في تجربة غُمرت خلالها بعض النفايات البلاستيكية تحت الماء قبالة شاطئ فالماوث في إنجلترا لمدة أسبوع فقط، تكونت طبقة من الأغشية الحيوية الرقيقة على سطحها، كانت عبارة عن مزيج لزج من الإفرازات المخاطية والبكتيريا. قام بالتجربة عالم الأحياء الدقيقة بجامعة إكستر في إنجلترا، ميشيل فوس، حيث غمر 5 أنواع مختلفة من البلاستيك. أراد فوس وزملاؤه اكتشاف أيّ من الميكروبات الموجودة في المحيط، والتي لا تعد ولا تحصى، يمكن أن تعيش وتلتصق بهذه المواد البلاستيكية.
كان التركيز الرئيسي لفوس وزملائه على البكتيريا المسببة للأمراض. لفهم إلى أي مدى يمكن أن تستعمر البكتيريا التي يُحتمل أن تكون قاتلة البلاستيك، قام الفريق بحقن يرقات عثة الشمع بالغشاء الحيوي المتشكل على سطح البلاستيك. ماتت 4% من اليرقات بعد أسبوع. ثم كرروا الاختبار بعد 4 أسابيع، ولكن بعد ترك النفايات البلاستيكية في المياه لفترة أطول قليلاً. ماتت 65% من يرقات عثة الشمع هذه المرة.
دراسة النتائج
حلل العلماء الأغشية الحيوية التي تشكلت على البلاستيك، ووجدوا أنها تحتوي على البكتيريا، بما فيها البكتيريا التي تسبب الأمراض للبشر، مثل التهابات المسالك البولية والجلد والمعدة والالتهاب الرئوي وغيرها من الأمراض. لكن الأمر المثير للقلق هو أن هذه البكتيريا تحمل أيضاً مجموعة واسعة من الجينات المقاومة لمضادات الميكروبات. يقول فوس: «تستعمر البكتيريا البلاستيك الذي يتم رميه في الماء بسرعة، بما فيها البكتيريا المسببة للأمراض، وذلك بغض النظر عن نوعية البلاستيك».
ليست البكتيريا فقط هي التي تستعمر البلاستيك. يمكن أن تحتوي الأغشية الحيوية المتشكلة على البلاستيك في الماء أيضاً على الطفيليات والفيروسات والطحالب السامة. ومع انتشار التلوث بالبلاستيك في البحار على نطاقٍ واسع، من خندق ماريانا وحتى شواطئ القطب الشمالي، يخشى العلماء من أن يسهم البلاستيك بنقل مسببات الأمراض البشرية عبر المحيطات.
لكن ما إذا كانت المواد البلاستيكية تحمل العوامل الممرضة بكثافةٍ عالية تكفي كي تشكّل تهديداً حقيقياً، وما إذا كانت تنقلها إلى مناطق جديدة هي أسئلة تصعب الإجابة عنها في الواقع.
هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن المواد البلاستيكية تتراكم وتنشر مسببات الأمراض في جميع أنحاء العالم. تقول عالمة الأحياء الدقيقة في المعهد الهولندي الملكي لأبحاث البحار، ليندا أمارال زيتلر، والتي كانت أول من صاغ مصطلح "بلاستيسفير" (plastisphere) للإشارة إلى النظم البيئية التي تتطور في بيئات بلاستيكية من صنع الإنسان: «يختلف البلاستيك عن المواد الصلبة الأخرى التي قد توجد في المحيط، مثل جذوع الأشجار والأصداف والصخور، لأن البلاستيك متين ويبقى طويلاً والكثير من أنواعه تطفو على السطح، ما يمنحها القدرة على التنقل».
يمكن للبلاستيك الانتقال لمسافاتٍ طويلة. على سبيل المثال، بعد زلزال وتسونامي عام 2011 في اليابان، تم اكتشاف المخلفات البلاستيكية من اليابان على الساحل الغربي لأميركا الشمالية. تقول أمارال زيتلر إن هذه القمامة تتمتع بالقدرة على نقل أي شيء عالقٍ بها.
تظهر الأبحاث المخبرية الحديثة أيضاً أن بعض الطفيليات المسببة للأمراض على البر يمكن أن تعيش في مياه البحر وتصيب الثدييات البحرية أيضاً. وقد أثبتت خبيرة الأمراض المعدية في جامعة كاليفورنيا ديفيس، كارين شابيرو، أن هذه الطفيليات الأولية- وتحديداً المقوسة الغوندية وخفية الأبواغ الصغيرة والجياردية المعوية- يمكن أن تلتصق بالجسيمات البلاستيكية الدقيقة في مياه البحر، ما قد يغيّر مكان وزمان وكيفية انتشار هذه الطفيليات في المحيط.
تقول شابيرو موضحة: «إذا تعلّقت هذه الطفيليات بالبلاستيك الذي يحتمل أن يوجد في مياه الصرف الصحي أو الأنهار أو في مياه الجريان السطحي الناجم عن العواصف، فستنتقل إلى أي مكان يصل إليه البلاستيك. قد تصل إلى المحار في قاع المحيطات، أو تطفو مع التيارات البحرية وسط المحيط».
وتشير شابيرو إلى أن الخطوة التالية هي البحث عن ارتباط مماثل بين الطفيليات والمواد البلاستيكية على أرض الواقع خارج المختبر.
اقرأ أيضا: صور مذهلة للأرض من الفضاء احتفالاً باليوم العالمي للبيئة
مخاوف من التلوث البلاستيكي
يبدو أن التلوث البلاستيكي الدقيق هو أرض خصبة لازدهار مسببات الأمراض، الأمر الذي يثير مخاوف على المدى الطويل لدى فوس من أن يحفّز ذلك انتشار سلالات من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. يمكن للبكتيريا تبادل الجينات، ونظراً لأن البكتيريا تكون على اتصال وثيق ببعضها البعض على سطح البلاستيك الدقيق، فإن مستوى نقل الجينات الأفقي بينها مرتفع كما يقول فوس. كما يمكن أن يوفر البلاستيك مكاناً تكون فيه البكتيريا على اتصال وثيق بالمبيدات الحشرية والملوثات الأخرى، والتي تلتصق أيضاً بالأغشية الحيوية. من شأن ذلك أن يشجع البكتيريا على تطوير مقاومة للمضادات الحيوية أيضاً.
يقول فوس: «لا نعلم الكثير حول هذا الأمر، ولكن هناك طرقاً مهمة تسمح بحدوث انتقائية عالية للبكتيريا التي تعيش على البلاستيك لتصبح الأجيال التالية مقاومة أكثر للمضادات الحيوية، كما أن لديها فرصة أكبر لتبادل الجينات الحاملة لصفات المقاومة».
بالإضافة إلى أنها تشكل مخاطر محتملة على صحة الإنسان، يمكن أن تهدد مسببات الأمراض المنقولة بالبلاستيك النظم البيئية البحرية وسلاسل الإمداد الغذائي كما تقول أمارال زيتلر. في الواقع، يعتمد الملايين من الناس على المأكولات البحرية كمصدر للبروتين، وهناك العديد من مسببات الأمراض التي تصيب الأسماك والمحار التي نتناولها. تقول أمارال زيتلر: «من الممكن أن تنقل المواد البلاستيكية الدقيقة العوامل الممرضة بين مناطق تربية الأحياء المائية ومناطق الصيد المختلفة».
يقول فوس أخيراً: «على الرغم من أننا لا ندرك هذه المخاطر تماماً، فإن هذه الدراسات تمثل مبرراً مقنعاً آخر للحد من التلوث البلاستيكي. لا يمكن أن يكون هناك شيء إيجابي في المواد البلاستيكية التي تحمل عليها مسببات الأمراض».
اقرأ أيضا: ما هي مناطق التضحية البيئية؟ وكيف تؤثر على البيئة في تشيلي؟