مثلما تتجه الطيور والقراد شمالاً نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، تنتقل الميكروبات كذلك نحو مواطن جديدة. قد تعتقد أن البكتيريا ليس لها موئل معين، لكن، وعلى غرار جميع الكائنات الحية، تفضل أنواع مختلفة من البكتيريا العيش في ظروف مختلفة.
لحسن حظ بعض هذه البكتيريا -تحديداً تلك الأنواع التي تتغذى على اللحم- قمنا نحن البشر من خلال ممارساتنا بوجود الاحتباس الحراري، ورفع درجة حرارة الكوكب بحيث تمكنت هذه البكتيريا من توسيع نطاق موائلها. تعيش بكتيريا «فيبريو فولنيفيكوس» في المياه السطحية عالية الملوحة، التي تتجاوز درجة حرارتها 13 درجة مئوية. هذا النوع من البكتيريا تسبب الإصابة بداء الضمات عند البشر، وهي عدوى تحدث نتيجة تناول المأكولات البحرية غير المطبوخة جيداً، ومستخرجة من مياه ملوثة. وتعيش في الولايات المتحدة، يعني هذا أن نطاقها انحصر تاريخياً في الساحل الجنوبي الشرقي، لكن يشير تقرير حالة نُشر حديثاً في دورية «حوليات الطب الباطني» إلى أن هذا النوع من البكتيريا يتقدم في اتجاه الساحل.
بكتيريا فيبريو فولنيفيكوس هي في الواقع أقل خطورة مما يوحي اسمها، ويصاب بها معظم الناس عند أكل المحار النيء أو غير المطبوخ جيداً. توجد هذه البكتيريا في جميع أنواع المحار تقريباً في الأشهر الدافئة، أما في مواسم البرد فتوجد هذه البكتيريا في بعض أنواع المحار. لذلك فالمسألة برمتها تعتمد على قدرة نظام المناعة لديك على القضاء على هذه البكتيريا. كما يقضي الطهي عليها بصورة فعالة، لذلك إن كنت قلقاً من الإصابة بها، تأكد فقط من طهي المحار جيداً قبل تناوله.
يقدر مركز السيطرة على الأمراض أن قرابة 80 ألف شخص يصابون بداء الضمات كل عام، يعاني معظمهم من حالات سيئة من التسمم الغذائي المصحوب بالإسهال والتقيؤ. لكن بعض الناس تصبح حالتهم خطيرة؛ إذ تصل البكتيريا إلى مجرى الدم، ما يتطلب الدخول إلى المستشفى، ويموت بعضهم -100 شخص سنوياً تقريباً- بسبب هذه البكتيريا.
تناول المحار هو الطريقة الأكثر شيوعاً للإصابة بهذا النوع من البكتيريا (فيبريو فولنيفيكوس)، إلا أن أسوأ الحالات تكون نتيجة الإصابة بالبكتيريا من خلال الجروح المفتوحة. ليست الجروح التي ألفناها وحدها التي يمكن أن تسبب الإصابة بهذه البكتيريا، إذ إن الإصابة بداء الضمات تحدث أيضاً بسبب رسم الوشوم على الجلد. إحداث أي ثقب في الجلد يسمح للبكتيريا بالدخول، لهذا السبب داء الضمات مصدر قلق بالغ خلال موسم الأعاصير. فالأعاصير تضرب مناطق المياه الدافئة حيث تعيش البكتيريا، وخلال هذه العواصف تندفع تلك المياه الساحلية نحو الداخل (بالإضافة إلى أطنان من الحطام الذي قد يتسبب في خدش الجلد للأشخاص الذين يتعرضون لهذا الحطام).
يعرض التقرير 5 حالات، من بينها وفاة واحدة، لأشخاص أصيبوا بداء الضمات من خليج ديلاوير، كان ثلاثة منهم يصطادون سرطان البحر في الخليج، حيث قال أحدهم أنه جرح ساقه أثناء إعداده الطعم من أجل الصيد. هذه الحالات خطيرة على غير المعتاد، فثلاث منها كانت لمصابين بالتهاب الكبد، حيث من المعروف أنه يهيئ المصاب به لتطوير مضاعفات ناجمة عن داء الضمات، وقد تطلبت جميع الحالات إزالة مكثفة للأنسجة الميتة المحيطة باللحم الميت؛ أحدهم بترت أطرافه الأربعة بينما توفي آخر.
لا يعني هذا أن حدوث التهابات بسبب البكتيريا آكلة اللحوم سيصبح أمراً شائعاً، فهذه الحالات شاذة. لكن، حسب ما أشار إليه المؤلفون (في التقرير)، فإن هذه سابقة في خليج ديلاوير، إذ كان معروفا أن بكتيريا فيبريو فولنيفيكوس تصل في بعض الأحيان إلى خليج تشيزبيك، بيد إنها نادراً ما اقتربت من منطقة ديلاوير الشمالية الأكثر برودة. قبل عام 2017، شهد المستشفى الذي أجري فيه هذا البحث حالة واحدة فقط من حالات الإصابة بهذه البكتيريا، لكن الخمس حالات التي ذكرها التقرير حدثت في غضون عامين.
من المرجح أن يكون ذلك إحصائية شاذة. لكن، لسوء الحظ، ارتفاع عدد هذا النوع من الإصابات في المناطق الشمالية على غير المعتاد؛ كان متوقعاً في ضوء تغير درجة حرارة الأرض. لذا على الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الباردة إدراك هذه المخاطر، وكذلك الأطباء الذين قد يرون إصابات لم يسبق لهم مواجهتها، وهذا ما يحتمه علينا الاحتباس الحراري.