تعرّف إلى أسباب الانحسار السريع للصفيحات الجليدية

تعرّف إلى أسباب الانحسار السريع للصفيحات الجليدية
حقوق الصورة: ديبوزت فوتوز.

يمكن أن تنحسر الصفائح الجليدية في القارة القطبية الجنوبية بوتيرة أسرع بكثير مما كان يعتقده العلماء سابقاً. أظهرت دراسة نُشرت في 5 أبريل/ نيسان في مجلة نيتشر (Nature) انحسار أجزاء من الصفيحة الجليدية الأوراسية بمعدل يصل إلى 600 متر في اليوم الواحد في نهاية العصر الجليدي الأخير. وهذا المعدل أسرع 20 مرة من القياسات السابقة. تفوق هذه الانحسارات المعدلات التي سُجلت في الأنهار الجليدية الأسرع حركة في القارة القطبية الجنوبية، التي تنحسر بمعدل يصل إلى 49 متراً في اليوم الواحد.

الصفيحة الجليدية الأوراسية

قد تكون النتائج الجديدة حاسمة لفهم عملية ذوبان الجليد في الوقت الحاضر بشكل أفضل.

كانت الصفيحة الجليدية الأوراسية ثالث أكبر كتلة جليدية خلال العصر الجليدي الأخير، وقد انحسرت عن النرويج منذ نحو 20,000 عام. عندما كانت في أكبر حجم لها امتدت مسافة تصل إلى 4,800 كيلومتر. وتعكس هذه الانحسارات أيضاً تراجع الصفائح الجليدية في جزيرة غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية اللتين فقدتا أكثر من 6,4 تريليونات طن من الجليد على مدى الثلاثين عاماً الماضية. وتُعد هاتان الصفيحتان الجليديتان في تلك المناطق مسؤولتين عن أكثر من ثلث إجمالي ارتفاع مستوى سطح البحر.

تقول المؤلفة المشاركة في الدراسة وعالمة الجغرافيا الطبيعية في جامعة نيوكاسل، كريستين باتشلور (Christine Batchelor)، في بيان صحفي: "تقدم هذه الدراسة تحذيراً لأخذ العبرة من الماضي بشأن سرعات انحسار الصفائح الجليدية الممكنة فعلياً، إذ تُظهر النتائج أن حالات الانحسار السريع (خلال فترة زمنية قصيرة) يمكن أن تكون أسرع بكثير من أي حالة شهدناها حتى الآن".

اقرأ أيضاً: 10 حقائق مدهشة عن القارة القطبية الجنوبية

استخدم فريق دولي من الباحثين في هذه الدراسة صوراً عالية الدقة لقاع البحر بهدف رصد تغيرات انحسار الصفيحة الجليدية على مدى الزمن. كما رسموا خرائط لأكثر من 7,600 من التضاريس الصغيرة التي تسمى الحواف المتموجة (corrugation ridges) على القاع البحري حول المنطقة التي كانت تغطيها الصفيحة الجليدية في الماضي. لا يزيد ارتفاع الحواف على مترين ونصف، ويبعد بعضها عن بعض بنحو 25 إلى 300 متر.

يُعتقد أن هذه التضاريس قد تشكّلت عندما تحركت الحواف المتراجعة للصفائح الجليدية مع المد والجزر، ما أدى إلى وصول رواسب قاع البحر إلى الحافة في كل مرة ينخفض فيها المد، وبالتالي تتكون حافّتان خلال دورتين للمد والجزر يومياً. ساعد تباعد التضاريس الفريق على حساب السرعة الهائلة للانحسار.

السرعة الهائلة للانحسار

يمكن أن يساعد هذا النوع من البيانات حول كيفية تفاعل الصفائح الجليدية مع فترات الاحترار السابقة في تحسين عمليات المحاكاة الحاسوبية التي تتنبأ بتغير الصفيحة الجليدية ومستوى سطح البحر في المستقبل. كما يشير إلى أن فترات الذوبان السريع هذه قد تستمر لأيام أو أشهر فقط، وهي فترات زمنية قصيرة نسبياً من وجهة نظر جيولوجية.

يقول المؤلف المشارك للدراسة وعالم الجليد في جامعة كامبريدج، جوليان داودزويل (Julian Dowdeswell) في بيان صحفي: "يوضح هذا كيف يمكن لمعدلات انحسار الصفيحة الجليدية على مدى عدة سنوات أو أكثر أن تخفي فترات أقصر من الانحسار السريع، ومن المهم أن تتمكن عمليات المحاكاة الحاسوبية من تكرار هذا السلوك المتقطع لانحسار الصفائح الجليدية".

من خلال فهم تضاريس قاع البحر نستطيع تسليط الضوء على الآليات الكامنة وراء الانحسار الجليدي السريع. يقول المؤلف المشارك وعالم الجيوفيزياء الجليدية في معهد سكوت بولار للأبحاث (Scott Polar Research Institute) التابع لجامعة كامبريدج، فريزر كريستي (Frazer Christie) في بيان صحفي: "أظهرت الدراسة أن الصفيحة الجليدية السابقة انحسرت بشكل أكبر عبر النقطة الأكثر تسطحاً وقابلية للذوبان في قاعها لتقليص سماكة الجليد في الأعلى إلى الحد الذي يجعله يطفو فوق الماء، وعندها يمكن للحافة الجليدية أن تنفصل عن قاع البحر وتنحسر بسرعة".

اقرأ أيضاً: ماذا يخبرنا قرن كامل من ارتفاع منسوب مياه البحر عن الثلاثين سنة القادمة؟

يعتقد الفريق أنه تمكن ملاحظة حالات الانحسار السريع المماثلة في المستقبل القريب في بعض أجزاء القارة القطبية الجنوبية، ويشمل ذلك نهر ثويتس (Thwaites) الجليدي في غرب القارة. قد يخضع النهر الملقب بنهر القيامة (Doomsday Glacier) لحالة مماثلة من انحسار الجليد السريع لأنه انحسر مؤخراً بالقرب من منطقة مسطحة في قاعه.

تقول باتشلور: "تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن معدلات الذوبان الحالية كافية لإحداث حالات انحسار سريعة وقصيرة عبر المناطق المسطحة من الصفيحة الجليدية في القارة القطبية الجنوبية، ويشمل ذلك نهر ثويتس، وقد تكتشف الأقمار الصناعية هذا النمط من انحسار الصفيحة الجليدية في المستقبل القريب، لا سيما إذا استمرت درجات الحرارة بالارتفاع".

المحتوى محمي