني إلى البلاد، كرات ملونة عائمة وسريعة الحركة تتوهج في سماء الليل وتطارد الناس. حتى يومنا هذا، لا يزال البعض يروي حكاياته عن مشاهدات للأضواء في مدينة مين مين النائية.
وفقاً لمكان ظهورها، حملت الأضواء تسميات مختلفة، فُعرفت بأضواء "مارفا" أو "مين مين" أو "أبو فانوس". وفي جميع الأحوال، كانت المشاهدات متشابهة إلى حد كبير؛ فقاعات من الضوء العائم بألوان مختلفة، أحمر أو أبيض أو أصفر، تظهر في الليل وحتى قبيل الفجر لثوانٍ معدودة أو حتى لساعة من الزمن. ولكن لم يتمكن أحد من الوصول إليها مهما حاول الاقتراب منها.
تم وصف الأضواء بالأجرام السماوية المتوهجة، والأجسام الطائرة، وحتى الأشباح. في حين أن الأصل الدقيق للأضواء لا يزال غير معروف، إلا أن العديد من الأكاديميين وضعوا بعض النظريات انطلاقاً من الظواهر الطبيعية لتحديد مصدر الأضواء. ومن أهمها:
عواصف رعدية تحت الأرض
عمل جيمس بونيل (James Bunnell)، مهندس وكالة ناسا (NASA) السابق، على أضواء مارفا منذ عام 2000 ولمدة 12 عاماً، وتوصل في النهاية إلى نتيجة مفادها أن أضواء مارفا هي نتيجة لتفريغ الإجهاد التكتوني حول مدينة مارفا أو برق تحت الأرض.
لدراسة الظاهرة، وزع بونيل كاميرات مراقبة من زوايا مختلفة، وبعد ساعات وساعات من المراقبة، استطاع أن يميز بين أضواء المصابيح الأمامية، أو أي أضواء قد يُعتقد خطأً بأنها أضواء مارفا، وأضواء مارفا الفعلية. قال يونيل في لقاء له مع إذاعة مارفا بابليك راديو (Marfa Public Radio): "أعتقد أن الصواعق تحت الأرض تخلق عناقيد بلازما مغبرة هي مصدر الطاقة للأضواء الغامضة التي نراها. تعمل مجموعات البلازما المغبرة التي تم إنشاؤها بواسطة الطاقة الكهربائية تحت الأرض، كمصدر للطاقة لما يراه الناس على أنها أضواء غامضة".
اعتبر كارل ديفيد ستيفان (Karl David Stephan)، وهو أستاذ في كلية إنجرام للهندسة في جامعة ولاية تكساس، بنظرية بونيل كفرضية ممكنة، لكنه لم يؤيدها. قال ستيفان لصحيفة كرونيكل: "قد يكون النشاط الجيولوجي هو الذي يخلق النشاط الكهربائي، لكن تبقى كلها تكهنات في هذه المرحلة لا توجد حقائق مثبتة".
اقرأ أيضاً: حقائق غريبة قد تسمعها لأول مرّة
ظاهرة السراب المتفوق أو الفاتا مورغان: المصابيح الأمامية للسيارات
عام 2004، أرسلت جامعة تكساس مجموعة من طلاب الفيزياء للتحقيق في أضواء مارفا. وضّح الطلاب في تقريرهم أن الأضواء كانت مرتبطة بدقة مع ظهور مصابيح السيارات الأمامية على الطريق السريع، ومتكررة معها.
تم تفسير الظاهرة بما يُعرف بالتأثير المكبر أو المتلألئ للسراب المتفوق. تحدث ظاهرة السراب المتفوق عندما يكون هناك انعكاس في درجة الحرارة؛ أي الهواء تحت خط البصر أبرد من الهواء فوقه، فتظهر الأشياء أعلى من موقعها الفعلي.
اقترح كارل ديفيد ستيفان، أن أضواء مارفا عبارة عن سراب: "عندما تُرى المصابيح الأمامية للسيارة من على بعد 24 كيلومتراً أو نحو ذلك، عبر هواء غرب تكساس الذي يتم تسخينه بشكل غير متساوٍ بواسطة الأرض، تنكسر أشعة الضوء وتتشتت قليلاً بحيث تبدو أشعة المصابيح الأمامية عائمة ومتمايلة، حتى عند رؤيتها من خلال التلسكوب، إنه سبب تألق النجوم نفسه". ويضيف ستيفان، أن هذا الانكسار والتشتت في الضوء يؤثر أيضاً على الحجم الظاهر للأضواء.
وهو ما أكده البرفيسور جاك بيتيغرو (Jack Petigrew)، عالم الأعصاب ومدير مركز أبحاث الرؤية واللمس والسمع في جامعة كوينزلاند في أستراليا، بعد أن واجه الظاهرة أثناء دراسته لطائر ليلي في بلدة مين مين الأسترالية، حيث قال لمجلة البصريات في أستراليا (Journal of Optometry Australia): "إن ضوء مين مين يحدث عندما ينكسر الضوء من مصدر طبيعي أو من صنع الإنسان، إلى مراقب يبعد عشرات أو حتى مئات الكيلومترات بواسطة سراب مقلوب أو الفاتا مورغان، وهي ظاهرة ناتجة عن انعكاس درجة الحرارة".
ولكن، اعترض بعض المشككين على النظرية لأن السيارات لم يتم اختراعها حتى القرن الماضي، في حين تعود المشاهدات الأولى للأضواء إلى ما قبل ذلك بكثير.
اقرأ أيضاً: ما هو التنمر العلمي ولماذا يرفض البعض الحقائق العلمية ويتهجمون على العلماء؟
الغازات المتوهجة
وفقاً لموقع لايف ساينس، قد تكون أضواء مارفا في تكساس أو حتى أضواء مين مين في أستراليا وأبو فانوس في السعودية، ناتجة عن تسرب غازات المستنقعات الفوسين (PH3) والميثان (CH4)، والتي قد تشتعل في ظروف درجة حرارة وضغط معينة لدى ملامستها للأوكسجين. تسمى هذه الظاهرة بالوهج المستنقعي (Will-o'-the-wisp)، وتحدث في جميع أنحاء العالم نتيجة اضمحلال المواد العضوية وتشكل جيوب الفوسين والميثان.
في السعودية، هناك احتياطي كبير من النفط والغاز الطبيعي والمواد الهيدروكربونية، بما في ذلك كميات كبيرة من غاز الميثان قادرة على إنتاج تأثير مماثل لغازات المستنقعات.
اقرأ أيضاً: ما هي الثانية الكبيسة ولماذا تم التخلي عنها مؤخراً؟
إذاً، سواء كانت أبو فانوس في السعودية أو مين مين في أستراليا أو مارفا في تكساس، لا يزال العديد من المراقبين لهذه الظاهرة حول العالم يرفضون الاكتفاء بالتفسيرات العلمية للأضواء الغريبة المتحركة، ويفضّلون الحفاظ على هالة من الغموض حولها، من أرواح تائهة إلى الكائنات الفضائية والأجرام السماوية. وفي جميع الأحوال يبدو أن هذه الأضواء الغريبة لن تنطفئ في الصحاري الشاسعة.