تعتبر حدائق أسطح المباني طريقة فعّالة لجعل مجتمعات المدن أكثر استدامة واقتصادية، بالإضافة إلى أن هذه الحدائق توفّر وسيلة لتسلية السكان. مع ذلك، يعود عدم انتشار هذه الحدائق على نطاق أوسع كما يتوقع الكثيرون لسبب منطقي؛ إذ إن الظروف العامة في أسطح المباني ليست ملائمة للنباتات كما هي على مستوى سطح الأرض نتيجة لازدياد الإشعاع الشمسي وسرعات الرياح عند هذه الارتفاعات. لكن بفضل بعض التقنيات المتطورة الثورية، يمكن أن يزيد إنتاج النباتات المزروعة في هذه الحدائق بشكل كبير من خلال آليات عبقرية لإعادة توجيه انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون الناتجة عن المباني.
استخدام غاز ثنائي أوكسيد الكربون كسماد
وفقاً لدراسة جديدة نُشرت بتاريخ 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 في مجلة أبحاث رائدة في مجال أنظمة الغذاء المستدامة، قام الباحثون بتصميم نظام تهوية جديد يعتمد على نظام تصريف الكربون الموجود في أحد مباني جامعة بوسطن لاستخدام غاز ثنائي أوكسيد الكربون كسماد لمحاصيل السبانخ والذرة. بنفس الوقت، زرع الباحثون مجموعة من النباتات التي استخدمت كمجموعة ضبط بالقرب من جامعة بوسطن. واستخدموا نظاماً من المراوح التقليدية لضمان تدفق الهواء وعدم احتوائه على أي انبعاثات من المبنى. كان نتاج النباتات التي زرعت في جامعة بوسطن أكبر بكثير.
اقرأ أيضاً: نصائح الخبراء لزراعة غذائنا على مدار الفصول الأربعة
قال الباحثون في إعلان تم إصداره عن الدراسة الجديدة: "تمتّع نبات السبانخ المزروع بجوار فتحات التهوية بكتلة حيوية بلغت 4 أضعاف الكتلة الحيوية للسبانخ في مجموعة الضبط"، وأضافوا: "بلغت أحجام هذه النباتات ضعف حجم نباتات مجموعة الضبط حتى عندما تسببت الرياح السريعة بانخفاضها". ما يثير الاهتمام هو أنه على الرغم من أن الباحثين توقّعوا أن محاصيل السبانخ ستستفيد أكثر من ارتفاع نسب ثنائي أوكسيد الكربون مقارنة بمحاصيل الذرة (إذ إن مسالك التركيب الضوئي التي تمتلكها تعتبر أكثر تأثراً بنسب هذا الغاز)، فإن نتاج هذه الأخيرة بلغ ضعفاً إلى ضعفي نتاج الذرة في مجموعة الضبط.
يتم إطلاق غاز ثنائي أوكسيد الكربون من المباني بشكل طبيعي واصطناعي؛ إذ إنه ينبعث من زفير البشر وأنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء على حد سواء. للحفاظ على جودة الهواء بالنسبة للبشر، أي احتوائه على أقل من 1000 جزء في المليون من جزيئات غاز ثنائي أوكسيد الكربون، يتم إطلاق هذا الغاز السام في الهواء من خلال أنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء. وجّه الباحثون غاز ثنائي أوكسيد الكربون المنبعث من المبنى، والذي كان سيهدر أو يتحول إلى انبعاثات مضرة لو لم يتم استخدامه، تجاه حدائق الأسطح حيث يمكن أن يتم امتصاصه من قبل النباتات.
اقرأ أيضاً: الرمال الشمعية: طريقة مبتكرة لزراعة المحاصيل في الصحراء
قالت المؤلفة الرئيسية للدراسة الجديدة، سارابيث باكلي (Sarabeth Buckley)، في الإعلان سابق الذكر: "نأمل أن تحفّز تجربتنا تطوير النظام الذي صممناه واعتماده في نهاية المطاف في حدائق الأسطح والمزارع"، وأضافت: "إذا حدث ذلك، فسيتم تركيب المزيد من حدائق الأسطح. فضلاً عن أن هذه الحدائق تسهم في جمالية المدن، يمكنها أن توفر أيضاً العديد من الفوائد البيئية والاجتماعية مثل توفير الطاقة في المباني وخفض انبعاثات الكربون والتخفيف من آثار التغيّر المناخي وخفض درجة الحرارة في المدن وإنتاج الغذاء المحلي، كما أنها توفّر المزيد من الفرص لبناء المجتمع وبعض الفوائد للصحة العقلية".
لا تزال هناك بعض المسائل التي يجب التعامل معها قبل تركيب هذا النظام الجديد على أسطح المباني في المدن، مثل تحسين تصميم آليات استخدام الهواء وحل مشكلة سرعة الرياح. مع ذلك، فإن فوائد هذا النظام الثوري الجديد واضحة للغاية لدرجة أنه يمثّل حجر أساس لتطوير حلول مبتكرة لزيادة كفاءة برامج الاستدامة المدنية. في جميع الأحوال، يعتبر تناول المزيد من السبانخ مفيداً للجميع.
اقرأ أيضا: